مخيم جنين

مخيم جنين- اسطورة تأبى النسيان…!

لا يمكن للفلسطيني اوالعربي ان يمر هكذا على ذكرى معركة مخيم جنين رغم زخم الاحداث اليومية الكبيرة وتلاحقها، تلك المعركة التي ارتقت في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي الى مستوى الاسطورة. فحينما يجمع المتحدثون عن المعركة على ان اسطورة مخيم جنين شهد لها العدو قبل الصديق وباتت منهاجاً يدرس في المعاهد والجامعات العسكرية العالمية، يتمّ فيها التعليم أن ما حدث في مخيم جنين حقيقة وليس من نسج الخيال؛ كما يتمّ تعليم كيفية صمود ثلة من الشبان المقاومين امام اعتى آلة عسكرية في العالم. هذه الحقيقة الكبيرة ليست من نسج الخيال الفلسطيني.

لقد خاض الفلسطينيون هناك على ارض المخيم معركة كبيرة .. كبيرة .. مشرّفة, أقسموا قبلها وخلالها على أن يقاوموا حتى الرصاصة الأخيرة .. وحتى الرمق الأخير .. وحتى النفس الأخير .. فاستبسلوا استبسالاً استشهادياً عظيماً لم يسبق أن شهدنا مثيلاً له على مدار الحروب والمعارك التي وقعت مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدى العقود الماضية…

سطر أهلنا في المخيم، مقاتلين ونساء وشيوخاً وأطفالاً، ملحمة صمود بطولية أسطورية حقيقية، اخذت تترسخ وتتكرس في الوعي والذاكرة الوطنية النضالية الفلسطينية والعربية على أنها من أهم الملاحم وأبرزها وأعظمها .

إذ من خلال اعترافات الإسرائيليين أنفسهم، فقد

” كان مخيم جنين الموقع الذي دفع فيه الجيش الإسرائيلي الثمن الأفدح / صحيفة هآرتس 7/4/2002 “,

ولأن القوات الإسرائيلية فشلت تماماً في اقتحام المخيم على مدى سبعة أيام كاملة، ولأن المعارك في المخيم كانت قاسية جداً ومثقلة بالإصابات ( في الجانب الإسرائيلي ), فقد قرر الجيش الإسرائيلي استخدام الجرافات العملاقة لهدم المنازل التي دارت فيها معارك ضارية ( وأخفقت القوات والدبابات) في اقتحامها  وعدم تطهيرها بواسطة إدخال الجنود إليها ولأن المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين في المخيم أظهروا مقاومة أسطورية لم تكن في حسابات الإسرائيليين، إذ نجحت في تمريغ أنوفهم في الطين، وحطمت قدرة الجيش الأسطوري معنوياً .. ولأن بلدوزر الإرهاب الصهيوني- شارون- كان يبيّت المجازر والدمار والخراب للفلسطينيين، فقد باشر الجنرال شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، آنذاك، بتولّي قيادة الهجوم على المخيم بنفسه، بعد أن أخفق كبار قادة الجيش في منطقة المخيم في كافة محاولات الاقتحام.

دفع الجيش الإسرائيلي بأرتال كبيرة من الدبابات والمدرعات والجرافات المعززة بغطاء جوي مرعب، يتكون من أسراب مروحيات ” الأباتشي ” وغيرها، ومدججة بالنوايا والنزعة الانتقامية الرهيبة لدى ضباط وجنود جيش الاحتلال الأمر الذي ترجم عملياً على أرض المخيم باقتراف أعمال القتل والتدمير بصورة مكثفة .. تلك الأعمال ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب البشعة ..

فاقترف جيش الاحتلال المجزرة الشاملة في مخيم جنين: المجزرة الدموية الجماعية .. والتهديم والتدمير الشامل والترحيل الجماعي للمدنيين .. فضلاً عن اقتراف كافة الانتهاكات الجُرمية ضد الجرحى والمدنيين وقت الحرب؛ إذ عزلت قوات الاحتلال المخيم تماماً, وقطعت عنه الماء والكهرباء والاتصالات والمواد الغذائية, كما منعت كافة أشكال الإغاثة الإنسانية للجرحى والأطفال والنساء والشيوخ ..

فكانت المجزرة الصهيونية شاملة ضد البشر والحجر…

 

  • قال بيار بار بانسي، الصحافي العامل لحساب صحيفة لومانيتيه الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أمضى 48 ساعة في المخيم عند حاجز جلمة

إنه بحسب العديد من شهادات الفلسطينيين، فإن الجيش الإسرائيلي قام بدفن الجثث في حفرة الساحة المركزية للمخيم وردمها بالأسمنت”،

وأضاف

إن وسط المخيم بات يشبه برلين، العام 1945 ، نظراً لحجم التدمير الفظيع” .

  • ونستحضر في السياق بعض اعترافات جنود وضباط العدو، فقد اعترف أحد جنود كتيبة الهندسة العسكرية الإسرائيلية الاحتلالية التي شاركت في اقتحام مخيم جنين فجر الرابع من نيسان 2002 قائلاً :

“إن الوضع هناك مرعب, ومن الأفضل عدم الدخول إلى هناك “، وأضاف : “إننا ننتقل من بيت إلى بيت غير أنهم يقاتلون بشراسة”.

  • وجاء في تقرير لصحيفة يديعوت العبرية:

“المسلحون الفلسطينيون لا يغادرون المخيم، وهم يقاتلون .. لقد زرعوا مئات العبوات الناسفة وأعدوا السيارات المفخخة .. ولديهم حوافز مجنونة, ويقاتلوننا بشراسة ولا يتنازلون”..

  • وأضاف جندي إسرائيلي آخر، واصفاً القتال في المخيم:

“إن ما يجري هناك يشبه الغرب الجامح, والجنود يستقبلون النيران الفلسطينية من كافة الاتجاهات، وفي كل الاتجاهات, كما تتطاير عشرات العبوات الناسفة من فوق رؤوس الجنود .. والرصاص أيضاً يمر قرب رؤوسهم”.

  • وصرح قائد الفرقة الجنرال اييل شلاين لإذاعة صوت “إسرائيل” قائلاً :

“لقد تعلم الفلسطينيون من المعارك واستخلصوا العبر، وأخذوا يخوضون معارك هي الأشرس حتى الآن”.

  • ووثّق المحلل العسكري الإسرائيلي رؤوبن فدهتسور المعركة قائلاً :

إن من قرر احتلال مخيم اللاجئين في جنين قد أخطأ ليس فقط في تحليل المعطيات الاستخبارية، بل وأيضاً في فهم آثار القتال هناك، ففي كل الأحوال ستسجل هذه المعركة باعتبارها ستالينغراد الأمة الفلسطينية”.

 

إذن … وبشهاداتهم أيضاً: فقد دخل المخيم التاريخ من أوسع أبوابه، لأن قصة صموده وبطولة مقاتليه دفعت إلى قراءة ما حصل هناك، خاصة مع اختلاف موازين القوى وحجم الخسائر وشراسة المعركة وعنفوانها، وقصة الخدع والشراك التي تميز بها مقاتلو المخيم، وفي النهاية قصة كل الشهداء، الذين قاتلوا حتى الرمق الأخير.

ولا تتوقف القصص والحكايات عند حد معيّن، ففي كل زاوية وممر قصة، وتحت كل منزل مهدم وركام منثور بطولة شهيد التصق بالسلاح هناك استشهد طه زبيدي، وهنالك استشهد شادي النوباني، وهنا استشهد الشيخ رياض بدير, وهناك أيضاً محمود, ومحمد وغيرهم من المقاتلين الأبطال.

وهكذا .. يتحول مخيم جنين إلى رمز للبطولة الفلسطينية وأسطورة تتكرس في وعي وذاكرة الفلسطينيين والعرب على مدى التاريخ الراهن والقادم .

سارع مئات المواطنين الفلسطينيين إلى إطلاق اسم”جنين” على أطفالهم الجدد، وتحول الاسم إلى نغمة على كل لسان . 

 

الفصل الاول:المخيم – الجريمة – شهادات إدانة وتجريم

 

باعترافات الإسرائيليين أنفسهم فقد ” كان مخيم جنين الموقع الذي دفع فيه الجيش الإسرائيلي الثمن الأفدح “[1], ولأن القوات الإسرائيلية فشلت تماماً باقتحام المخيم على مدى سبعة أيام كاملة, ولأن ” المعارك في المخيم كانت قاسية جداً ومثقلة بالإصابات ( في الجانب الإسرائيلي ), فقد قرر الجيش الإسرائيلي استخدام الجرافات العملاقة في هدم المنازل التي دارت فيها معارك ضارية ( وأخفقت القوات والدبابات في اقتحامها ) وعدم (تطهيرها) بواسطة إدخال الجنود إليها”[2] , .. ولأن المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين في المخيم أظهروا مقاومة أسطورية لم تكن في حسابات الإسرائيليين, إذ نجحت في تمريغ أنوفهم في الطين, وحطمت قدرة الجيش الأسطوري معنوياً .. ولأن بلدوزر الإرهاب الصهيوني شارون كان يبيّت المجازر والدمار والخراب للفلسطينيين, فقد ” باشر الجنرال شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بتولي قيادة الهجوم على المخيم بنفسه, بعد أن أخفق كبار قادة الجيش في منطقة المخيم في كافة محاولات الاقتحام “[3]  .

