Kibya

مجزرة قبية:

في السابعة والنصف من مساء 14/10/1953، تحركت قوة يهودية قوامها 600 جندي نحو قرية قبية (غرب رام الله) وطوقتها وعزلتها عن سائر القرى العربية، حيث بدأ الهجوم بقصف مدفعي مركز وكثيف على مساكن القرية دون تمييز حتى وصول القوة الرئيسة إلى تخوم القرية، في حين توجهت قوات أخرى إلى القرى المجاورة مثل شقبا وبدرس ونعلين، لمشاغلتها ومنع تحرك أي نجدة نحو قبية، كما زرعت الألغام على مختلف الطرق، فعزلت القرية تماماً.

وقد دخلتها القوات اليهودية وهي تطلق النيران في مختلف الاتجاهات. وفيما كانت هذه القوات تقتل السكان، كانت وحدات المهندسين العسكريين الإسرائيلية تضع شحنات متفجرة حول بعض منازل القرية وتفجرها على من فيها، فيما تولى المشاة قتل كل من يحاول الفرار من السكان.

استمرت العملية الوحشية حتى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، فانسحبت القوات المعتدية إلى نقاط انطلاقها ونجم عنها تدمير 56 منزلاً ومسجد القرية وخزان المياه الذي يغذيها بالماء؛ فيما استشهد 67 من سكانها رجالاً وأطفالاً ونساءً، وسقط عدد كبير من الجرحى وأبيدت أسرة كاملة.

3-7-1-  شارون – سفاح قبية

روى محمد المسلوت قصة المجزرة التي ارتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بحق قريته قبية وعائلته عندما كان مسؤولاً عن الكتيبة 101 التي قامت بنسف بيوت في القرية على رؤوس نحو 78 فلسطينياً، معظمهم من النساء والأطفال.

وتحدث محمد عبد الله صالح المسلوت، من قرية قبية الحدودية مع الخط الأخضر، الذي شرع هو و46 عائلة فلسطينية بدعوى قضائية ضد شارون لتقديمه إلى المحاكمة في بلجيكا بتهمة ارتكاب مجزرة في هذه القرية.

وقال المسلوت الذي غطى الشيب رأسه، وعلامات الأسى تبدو على ملامح وجهه القمحي: “هل أنسى.. وكيف أنسى بعد 48 سنة ويومين زوجتي الحامل في شهرها التاسع وطفلي شعبان (5 سنوات) وميسر (7سنوات) الذين سيبقون معي طالما أنا موجود على   قيد الحياة؟ “.

وأضاف: “كان موسم الزيتون في قريتنا، بيننا وبين الحدود الإسرائيلية شريط شائك، عندما دخل الجنود الإسرائيليون من الجهة الغربية للقرية مع بغال تحمل على ظهرها الألغام والذخيرة، وقد حدوها بالكاوتشوك حتى لا تسمع حركتها وجلبتها”.

وتابع: “كانت الساعة السابعة مساء، شاهدهم أحد حراس الزيتون، فقاموا بقتله وأوثقوا رباط الحارس الثاني الذي أفلح بالهرب، لكنهم تابعوه بزخات من الرصاص، فأصابوه في ساقه وزحف باتجاه القرية لإعلامها بالاقتحام الإسرائيلي، فصدقه بعضهم ولم يصدقه بعضهم؛ وفرّ من وثق بكلامه إلى الجبال”.

وأكد المسلوت: “لقد هربت من البيت معتقداً بأن الجيش الإسرائيلي لن يقترب من النساء. صباحاً، كانت معظم بيوت القرية منسوفة فوق رأس من بقي فيها، وبأعجوبة كبيرة نجا القليل منهم”.

واقتحمت الكتيبة 101 التي كان يترأسها حينذاك أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، القرية الحدودية في 14 تشرين الأول 1953 في “عملية انتقامية لتلقين قرية قبية درساً” بحجة أن الفدائيين الفلسطينيين قد تسللوا منها وقتلوا أحد حراس القرى الزراعية الإسرائيلية حديثة الإنشاء في ذلك الوقت.

وأنكر شارون طوال الوقت أنه كان على علم بوجود أناس داخل البيوت التي نسفت في قرية قبية، التي وصل عدد القتلى فيها إلى 69 شخصاً حسب المصادر الفلسطينية، وأكد في سيرته الذاتية ومقابلاته “أنه نسف البيوت معتقداً أنها خالية من السكان”.

وقال المسلوت: “قدم كل سكان القرى المجاورة لقريتنا لنجدتنا في اليوم التالي للمذبحة، لقد أخرجوا من استطاعوا إخراجهم من تحت الأنقاض، ودفنوا الآخرين في بئر البيت المنسوف، على غرار ما حصل لعائلة أبو قادوس التي تعدّ 13 شخصاً، لم يبق منهم أحد على قيد الحياة”.

وعلى مدخل قرية قبية من الجهة اليمنى أرض فسيحة تحيط بها شجيرات الصبار وتملأها الأعشاب البرية ويتجنب الأطفال اللعب فيها أو الاقتراب منها، وهم يشيرون بأصابعهم ويرددون كلمات حفظوها عن ظهر قلب “مقبرة أبو قادوس الجماعية، قتلهم شارون”.

وقالت فطيم المحمود زوجة المسلوت الثانية: ” يجلس زوجي في بعض الأحيان ويجهش بالبكاء، ولا يحب أن يتحدث عن عائلته التي قضت في المجزرة، ولكنه كلما تذكر ما حدث له تنهمر دموعه بلا توقف بالرغم من أنه يكابر، ولكنه كلما تذكر عائلته يبكي كطفل بحرقة ولوعة”.

ويشعر معظم الرجال في قرية قبية بالذنب لأنهم تركوا نساءهم عرضة للموت دون الذود عنهم؛ وقال المسلوت: “كان يجب علينا أن لا نترك نساءنا وأطفالنا في البيوت وحدهم؛ إننا نشعر جميعاً بالذنب ولكن لم يكن لدينا سلاح لندافع به عن أنفسنا”.

وأكد المسلوت: “لم أنم لمدة 21 يوماً.  لقد همت في الجبال لسنوات قبل أن أعود إلى القرية”.

وأشار إلى أنه غير متأكد من أن مقاضاة شارون ستقدم له أي شيء، فالعالم ما زال يتغاضى عن جرائمه الحالية، فكيف سيعاقبونه عما اقترفت يداه في الماضي؟! لكنه عاد واستدرك: “ربما يحدث شيء، فالله أقوى من شارون”.

وقرية قبية يسكنها نحو 4500 فلسطيني، يعتمد معظمهم على العمل في فلسطين 48، وصودرت معظم أراضيها؛ وقال حسن أحمد راغب رئيس مجلس القرية، إن أراضي القرية كانت تمتد على مساحة 200 كلم مربع، اقتطع جزء منها لإقامة مطار اللد عليه وجزء آخر لإقامة معسكرات وملحقات ومستوطنات.

واعتبر رئيس المجلس: “أن المجازر الإرهابية كانت نهجاً إسرائيلياً لتشريد الناس من أرضهم ومن المنطقة بأكملها، لقد رحل نصف سكان قريتنا إلى مدينة الزرقاء في الأردن بعد المجزرة “.

وتصنف قرية قبية حسب اتفاقيات أوسلو الموقَّعة في 13 أيلول 1993 بمنطقة (سين وباء) أي أنها تخضع لكامل السيطرة الأمنية الإسرائيلية.