وقد دفع الجيش الإسرائيلي بأرتال كبيرة من الدبابات والمدرعات والجرافات المعززة بغطاء جوي مرعب، يتكون من أسراب مروحيات ” الأباتشي ” وغيرها, ومدججة بالنوايا والنزعة الانتقامية الرهيبة لدى ضباط وجنود جيش الاحتلال, الأمر الذي ترجم عملياً على أرض المخيم باقتراف أعمال القتل والتدمير بصورة مكثفة .. تلك الأعمال ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب البشعة ..

لقد اقترف جيش الاحتلال المجزرة الشاملة في مخيم جنين : المجزرة الدموية الجماعية .. والتهديم والتدمير الشامل والترحيل الجماعي للمدنيين .. فضلاً عن اقتراف كافة الانتهاكات الجرائمية ضد الجرحى والمدنيين وقت الحرب؛ إذ عزلت قوات الاحتلال المخيم تماماً, وقطعت عنه الماء والكهرباء والاتصالات والمواد الغذائية, كما منعت كافة أشكال الإغاثة الإنسانية للجرحى والأطفال والنساء والشيوخ ..

إنها المجزرة الصهيونية الشاملة ضد البشر والحجر في مخيم جنين … المجزرة التي فتحت الجرح والوجع الفلسطيني بأشد صورة وأعمق إيلاماً .. المجزرة التي فتحت ملف المجازر الصهيونية مجدداً، وبقوة هائلة، من دير ياسين إلى مخيم جنين .

 

1-1-           المجزرة – مشاهد القتل والدمار والخراب

تعمّد جيش الاحتلال خلال حملته التي استهدفت مخيم جنين تدمير كافة مرافق الحياة، فلم يسلم بيت أو مؤسسة أو مواطن في المخيم، على مدار أيام القصف والمداهمة التي شملت مدرسة وكالة الغوث الدولية

” فرغم وجود شارة الأمم المتحدة وانتصاب علمها بشكل واضح على مدخلها، إلا أن الدبابات والطائرات الإسرائيلية أطلقت نيران أسلحتها الرشاشة عليها، كما سقطت عدة قذائف داخل حرمها؛ ولم يكتف الجنود بذلك، بل اقتحمتها وحدة مؤلفة من أكثر من 50 جندياً وعاثت فيها فساداً، ضاربة عرض الحائط بكافة الأعراف والمواثيق الدولية “[4]  .

ومنذ بدء الهجمة الإسرائيلية على المخيم، بعد أن وصفت مصادر أمنية إسرائيلية المخيم بأنه

” قاعدة للمنظمات وانطلاق المجموعات التفجيرية, قامت الدبابات والجرافات بتدمير ونسف واجهات العشرات من المنازل والعبث فيها وتخريبها “[5] .

  • وقال سامر السعدي

” إن الجنود, ودون سابق إنذار, هدموا بوابة منزله ثم اقتحمه أكثر من 50 جندياً اقتادوه وأفراد أسرته، البالغ عددهم أكثر من 25 فرداً، إلى غرفة صغيرة ثم توزعوا في كافة الغرف وأتلفوا محتوياتها, ولدى محاولته الاحتجاج والاعتراض أطلقوا النار عليه, ويضيف : بأعجوبة بالغة نجوت من الموت، ولكنهم تعاملوا معنا بقسوة وداهموا منزلنا خلال ساعة مرتين “[6]

  • وروى المواطن أبو علي عويس

” أنه خلال جلوسه وأسرته داخل منزلهم، فوجئوا بالرصاص ينهمر فوق رؤوسهم والقنابل تطلق على بوابة المنزل والجنود يطلبون منه فتح الباب مهددين بنسف المنزل “

ويقول

” كانوا يطلبون فتح الباب ويطلقون النار فصرخت : أوقفوا النار حتى أفتح, ولكن كلما اقتربت من البوابة يشتد صراخهم وتتزايد قنابلهم، حتى خلعوا البوابة ودخلوا مشهرين أسلحتهم, ثم ألقوني أرضاً دون مراعاة أنني أسير على عكّاز؛ وجمعونا في غرفة المطبخ ووضعوا علينا حراسة مشددة, فيما احتل باقي الجنود المنزل ليقلبوه رأساً على عقب ويتلفوا كل ما وقعت عليه أيديهم, فخلطوا المواد التموينية بعضها ببعض، ودمروا الأثاث؛ وعلى مدار خمس ساعات منعونا حتى من الشراب والطعام “[7]  .

  • ويقول النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني جمال الشاتي

” إن القوات الإسرائيلية قامت بقصف عشوائي للأحياء والمنازل، ما أدى لاحتراق أكثر من عشرين منزلاً, وإصابة بعض سكانها، خاصة الأطفال، بحروق وجروح، بعدما منعت القوات سيارات الإسعاف والطوارئ والدفاع المدني من الوصول إليهم – المصدر نفسه “,

  • وقال المواطن محمود أبو صلاح

” إن إحدى القذائف سقطت داخل منزله فاحترق بالكامل ولم يعثر داخله سوى على الرماد؛ علماً أنه تزوج قبل شهر ولا يزال يقوم بتسديد أثاثه. أما المواطن نصيف اللبدي، فإن الجنود أضرموا النيران داخل منزله بعد احتلاله بيومين؛ وقال: اقتحموا المنزل وطردونا منه ونصبوا الكمائن للشبان. وحين فشلوا في اعتقال أحد منهم، أشعلوا النار في الأثاث فاحترق كل شيء, وأصبحت وزوجتي دون مأوى، لا نجد ما ننام عليه”[8] .

  • العقيد أبو مازن قائد الدفاع المدني في المحافظات الشمالية في الضفة الغربية قال

” إن الجيش الإسرائيلي تعمّد عرقلة عمل ونشاط طواقم الدفاع المدني، وتسبب في احتراق وتدمير عدد كبير من المنازل. فقد أُطلِقَت النار على سيارات الدفاع وتعرضت حياة العاملين فيه للخطر؛ وهذا العمل مخالف لأبسط حقوق الإنسان، لأن الحرائق قد تتسبب في انفجارات شديدة، خاصة في المناطق المأهولة والتجمعات المتلاصقة “[9]  .

  • وقال عطا أبو ارميلة، رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في المخيم

” إن الجيش الإسرائيلي ألحق دماراً وخسائر فادحة في كافة مرافق البنية التحتية في المخيم؛ فقد قصف محولات وأعمدة الكهرباء ليغط المخيم في ظلام دامس عدة أيام, كما دمر خطوط الاتصالات والمياه، وداست الدبابات أكثر من 20 مركبة مختلفة، بشكل متعمد، كانت موجودة في مناطق آمنة ومتوقفة دون حركة أو نشاط، بل وأحرقت بعض السيارات. وذكر أن الجنود أضرموا النار في عدد من المحلات التجارية، فيما استهدف الرصاص محلات أخرى، أُتلِفَت محتوياتها، كما لم يبق بيت في المخيم إلا وألحق به دمار واخترقه الرصاص “[10] .

  • كما يقول الشيخ خالد الحاج من حركة حماس

” وحتى المساجد لم تسلم من قصف الطائرات والدبابات “,

وأضاف

” أن الجنود عملوا على إرهاب الأهالي وإذلالهم، فقد احتجزوا الأطفال ومزقوا المصاحف والكتب الدينية وصور الشهداء وصادروا أجهزة الكمبيوتر والديسكات والأجهزة الكهربائية، وتعمدوا استفزاز المواطنين بشتم الذات الإلهية وهددوا عائلات الشبان المطلوبين بتصفيتهم وهدم منازلهم إذا لم يسلموا أنفسهم؛ وكل ذلك تم تحت سمع وبصر العالم الذي لا يزال يقف صامتاً! والسؤال إلى متى، و”إسرائيل” لا تتورع حتى عن قتل الأطفال والمعاقين ورجال الإسعاف ؟ “[11]  .

الحصار الإسرائيلي على المخيم شمل جامعة القدس المفتوحة ومدارس الوكالة

  • وقال شريف طحاينة في حركة الجهاد الإسلامي

” إن الدبابات رابطت بشكل دائم في الشوارع المؤدية لمدارس الوكالة، كما وضعت القوات الإسرائيلية عدة دبابات ونقطة مراقبة بشكل مباشر قبالة المدارس, ما أدى لإغلاق المدارس ومنع مئات الطلبة من الانتظام في الدراسة؛ فالدبابات تطلق النار على كل ما يتحرك في المنطقة، وقد أصيب عدد من المواطنين خلال محاولتهم المرور فيها، ما يؤكد أن الجيش أراد شل كافة مرافق الحياة وتدمير العملية التعليمية بشكل أساسي؛ مذكراً بأن الجنود أطلقوا النار على أطفال داخل بيوتهم, وبالتالي فإنهم لن يتوانوا عن استهداف الطلبة “[12]  .

 

1-2-           وسط المخيم يشبه برلين العام 45

  • وقال بيار بار بانسي، الصحافي العامل لحساب صحيفة لومانيتيه، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي أمضى 48 ساعة في المخيم عند حاجز جلمة

” إنه، بحسب العديد من شهادات الفلسطينيين، فإن الجيش الإسرائيلي قام بدفن جثث في حفرة الساحة المركزية للمخيم وردمها بالإسمنت, وأضاف أن وسط المخيم بات يشبه برلين العام 1945، نظراً لحجم التدمير الفظيع “[13]  .

“و أنه اشتمّ رائحة جثث وشاهد أكواماً من النفايات وحشرات، ولمس أوضاعاً صحية مريعة، وأطفالاً ونساء يصرخن وهن يحملن أطفالهن لأنهن لم يعدن قادرات على تنظيفهم بسبب النقص في المياه, وقد انقطعت تقريباً الأغذية والحليب للأطفال “[14]  .

وأضاف :

“في ساحة الحواشين وسط المخيم, يعيد المشهد إلى الذاكرة صور برلين العام 1945, كل شيء مدمر بالفعل, لقد تضرر المخيم كله بدرجات مختلفة, فالدمار أقل في القسم العلوي من المخيم، ولكن في القسم السفلي منه نرى دماراً كاملاً “[15]  .

وشرح الصحافي أنه

“خلال الليلتين اللتين أمضاهما في المخيم, سمع هدير الجرافات الإسرائيلية تعمل وخصوصاً في الليلة الأولى ( ليل الجمعة/ السبت ): في الشوارع, لم نعد نرى جثثاً وسط المخيم, وفي مبنيين مختلفين, رأيت في الأول, جثة محروقة بالكامل وفي الآخر جثتين أخريين تحت الركام. وقال، بحسب العديد من الشهادات, فإن الجثث كانت ترمى في حفرة وسط ساحة الحواشين ثم تطمر بعد ذلك. ومنذ ذلك الحين, يقوم الجيش الإسرائيلي بوضع ركام البيوت المهدمة فوق هذه الحفرة “[16]  .

  • أما مراسل صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” العبرية، تسادوق يحزقيلي, فقال بعد دخوله مخيم جنين :

” جولة أولية في المخيم تكشف عدداً من الحقائق: الخراب والدمار يطلان من كل مكان؛ عائلات كثيرة ظلت دون مأوى ودون معيل وطعام؛ عشرات الجثث المتعفنة لا زالت في البيوت؛ لقد لحق بالمخيم دمار كبير, وتسبب بضائقة شديدة للسكان المدنيين وحصد الضحايا من صفوفهم؛ عشرات الجثث المتعفنة, لا زالت ملقاة في البيوت.

ويزعم المراسل أنه لا دلائل لغاية الآن تشير إلى تنفيذ مجزرة جماعية، إلا أنه قال :

” لقد قتل وجرح هنا مئات الأبرياء, أربعمائة شخص على الأقل “[17]  .

ويتابع المراسل الإسرائيلي قائلاً :

” ولكن، حتى لو ظلت قضية عدد القتلى بمثابة أحجية, فإن المنظر العام للمخيم لا يترك مجالاً للشك، بالنسبة للمشكلة الإنسانية الهائلة التي وقعت هنا, الدمار والحطام الذي تعرض له المخيم لم يسبق له مثيل في المناطق الفلسطينية, إذ يبدو مركز المخيم كما لو أنه بعد هزة أرضية، فلا يقتصر المشهد على بيوت فجرت جدرانها وثقبت بفعل القذائف والصواريخ, بل تعدى الأمر ذلك إلى اختفاء بيوت بأكملها عن وجه الأرض, والأضرار الجسيمة هي تلك الناجمة عن نشاط المروحيات المكثف… مئات العائلات بقيت دون مأوى, واقتاد الجيش نحو ألف رجل من سكان المخيم, ثم أخلي سبيل من لم يكن من المطلوبين، ولكنهم تركوا على مسافة عشرة كيلو مترات من المخيم، دون طعام ودون أي مساعدة, ولا زالت عائلاتهم تجهل مصيرهم “[18]  .

ويتابع :

” الغالبية العظمى من سكان المخيم الآن هي من النساء والأطفال. حين دخلنا منزل عائلة أبو سريا, كانت الأم وأطفالها يتناولون الطعام المكوّن من صحن ” المجدرة ” والخبز على مصطبة الغرفة, الثلاجة في البيت فارغة, لم يتبق فيها شيء. اعتقل الأب والابن البكر؛ تنازلت الابنة الكبرى عن حصتها من وجبة الغداء ونظرت إلي بحزن باد, سألتها عن اسمها, فقالت: اسمي سلام .. ولكنني لم أعد أحب هذا الاسم “[19] .

  • وروى شهود، معظمهم نساء وأطفال طردهم الجيش من المخيم، كيف دمر الجنود منازلهم وطاردوهم بالجرافات من منزل إلى آخر قبل أن يجبروهم على الفرار عراة حفاة . وأكد هؤلاء على أنهم

” شاهدوا الجنود الإسرائيليين وهم يجبرون الرجال والشباب على الانبطاح أرضا ويطبعون أختاما على أجسادهم قبل أن يقتادوهم إلى جهات مجهولة”[20] ،

  • وقالت رائدة القريمي ( 45 عاما )، إحدى الشهود، وهي تجهش بالبكاء

” لاحقتنا جرافاتهم من بيت إلى بيت، ثم وصل الجنود واقتادوا زوجي وولدي؛ لقد أردوا جارنا رجا أبو السباع ( 70 عاما) بدم بارد وقتلوا زوجة وابنة جارنا عيسى الوشاح “[21]  .

  • وقال نايف سويطات، وهو أحد مسؤولي حركة فتح في مدينة جنين

” دفع الجيش الإسرائيلي نحو 100 دبابة وأكثر من ألف جندي؛ وكانت مروحيات الكوبرا والأباتشي الأميركية الصنع تطلق صواريخها على المخيم دون انقطاع “[22] .

  • وقال مقاتلون اتصلت بهم وكالة الصحافة الفرنسية

” إن جثث الشهداء كانت تملأ الشوارع، فيما غصت كل الأماكن بالجرحى، في الوقت الذي ظل فيه الجيش الإسرائيلي يمنع دخول الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والصحافة “[23]  .

  • وقال جمال أبو الهيجا أحد المقاتلين

” إنهم (الجنود) يهدمون المنازل على من فيها، وتقوم جرافاتهم بإزالة ركام الأنقاض والجثث تحته “[24]  .

 

1-3-           الجنود قتلوا حتى طيور الكناري والعصافير

  • وقالت الفلسطينية تمام رجا

” إنها بقيت تحت بطانيتها وهي ترتعد عندما كانت تسمع صرخات الاستغاثة والألم من جيرانها الذين انهار المنزل عليهم، إثر إطلاق طائرات الهيكوبتر الإسرائيلية صواريخها على مجموعة من المنازل؛ وعندما أصاب قناص إسرائيلي زوج ابنتها في غرفة تقع في الطابق الأعلى في المنزل نفسه، كان أفراد الأسرة وتمام يبكون ويتنهدون، إذ لم يكن بوسعهم ما يفعلونه لوقف النزيف المستمر بعد إصابته برصاص القناص الإسرائيلي؛ وبعد مرور حوالى ربع ساعة، أطلقت الهليكوبترات القاذفة للقنابل، التي زودت الولايات المتحدة بها “إسرائيل”، مجموعة أخرى من القذائف التي دفنته حيا، ولم تسمع تمام صرخات استغاثته بعد ذلك “[25]  .

ومهما كان العدد النهائي للضحايا، فإن الفلسطينيين الذي فروا من المخيم أو جرى إخراجهم منه، خلال الأيام الأخيرة من القتال، وصفوا مشاهد دمار بشعة وهجمات مرعبة ومعاملة قاسية من جانب الجنود الإسرائيليين,

  • وقال هؤلاء

” إن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على الناس بصورة عشوائية من خلال نوافذ بيوتهم، كما استخدموا المدنيين دروعاً بشرية عند إجراء التفتيش من منزل إلى آخر، بل وقطعوا رؤوس طيور الكناري التي يملكها شخص من سكان المخيم يعمل في مجال تربية الطيور “[26]  .

  • وقال محمد علي، 17 عاماً، وهو من سكان المخيم

” إن القصف، عندما بدأ، تسبب في تطاير كل زجاج المنزل, وظل علي وأسرته يختبئون في مطبخ المنزل الذي يعتبر أقوى جزء فيه، وذلك عندما كانت المنازل المجاورة تتعرض لصواريخ الهليكوبترات من الجو، والجرافات من على البر “

  • يقول محمد علي

” إنه خاطر بحياته ومد رأسه من النافذة ليرى ما يحدث في الخارج، ورأى بالفعل بقايا خمس جثث تحت ركام مبنى منهار بينهم طفل صغير؛ ويعتقد أنهم ماتوا بسبب انهيار المنزل فوقهم بفعل تدميره بواسطة الجرفات”[27]  .

 

1-4-           14 صاروخاً على منزل واحد

  • ويقول محمود أبو سامن، 40 عاماً،

” إن الهليكوبترات القاذفة للقنابل أطلقت 14 صاروخا على منزله؛ ” وأضاف ” أن الجنود الإسرائيليين كانوا يتحركون في الشوارع؛ وطلبوا من السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما، الخروج إلى الشارع، حيث أُجبِروا على خلع ملابسهم “

ويضيف كذلك

“أنهم اقتادوه معهم وأمروه بفتح أبواب المنازل ومطالبة الناس بالخروج من منازلهم؛ وعندما سمح له الجنود بالذهاب إلى منزله، وجد أنهم قطعوا رؤوس كل طيور الكناري والعصافير الأخرى التي كان يعمل في تربيتها! فحتى الطيور، حسب تعليقه، لم تسلم منهم “[28]  .

  • وتقول ربيعة نجم

” إنها وثلاث نساء في العشرينات من العمر، خرجن من المخيم ومعهن أربعة أطفال صغار السن ومولود في الشهر الثالث من عمره “

“وإنهن أُخرِجن عنوة من البيوت واعتقل الجنود الإسرائيليون أزواجهن وضربوهم أمامهن؛ كما ذكرت أن الجنود الإسرائيليين طلبوا منهن الخروج من المنازل وإلا سوف تنهار وهنّ في داخلها “

” وأن الجنود الإسرائيليين جردوا المعتقلين الفلسطينيين من ملابسهم ووضعوهم أمام دبابة؛ وعندما بدأت النساء بالصراخ، وضعوهنّ والأطفال، الذين يقدر عددهم بـ 150، في غرف صغيرة؛ ولا يُعرَف حتى الآن مصير المعتقلين “[29]  .

  • واعترف الجنود الإسرائيليون

” بأن القوات دمرت المنازل لإفساح الطريق أمام مرور الدبابات، بغرض الهجوم على المنازل داخل المخيم، حيث كان يخضع المقاتلون الفلسطينيون للحصار “[30]

ويؤكد العديد من الفلسطينيين أنهم رأوا القوات الإسرائيلية تقتل مدنيين غير مسلحين

  • قال الممرض أسعد حشاش إنه

” شهد بعينيه قناصا إسرائيليا يقتل شيخا عمره حوالى سبعين عاما أمام منزله، عندما خرج بعد عدة أيام ليرى الشمس “[31]  .

وأضاف حشاش، الذي لم يستطع على مدى عشرة أيام الوصول إلى المستشفى الذي يعمل فيه

” أن قناصا إسرائيليا قتل راعيا للأغنام، وفي كلتا الحالتين لم يسمح لسيارات الإسعاف بالعمل. ويؤكد حشاش ما ذكره آخرون بأن الذي يصاب برصاص القناصة الإسرائيليين، يترك وهو ينزف حتى الموت “[32] .

 

1-5-           أولى مجازر القرن

وكانت استغاثة ” يا .. الله ” أول ما لفظته شفتا الأبكم جمال محمد الفايد من جنين وللمرة الأولى في حياته, لقد أنطق القهر الإسرائيلي الأبكم ” جمال ” الذي تجاوز العقد الرابع من عمره, فكانت الاستغاثة بالله الجبار أول ما ينطق به جمال الذي أمضى سنوات عمره الخالية معاقاً, إعاقة لفظية وحركية. وسرد القصة يبدأ حين همّت آلة الدمار الإسرائيلية بتسوية منزل عائلة جمال بالأرض, على من فيه من أطفال ونساء وشيوخ, ولم يتمكن جمال وقتها من المغادرة بسبب إعاقته وعدم قدرته على الحركة والنطق؛ وتناول المواطن عبد الهادي أبو النعاج, تفاصيل الجريمة الاحتلالية التي نفذت بدم بارد بحق جاره المعاق جمال .

  • وقال أبو النعاج

” إن ما جرى يصعب وصفه، فالمجزرة فاقت كل تصور, إذ اجتاحت المخيم والمدينة نحو 500 دبابة ومجنزرة وسقط على المخيم الذي يعيش فيه الآلاف أكثر من 350 صاروخاً من مروحيات الأباتشي الأمريكية الصنع، إضافة إلى مئات قذائف المدفعية “[33]  .

وأضاف

” أن القذائف الصاروخية والمدفعية أجبرتهم على التجمع في طابق أرضي لأحد المنازل المجاورة؛ وكان سوادنا الأعظم من الأطفال والنساء والشيوخ، مشيراً إلى أن الجرافات الإسرائيلية بدأت بهدم المنزل الذي تعرض لقصف صاروخي ومدفعي وفي داخله عشرات المدنيين العزل”[34]  .

و” أن المواطنين تمكنوا في اللحظات الأخيرة من الخروج منه إلى آخر مجاور تحت القصف, حيث شاءت إرادة الله النجاة لهم من مجزرة رهيبة؛ وأن الجرافات واصلت عملية هدم المنازل دون الطلب من سكانها بإخلائها، وتمكن بعضهم من النجاة وبعضهم الآخر استقر تحت الأنقاض, ولم يجد من ينقل جثمانه أو يقدم له الإسعاف، في حال كان على قيد الحياة”[35]  .

و”تحدث عن تهجيره من منزله وزوجته وأطفاله التسعة, حيث انتقلوا من بيت لآخر، ومنازلهم وسط المخيم، فرأوا الجثث وعانوا من الجوع والعطش الشديدين – المصدر نفسه ” .

  • وفي حديث آخر لمصادر فلسطينية، قال المواطن جمال الزبيدي الذي مازال داخل المخيم

” إنه وآخرون عثروا على جثامين خمسة شهداء بدأت تتحلل وتنبعث منها الرائحة وتقوم الطيور الجارحة بنهشها “[36] .

وأضاف

” أن معالم الشهداء بدأت تتغير وأنهم تمكنوا من التعرف بصعوبة على أصحابها، منهم محمود طوالبة, شادي النوباني, أحمد بشير حمدونه البالغ من العمر 80 عاماً “[37]  .

وتحدث عن

” تناثر الجثث في أزقة المخيم وتحت الأنقاض, وأخرى تم تجريفها، فأصبح من المستحيل التعرف على أصحابها؛ ووصف ما تعرض له منزله، الذي يُؤي ثلاثة عشر فرداً، من قصف الطائرات وكيف اضطر إلى الانتقال إلى منزل مجاور, ثم غادروه من جديد تحت وطأة القصف إلى أن استقر به المقام في حي آخر، ما زال محاصراً فيه دون طعام أو شراب “[38]  .

  • واستهجنت أم مصعب، زوجة الشهيد محمود موسى, الصمت على المجازر الفظيعة التي ارتكبت بحق أهالي المخيم، وقالت

” شهداؤنا نتقبل بهم التهاني لأنهم سقطوا شهداء وأبطالاً دفاعاً عن أرضهم وشرفهم. واستطردت، أن الأسئلة تعجز عن الحديث عما جرى ويجري، فالقصف الاحتلالي من الطائرات والدبابات لم يتوقف لحظة, ولم يسلم منه منزل واحد ولم يُستَثنَ شيخ أو طفل أو امرأة؛ وأوضحت أن جنود الاحتلال اقتحموا منزل شقيق زوجها, الذي كانت فيه وأطفالها, بالإضافة إلى عدد آخر، بعد إلقاء قنابل صوتية داخله؛ إن ما جرى داخل المخيم يشبه إلى حد كبير مجزرة صبرا وشاتيلا, خاصة وأن الجزار هو نفسه”[39]  ؟

  • وروى الفتى أنطوان جمال، 16 عاماً، كيف قتل جنود الاحتلال جاره الشاب بدم بارد قائلاً

” أمر الجنود الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 45 عاماً بالخروج، فخرجت والتقيت في طريقي بالمواطن جمال الصباغ، 35 عاماً، المصاب بمرض السكري؛ أجبرهم جنود الاحتلال على خلع ملابسهم, وحين حاول جمال تناول الدواء الخاص به, أطلق عليه الجنود النار فأردوه شهيداً؛ ولم تكن حادثة استشهاد الصباغ هي الوحيدة التي نفذت بهدف القتل فقط “[40]  .

فهناك روايات وقصص كثيرة عن إعدام أسرى وشيوخ ونساء, وعن دفن جثامين الشهداء بين الأنقاض، سيكشف عن معظمها حين إتمام التحقيقات حول مجزرة المخيم, الذي تحول أطلالاً تنتشر فيه رائحة القتل والدم والدمار .

 

1-6-           المخيم – الشهداء والدفن الجماعي ومحاولة إخفاء الجريمة

1-6-1- أما بالنسبة لأعداد الشهداء والجرحى الفلسطينيين في مخيم جنين,

  • فبينما أعلن الجنرال شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أمام جلسة للحكومة الإسرائيلية ” أن حوالى 200 فلسطيني قتلوا, ونحو 1500 آخرين أصيبوا بجروح “[41] ,
  • أعلن الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ” أن خمسمائة فلسطيني قتلوا في أنحاء الضفة برصاص الجيش الإسرائيلي معظمهم في مخيم جنين”[42]
  • فيما أكد الحاج أبو أحمد قائد ومؤسس كتائب شهداء الأقصى ” في المخيم ” على أن عدد الشهداء في مخيم جنين يفوق الـ 400 شهيد, وأن عدداً كبيراً من هؤلاء هم من النساء والأطفال وكبار السن .. وأن قوات الجيش الإسرائيلي قامت بتصفية غالبية الجرحى الفلسطينيين الذين وجدتهم خلال اقتحام المخيم أو الذين قاموا بتسليم أنفسهم “[43] .
  • أما الدكتور منذر شريف، وكيل وزارة الصحة الفلسطينية فقال : ” إن عدد الشهداء في مخيم جنين قد وصل إلى 450، وأضاف أن عدد الشهداء الذين نقلوا إلى مستشفى جنين وصل إلى 23 فقط, متسائلاً ” إذا كان الإسرائيليون يعترفون بمئات الشهداء, فأين باقي الجثث؟ “[44] .

 

1-6-2- محاولة إخفاء الجريمة

وفي محاولة لإخفاء معالم المجزرة الدموية الجماعية ضد أهل جنين، توالت الروايات عن قيام قوات الاحتلال بدفن جماعي لمئات الجثث في أماكن مجهولة .

  • وأكد الشريف على أن

” الجيش الإسرائيلي ارتكب مجزرة بشعة في مخيم جنين، وأن إصرار الجيش على منع الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر والعديد من المؤسسات الحقوقية من دخول المخيم دليل على أنهم يقومون بعملية إخفاء لجريمتهم “[45] .

  • وفي هذا الصدد، أكد نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي أنهم كانوا يتلقون يومياً اتصالات هاتفية من مواطنين، يؤكدون فيها على أنهم شاهدوا عمليات دفن جماعية في أماكن متباعدة،
  • وقال النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، أحمد الطيبي

” إنه تلقى اتصالاً من فلسطيني يؤكد على أنه شاهد عملية دفن جماعي في منطقة الجفتلك في مدينة أريحا “[46]  .

وأضاف

” يومياً تصلنا إشارات تؤكد على أن هناك محاولة إسرائيلية لإخفاء مجزرة وجريمة حرب ارتكبت في مخيم جنينن ويحاول الجيش الإسرائيلي إخفاءها “[47] .

وأشار الطيبي إلى

” أن إصرار الجيش الإسرائيلي على منع الصليب الأحمر والصحافة من دخول المخيم هو دليل على أنهم يقومون بإخفاء جريمة لا يريدون أن يعرفها أحد “[48] .

  • وفي السياق ذاته، ناشدت المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان المفوضة العليا لحقوق الإنسان، ماري روبنسون، التحقيق في المجازر الإسرائيلية في مخيم جنين .

وقالت المنظمة في بيان لها

” جاءنا من مصادرنا الموثوقة في جنين أن شاحنتين عسكريتين إسرائيليتين قامتا بنقل جثث الشهداء الفلسطينيين من مخيم جنين، وتوجهت ليل 12 نيسان إلى منطقة الأغوار وتحديداً في منطقة الجفتلك , وبالقرب من الحدود مع الأردن ” .

” يؤكد المواطنون على أن قوات الاحتلال تحاول إخفاء جرائمها، إلا أن الكثير من الجثث ما يزال تحت الأنقاض وخصوصاً في الأحياء الثلاثة المدمرة تدميراً كاملاً في المخيم “[49]  .

” وعليه، نناشد لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وكافة الهيئات الدولية ذات الصلة، إرسال لجان التحقيق المتخصصة للوقوف على الحقائق التي تشمل إعدام الأسرى واعتقال المدنيين وكسر البيوت وتدميرها وحرمان المواطنين، بمن فيهم الأطفال، حتى من شرب الماء “[50]  .

  • وفي السياق ذاته، نجح النائب العربي د. أحمد الطيبي ومجموعة من نشطاء الحركة العربية للتغيير، ومن بينهم د. زرق أطرش والمحامي أنور زبارقة وماهر العكري وآخرون، في اختراق الحصار والوصول إلى بلدتي رمانة والزبوبة على مشارف مخيم جنين, حيث التقى النائب الطيبي، وهو أول عضو كنيست عربي ينجح في اختراق الحصار، بمئات من سكان مخيم جنين تم تشريدهم في الأيام الأخيرة إلى هاتين القريتين .

واستمع د. الطيبي والوفد المرافق إلى شهادات حية عن المجزرة التي قامت بها سلطات الجيش الإسرائيلي في المخيم, فتمّ توثيقها بشهادات مشفوعة بالقسم من المحامي أنور الزبارقة. وقال د. الطيبي

” إن الشهادات التي سمعناها تفوق كل ما جاء ذكره حتى الآن في وسائل الإعلام”

” وأكد الطيبي، طبقاً للشهادات، حصول عمليات إعدام ميدانية وهدم منازل على من فيها من المدنيين ونقل جثث الشهداء إلى خارج المخيم، إلى جانب محاولات “إسرائيل” طمس معالم الجريمة بواسطة نقل الركام والتراب من البيوت المهدمة “[51]  .

وطبقاً للشهادات، فقد كشف النائب الطيبي النقاب عن

” أن عدداً من الجنود الإسرائيليين الذين قاموا بتنفيذ المجزرة، هم من جنود جيش لبنان الجنوبي، وذكر عدد من هؤلاء ” اللحديين ” أنهم جاؤوا  إلى صبرا وشاتيلا رقم 2 “

  • من جهته، قال المحامي أنور الزبارقة

” إننا نوثق هذه الشهادات لنقدمها إلى الهيئات القضائية التي ستلاحق من خلالها هؤلاء المجرمين الذين قاموا بقتل المدنيين؛ ويرفض الجيش هذه الاتهامات، مؤكداً على أن الفلسطينيين الذين استشهدوا في جنين سقطوا خلال المعارك, وأنه لا يقوم بإنشاء مقابر جماعية “[52]  .

 

1-7-           المجزرة – شهادات إدانة وتجريم

شنت الحكومة الإسرائيلية حملة إعلامية مركزة على الصعيد الدولي في محاولة يائسة منها لنفي المجزرة في جنين, فحشدت طاقاتها الإعلامية والدعائية المختلفة لتشرح للعالم

” أن ما حدث في مخيم جنين ليس صبرا وشاتيلا –2 “[53] ,

و ” إنما كانت معركة عسكرية بين قوات الجيش الإسرائيلي والإرهابيين الفلسطينيين, قتل فيها خمسون فلسطينياً منهم سبعة وأربعون إرهابياً وثلاثة مدنيين فقط – كما زعم شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي أمام المؤتمر الأوروبي في فلنسيا “[54]  .

  • وبينما زعم ديفيد بن اليعازر وزير الحرب الإسرائيلي

” أن العشرات فقط قتلوا في مخيم جنين”[55]

  • وقال أحمد عبد الرحمن، أمين عام مجلس الوزراء في السلطة الفلسطينية لوكالة الصحافة الفرنسية

” إن الشهداء بالمئات نتيجة المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال وإن إخفاء الجيش الإسرائيلي للجثث مؤشر على ارتفاع عدد القتلى ونوعيتهم “[56]  .

وأضاف أن

” أقوال بن اليعازر لا تعفيه ولا تعفي رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون من تبعات هذه الجرائم والمجازر بحق الإنسانية “

وتابع :

” أن حكومة شارون تحاول أن تتستر على الجرائم والمجازر التي ارتكبت ” خصوصاً في مخيم جنين “[57]  .

وأشار إلى أن

” الشهداء لو كانوا من المقاتلين لتركوهم في الشوارع، لكن الجيش الإسرائيلي قتل عائلات بأكملها من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى

” مطالباً بـ ” ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية فورية لإعداد تقرير عاجل حول الجرائم والمجازر التي ارتكبتها حكومة شارون في المخيم “[58]  .

  • ولعل الشهادات والاعترافات التي تأتي على لسان الإسرائيليين أنفسهم هي الأبلغ والأقوى إدانة, ولذلك عندما يصف شمعون بيريز، نفسه، خلال مناقشات داخلية

” عملية الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين أنها مجزرة، وذلك خشية من أن تمس صورة “إسرائيل” في الخارج “[59] ,

فإن هذا الاعتراف يشكل إدانة واضحة صريحة ودامغة للدولة العبرية باقتراف مجزرة وجريمة حرب في المخيم.

  • وعززت زعيمة حركة ميرتس سابقاً اعتراف بيريز بإعلانها صراحة :

” أن شارون وموفاز ينفذان جرائم ضد الإنسانية, ولذلك ليس من المستبعد أن يطلب تقديمهما للمحاكمة بتهمة اقتراف جرائم حرب”[60]

  • ولم يتأخر أوري افنيري، الصحافي والكاتب الإسرائيلي وأحد زعماء حركة السلام الإسرائيلية، عن الإدانة لحكومة شارون، حين صرح في مقابلة مع صحيفة سادبروكر تسايتونغ الألمانية قائلاً :

” إن الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم حرب في مخيم جنين “[61] ,

  • بينما كتب يوسي سريد زعيم حركة ميرتس معترفاً :

” لقد وقعت مأساة رهيبة في مخيم جنين, وأنا مستعد للإدلاء بشهادتي حول ذلك أمام لجنة تحقيق منبثقة عن الأمم المتحدة “[62] .

  • وعلى المستوى الدولي، قالت صحيفة الغارديان, البريطانية

” إن قتل “إسرائيل” لمئات المدنيين الفلسطينيين وإرهاب الأطفال وسياسة الإذلال التي تتبعها وتدمير المؤسسات الفلسطينية وتحويل الأماكن المقدسة إلى ساحات حرب، هو الإرهاب بعينه “[63]  .

وأضافت الصحيفة في مقال رئيسي

” أنه يتعين على العالم الوقوف في وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون الذي تجاهل المطالب الأمريكية والأوروبية والإقليمية بوقف عملياته ضد الفلسطينيين، بل ومضى قدما في حملته الإرهابية في الأراضي الفلسطينية”[64]  .

  • ومن جهتها، وصفت منظمة العفو الدولية الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية بأنه “عقاب جماعي”، وشجبت تصرف الجنود الإسرائيليين، الذي لو حصل في أي مكان آخر لكانوا أُحيلوا إلى محكمة عسكرية!

وجاء في بيان للمنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان، التي تتخذ من لندن مقرا لها، أن

” تصرف الجيش الإسرائيلي يدفع إلى التخوف من أن يكون الهدف الرئيسي للعملية معاقبة كل الفلسطينيين جماعيا”[65] ،

واعتبرت المنظمة أن

” الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، وصلت إلى مستوى لا سابق له ” مع العمليات التي أطلقها في 29 آذار[66]  .

  • كما أدانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الدولة العبرية بارتكاب ” قتل جماعي ” ضد الفلسطينيين وطالبتها بإنهاء حملتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية؛ ووافقت اللجنة، ومقرها جنيف، في جلستها السنوية، على مشروع القرار الذي تقدمت به دول عربية وإسلامية أساسا، الذي ينتقد الدولة العبرية أيضا بسبب ” انتهاكات خطيرة ” لحقوق الإنسان ويؤكد على ” حق الشعب الفلسطيني المشروع في المقاومة”[67] .

 

وربما تكون الشهادة التي أعلنها بيترهانسن مدير وكالة الغوث / الاونروا /, وتيري رود – لارسن الموفد الخاص للأمم المتحدة، من أقوى الشهادات التي تدين دولة الاحتلال باقتراف ” مجزرة ” في مخيم جنين “.

  • فقد أعلن مدير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) بيتر هانسن، إثر زيارة إلى مخيم جنين

” أن الوضع في المخيم جحيم بكل معنى الكلمة، وليس من المبالغة قط أن نسمّي ذلك مجزرة “[68] .

وقال

“لقد امتنعت حتى الآن عن استخدام تعبير المجزرة، ولكن بعد أن رأيت الحقيقة بعيني لا أستطيع أن أستخدم تعبيراً آخر، مضيفاً أنه أصيب بالصدمة لمرأى المخيم “[69]  .

وروى هانسن

” رأيت أشخاصاً مصدومين بعد أن دمرت منازلهم، وعائلات تنتشل جثثاً من بين الركام؛ كما أن خبيراً في الزلازل كان برفقتي في جنين، لم ير منذ وقت طويل دماراً بهذا الحجم – المصدر نفسه ” .

  • من جهته, أعلن الموفد الخاص للأمم المتحدة تيري رود – لارسن لدى زيارته المخيم

” أن الدمار فيه يشهد على فظاعة تفوق التصور “[70]  .

وقال رود – لارنس الذي زار المخيم مع مندوبي الأمم المتحدة والصليب الأحمر

” إنه دُمِّر كلياً، وكأن زلزلاً حل بالمخيم”[71]  .

وأكد في تصريح لوكالة فرانس برس  على أن

” هذا غير مقبول إطلاقاً وأنها فظاعة تفوق التصور “,

وتابع

” لدينا خبراء اعتادوا الحروب والهزات الأرضية، وهم يؤكدون أنهم لم يشاهدوا شيئاً مماثلاً – المصدر نفسه ” .

  • كما اتهمت منظمة ” هيومن رايتس ووتش ” الأمريكية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجيش الإسرائيلي في تقرير لها

” بإرغام المدنيين الفلسطينيين على مساعدته خلال عملياته, وهذه في نظرها ممارسات تصنف بين جرائم الحرب “[72]  .

وقال واضع التقرير بيتر بوركهيرت، المكلَّف لدى المنظمة بإجراء تحقيقات في الأوضاع الطارئة,

” نعتبر أن مثل هذه الأحداث تجري خلال جميع الغارات تقريباً التي يشنها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية ” [73] .

  • ومن جهته، اعترف وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي، بخجل، بالمجزرة بعبارات ملتوية، حين أعلن في أعقاب زيارته، وأندريه فيدوفين المبعوث الروسي، للمخيم

” أعتقد أن ما نراه هنا هو مأساة إنسانية مروعة, وأن ما حدث هنا في مخيم جنين تسبب في معاناة إنسانية هائلة لآلاف المدنيين الفلسطينيين”[74]

 

وهكذا تتثبت عبر هذا الكم الغزير من الشهادات والاعترافات الإسرائيلية والدولية، وهي غيض من فيض, الإدانة الدامغة الصارخة لدولة الاحتلال الإسرائيلي وقواته، باقتراف ” مجزرة ” شاملة ضد الفلسطينيين ” تشكل بكل معنى الكلمة جرائم حرب بشعة تستدعي وقفة جادة وحقيقية من العالم العربي أولاً, ثم من المجتمع الدولي ثانياً, والأمم المتحدة ثالثاً, لتقديم قادة وجنرالات الدولة العبرية إلى محكمة جرائم الحرب الدولية .

 


الفصل الثاني:مخيم جنين – شهادات البطولة والكبرياء

ما حدث في مخيم جنين على مدى عشرة أيام كاملة، امتدت من الأول من نيسان 2002 وحتى العاشر منه، يجسد بالضبط تجسيداً حقيقياً، مشهدَيْ العنوان أعلاه : ” الملحمة والمجزرة ” .

إذ اقترفت دولة الاحتلال وقواته مجزرة جماعية مروعة وجرائم حرب بشعة في وضح النهار وعلى مرأى وسمع وصمت العالم كله, الذي اكتفى بالبيانات الخجولة فقط؛ ولكنّ الفلسطينيين خاضوا في المخيم معركة كبيرة .. كبيرة .. مشرّفة, أقسموا قبلها وخلالها على أن يقاوموا حتى الرصاصة الأخيرة .. وحتى الرمق الأخير .. وحتى النفس الأخير .. فاستبسلوا استبسالاً استشهادياً عظيماً لم يسبق أن شهدنا مثيلاً له على مدار كافة الحروب والمعارك التي وقعت بين دولنا ودولة الاحتلال الإسرائيلي على مدى العقود الماضية, إذا ما أخذنا في الحسبان الخلل المفجع في موازين القوى العسكرية بين الطرفين .. فسطّر أهلنا في المخيم، مقاتلين ونساء وشيوخاً وأطفالاً، ملحمة صمود بطولية أسطورية حقيقية، سوف تترسخ وتتكرس وفق كافة المعطيات، في الوعي والذاكرة الوطنية النضالية الفلسطينية والعربية على أنها من أهم الملاحم وأبرزها وأعظمها .

وما حدث في مخيم جنين لم يكن، في حقيقة الأمر، من دون مقدمات وبلا سابق إنذار .. فالمقومات كثيرة ومقروءة .

وما حدث في المخيم فتح مجدداً، أكثر من أي أحداث أخرى, ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي برمّتها بقوة كبيرة .. وعلى الأخص منها ملف النكبة بكافة أحداثها وتفاصيلها وعناوينها وتداعياتها, وعلى الأخص منها ملف المجازر وجرائم الحرب الصهيونية المروعة البشعة, الذي تضخمت فاتورته بشكل تجاوز كافة الحدود والخطوط, ما يستدعي بقوة متزايدة، أن تسدد دولة الاحتلال هذه الفاتورة على وجه السرعة وبصورة مضاعفة مركبة .

وما حدث في المخيم أيضاً، توّج مسيرة النضال والكفاح والصمود والتضحية على طريق الاستقلال الفلسطيني بملحمة بطولية أسطورية عظيمة، عز نظيرها عربياً حتى الآن ..

 

2-1-      المخيم – ملحمة الكبرياء والشموخ والمعنويات

قبل أن تبدأ اجتياحات ” الجدار الواقي ” التدميرية، كان واضحاً للفلسطينيين تماماً,

  • ” أن الجيش الإسرائيلي معني ويبدي اهتماماً كبيراً بتكثيف ومضاعفة قتل الفلسطينيين وأن هذه المسألة وردت بنداً في تعليمات الجيش الإسرائيلي”[75] ,
  • و ” أن شارون لن يتوقف قبل استكمال مهمته الحربية – كما أعلن شارون نفسه “[76] ,
  • و ” أن “إسرائيل” تسابق الزمن لإنجاز مهمتها وأهدافها ” [77] ،
  • و ” أن الجيش الإسرائيلي يسرّع وتيرة عملياته الحربية في الأراضي الفلسطينية بهدف إنجاز أكبر قدر من أهداف خطة الجدار الواقي ” [78]

وقبل أن تبدأ اجتياحات ” الجدار الواقي ” أيضاً، عقد الفلسطينيون عزمهم بالإجماع الوطني الشامل من أقصى حماس إلى أقصى الديمقراطية مروراً بفتح والشعبية والفعاليات الوطنية المختلفة, على الصمود والتصدي والاستبسال, لأن المعركة كما فهموها جيداً

  • ” معركة كسر عظم على مستوى قدرة الصمود والنفس الطويل والمعنويات ” ولأن
  • ” المعركة معركة جذرية على الوجود والحقوق والانتماء والهوية ” .

وقد تكشفت كافة هذه المعاني والدلالات السامية في أنصع صورها وتجلياتها في معركة مخيم جنين الأسطورية الملحمية, فسطّر أهل المخيم من مقاتلين ومدنيين، من الطفل حتى الشيخ, أرقى آيات الاستبسال والكبرياء والشموخ، رغم عدم التكافؤ المرعب في ميزان القوى بين الطرفين. وكانت هناك جملة لا حصر لها من الشهادات والاعترافات والوقائع التي تحتشد كلها، بقوة هائلة، لتؤكد واقعة الملحمة الأسطورية الفلسطينية في مخيم جنين .

 

2-2       شهادات واعترافات إسرائيلية

تراكمت جملة كبيرة من الشهادات والاعترافات والتقارير والتحليلات الإسرائيلية، على مدى أيام المعركة وعملية الاجتياح لمخيم جنين, لتبين بمنتهى الوضوح واليقين، أن المقاتلين الفلسطينيين ومن خلفهم المدنيون في المخيم، نجحوا ليس فقط في الصمود العظيم أمام دبابات ومروحيات وصواريخ ووحدات الجيش الإسرائيلي المقاتلة لمدة عشرة أيام كاملة, الأمر الذي عجزت عنه جيوش عربية بالمقارنة مع المفارقة في العدة والعتاد, وإنما أيضاً في خوض معارك ومواجهات باسلة مع الوحدات الخاصة الإسرائيلية, الأمر الذي انعكس في الخسائر البشرية الإسرائيلية في المخيم، التي وصلت إلى رقم لم يخسروا مثله، باعترافهم، حتى في معارك عسكرية أكبر وأشمل مع الجيوش العربية ( 23 جندياً قتيلاً وإصابة أكثر من 200 بجروح ) [79] .

 

2-2-1- قتال شرس وحوافز مجنونة

  • اعترف أحد جنود كتيبة الهندسة العسكرية الإسرائيلية قائلاً :

” إن الوضع مرعب, ومن الأفضل عدم الدخول إلى هناك “[80] ,

وأضاف :

“أننا ننتقل من بيت إلى بيت، غير أنهم يقاتلون بشراسة / المصدر السابق نفسه ” .

  • وجاء في تقرير الصحيفة العبرية أيضاً :

” المسلحون الفلسطينيون لا يغادرون المخيم, وهم يقاتلون .. لقد زرعوا مئات العبوات الناسفة وأعدوا السيارات المفخخة .. ولديهم حوافز مجنونة, ويقاتلوننا بشراسة ولا يتنازلون “[81]  .

  • وأضاف جندي إسرائيلي آخر، واصفاً الحرب في المخيم :

” بأن ما يجري هناك يشبه الغرب الجامح, والجنود يستقبلون النيران الفلسطينية من كافة الاتجاهات, وفي كل الاتجاهات, كما تتطاير عشرات العبوات الناسفة من فوق رؤوس الجنود .. والرصاص أيضاً يمر قرب رؤوسهم ” [82] ،

  • وسجلت الصحيفة العبرية الحديث التالي بين أحد الجنود وقائده :
  • الجندي صارخاً : إنهم يطلقون النار عليّ من كل الاتجاهات .
  • القائد : رد عليهم بالنار …
  • الجندي : لا أستطيع أن أشخّص من أين تأتي النار, إنهم يطلقون من كل الاتجاهات .
  • الضابط : إذأ أطلق النار إلى كل الاتجاهات .”
  • واعترف جندي إسرائيلي آخر من لواء جولاني قائلاً :

“إنه أسوأ قتال أشهده, إذ إني لم أواجه مثله حتى الآن في كافة معاركنا في المناطق, فإلى حيث نذهب نواجه بالنيران والعبوات المتفجرة .. وفي كل ثغر أو حقل ثمة مسلح فلسطيني “[83]

  • ووصفت صحيفة هآرتس العبرية على لسان مصادر عسكرية الوضع

” بأن المعركة في مخيم جنين هي أصعب مواجهة مع الفلسطينيين في إطار عملية الجدار الواقي, فرغم مرور أربعة أيام على دخول الجيش لأول مرة للمخيم, إلا أنه لا يستطيع السيطرة عليه “[84] .

  • وصرح قائد الفرقة، الجنرال اييل شلاين لإذاعة صوت إسرائيل قائلاً :

” لقد تعلم الفلسطينيون من المعارك واستخلصوا العبر, وأخذوا يخوضون معارك هي الأشرس حتى الآن”[85]

 

2-2-2- متسادا الفلسطينية

  • وقال مصدر عسكري إسرائيلي كبير عن المعركة في المخيم :

” إن المسلحين الفلسطينيين الذين يواصلون التحصن في المخيم, يريدون تحويل المخيم إلى متسادا فلسطينية ” .. والمقاومة هناك قوية جداً”[86]

  • واعترف عدد من قادة الفرقة العسكرية في المخيم :

” أخذنا نراقب الوضع ونحن نشعر بالعجز, فالنيران كانت تطلق على كل من يرفع رأسه “[87]  .

  • وتحدث جندي إسرائيلي يدعى رون دروري, أصيب في المخيم قائلاً :

” كنا نتحرك, فدخلنا إلى زقاق ضيق, وفجأة انفجرت عبوة ناسفة ألقيت علينا, لا أعرف من أين أتت، وبعدها انفجرت عبوة أخرى, وأخذوا يطلقون نيراناً غزيرة علينا من كافة الاتجاهات .. وببساطة أخذوا يحصدوننا, وأطلقوا علينا النار من مسافة 20 متراً, لقد استنفذت كل الباغات, وبدأت أطلق قذائف صاروخية, وأخرجت قدمي قليلاً إلى الخارج, فأصبت فيها .. وحينئذ حملني الجنود للإسعاف”[88].

  • وأضاف جندي آخر :

” أخذ الجنود يركضون بين الأزقة, وعندما وصلوا إلى زقاق ضيق محاط بالبيوت, كان في انتظارهم كمين, إذ ترك المسلحون الفلسطينيون الجنود يدخلون إلى الزقاق بأعداد كبيرة, وحينئذ انقض عليهم انتحاري ( استشهادي ) فجر نفسه بينهم, وفي الوقت نفسه تم تفجير عشرات العبوات الناسفة التي ربطت بسلسلة واحدة، كما أطلقت نيران غزيرة ودقيقة التصويب من نوافذ البيوت باتجاه الجنود”[89]

2-2-3- جحيم وأسوأ صدمة

وقال جنود إسرائيليون عادوا من المعركة، إن القوات الإسرائيلية التي تغلبت على البلدات الفلسطينية دون متاعب تذكر في هجومها على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، واجهت ” جحيماً في مخيم جنين للاجئين[90] .

ووقف الجنود الإسرائيليون لالتقاط صور تذكارية فوق الدبابات، فيما اتصل آخرون بمنازلهم بهواتف محمولة وتلقوا مكالمة من رئيس الوزراء ارئيل شارون الذي خاض جميع الحروب العربية الإسرائيلية,

  • وقال الجنود للصحافيين

” إن جنين سببت أسوأ صدمة لأقوى جيش في الشرق الأوسط، خلال الانتفاضة الفلسطينية التي تفجرت منذ 18 شهراً, فقد قتل 13 جندياً إسرائيلياً في يوم واحد، في كمين تم توقيته بدقة بالغة، وفجر فيه الفلسطينيون مبنى تفتشه وحدة إسرائيلية، ثم فتحوا نيران أسحلتهم على وحدة ثانية هرعت لإنقاذ الوحدة الأولى .

وحمل الإسرائيليون معهم أعداداً كبيرة من المصابين في جنين أكثر من أي مكان آخر؛ فقد شوهدت نيران الدبابات وأعمدة الدخان والتراب المتصاعد في الهواء فوق جنين يوم الأربعاء؛ وقال جنود إن المعركة لم تكن قد انتهت، رغم أنهم سيطروا على المكان .

وتزامن الكمين مع قتال ضار ومتلاحم بين القوات المدرعة الإسرائيلية، التي كانت تحاول المناورة في شوارع جنين الضيقة المتعرجة وخاصة مخيم اللاجئين ومجموعات من الفلسطينيين”[91]  .

  • وقال العريف يارون تسيلتسر، ” 20 عاماً “، الذي يخدم في سرية مدرعات مزودة بمدافع آلية من عيار كبير

” كان جحيماً في اليومين الأخيرين في جنين .. كانوا يطلقون النار من كل مكان وعلى كل مكان .. كان أمراً مرعباً وضرباً من الجنون “[92]  .

  • وقال تسيلتسر الذي حصلت وحدته على إجازة لمدة 24 ساعة من القتال، فيما وصل جنود آخرون بعضهم على شاحنات تحمل دبابات

” ازدادت الأمور صعوبة أكثر بعد أن كانت البداية سهلة للغاية، من رام الله إلى نابلس ثم جنين “[93]  .

أظهرت نابلس، وهي أكبر مدن الضفة الغربية، أعنف مقاومة في القتال الضاري الذي دار في المدينة القديمة ثم أصبحت جنين مرجلاً,

  • وقال السارجنت دوف ريفكن، وهو مدفعي دبابة

” لم نتمكن معظم الوقت من الخروج من دباباتنا ومن ناقلات الجند المدرعة لأن إطلاق النار كان قريباً جداً وكثيفاً جداً – المصدر نفسه “،

  • وقال تسيلتسر

” كان الفلسطينيون مستعدين جيداً لنا في جنين، حيث توجد بصفة خاصة خلايا المقاومة. أعتقد أن جميع قتلانا وجرحانا سقطوا نتيجة للقنابل التي كانت مخبأة في أماكن عديدة مختلفة .. في فتحات المجارير بل وفي أكياس نقود النساء”[94]  .

  • وقال عوديد بن أرويا، وهو قائد دبابة عمره 20 عاماً

” كان الكمين صدمة كبيرة لنا في حرب يمكن أن يحدث فيها أي شيء “, وقال ريفكن ” كانت جنين أسوأ شيء صادفته على الإطلاق “[95]

2-2-4- لعنة جنين

ولعل من أهم التحليلات الإسرائيلية حول معركة جنين، ذلك التعليق الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بقلم مراسلها العسكري روني شكيد, إذ جاء فيه :

” تحول مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين, في الأيام الأخيرة, إلى أسطورة فلسطينية أخرى, إلى رمز القتال الفلسطيني العنيد, تحت شعار ” النصر أو الموت “[96]  .

ولا تعتبر مقدرة الصمود والمحفزات العالية لدى الفلسطينيين السبب الوحيد الذي يجعل محاربة الجيش الإسرائيلي في مخيم اللاجئين صعبة وخطيرة إلى هذا الحد, فالثمن الباهظ الذي دفع خلال أيام الحرب الثمانية, جاء, أيضاً، بسبب الظروف المادية في المخيم, فعلى مساحة أكثر من نصف كيلومتر مربع بقليل, يعيش قرابة 18 ألف نسمة, منهم الكثير من الأولاد, في بيوت صغيرة لا تتجاوز ثلاثة طوابق، وفي منطقة مليئة بدروب يصعب جداً تسميتها شوارع, إضافة إلى الكثير من الأزقة المعقدة والضيقة التي تشبه المتاهة .

وتحتم هذه الظروف المحاربة من بيت إلى بيت, وأحياناً, من غرفة إلى غرفة, وكل ذلك, من خلال محدودية الاستعانة بنيران السلاح الجوي والمدفعي, انطلاقاً من الرغبة في الامتناع, قدر الإمكان, عن إيقاع الإصابات بين المدنيين. لقد استعد الفلسطينيون جيداً, للمعركة, ففي الشهر الأخير شكّل المخيم مختبراً واحداً وكبيراً لإنتاج المواد المتفجرة؛ وكان أحد سكان المخيم قد قال, من قبل, إن المخيم تحول إلى مصنع كبير, يعمل فيه كل ولد في الرابعة عشرة من عمره, وكل امرأة بإنتاج العبوات الناسفة, وإن الإنتاج يتم في المنازل, وفي الأزقة وفي شوارع وساحات المخيم .

لقد زرع الفلسطينيون العبوات في كل زاوية, على المداخل وفي الأزقة وعلى أعمدة الكهرباء, وفي السيارات المتوقفة، وفي البيوت, وخاصة تلك التي قدّروا بأن الجيش الإسرائيلي سيدخلها, وتم جمع الأسلحة والذخيرة من كل أرجاء منطقة جنين, واستدعي المطلوبون من كل قرى المنطقة للمشاركة في المعركة, وقامت كل عائلة, وكذلك اللجنة القومية الإسلامية, التي تقود الانتفاضة في المخيم, بتخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية والماء والأدوية .

وتقرر قبل بدء المعارك, توحيد القوات, فتحولت فتح وحماس والجهاد إلى قوة واحدة تحت اسم ” المقاومة الفلسطينية”.

 

2-2-5- مخيم جنين: ستالينغراد فلسطينية

كشف المحلل العسكري الإسرائيلي رؤوبن فدهتسور نتائج عملية ” السور الواقي ” في مخيم جنين، في تعليق له نشرته صحيفة هآرتس قائلاً :

” ويظهر تحليل نتائج الحملة بأنه خلافاً لما تعرض فيه, فإنها ليست نجاحاً عسكرياً عظيماً؛ فإذا كان هدف القتال هو, كما عرض في البداية ” القضاء ” على الإرهاب, فقد تبين أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه, فالضباط ذاتهم الذين كرروا الادعاء بأنه يمكن تصفية الإرهاب، شريطة أن يتاح للجيش الإسرائيلي استخدام قوته في المنطقة ” أ ” بشكل مكثف, بدأوا يغيّرون اللهجة، فليس ثمة من عملية تصفية، بل ثمة اعتراف أنه لا يمكن سوى محاولة تقليص حجم الإرهاب “[97]

ويضيف المحلل العسكري الإسرائيلي قائلاً :

” بيد أن العملية العسكرية نفسها لم تتميز دوماً بالنجاعة والمهنية, ولا سيما أنها عانت من التفكير قصير المدى، حتى على المستوى الميداني؛ والتفسيرات التي طرحها الجيش الإسرائيلي, والتي تشير إلى الامتناع عن استخدام سلاح الجو والمدفعية في جنين منعاً للتورط, لا يمكنها أن تغطي على حقيقة أن الجيش الإسرائيلي اضطر إلى القتال لأكثر من عشرة أيام وإلى دفع ثمن باهظ من حياة أفراده كي يسيطر على مخيم اللاجئين  الذي يتمترس فيه بضع عشرات من المقاتلين .

ويكمن الفشل في التخطيط العليل واستخدام القوات غير الملائمة وفي أن النتيجة لم تكن متوقعة مسبقاً .

فإذا ما تقرر احتلال مخيم اللاجئين، فلماذا ينبغي عمل ذلك بعد قتال لأكثر من أسبوع، فيما تمكن الفلسطينيون المتمرسون فيه من الاستعداد الجيد لذلك ؟”[98]  .

ويختتم المحلل الإسرائيلي تعليقه قائلاً :

” إن من قرر احتلال مخيم اللاجئين في جنين قد أخطأ، ليس فقط في تحليل المعطيات الاستخبارية بل في فهم آثار القتال هناك أيضاً, فلا يغير في الأمر شيء إذا أكمل الجيش الإسرائيلي احتلال المخيم, ففي كل الأحوال ستسجل هذه المعركة كستالينغراد الأمة الفلسطينية, وهذا قبل ذكر الانغلاق وانعدام الفهم الأساسي لمن منعوا، على مدى أكثر من عشرة أيام، دخول المساعدات الإنسانية إلى المخيم”[99]  .

2-3-      شهادات فلسطينية وغيرها

أثبت المقاتلون في مخيم جنين قدرتهم، ليس على رد هجمات الجيش الإسرائيلي المتواصلة وحسب, بل إنهم تحولوا إلى الهجوم وراحوا يكبدون عدوهم خسائر جسيمة غير متوقعة .

واضطر الجنود الذين يتسلحون ببنادق آلية وعبوات الجيش الإسرائيلي الأحدث والأقوى بين جيوش العالم إلى طلب وقف إطلاق النار لإخلاء جرحاهم، وأعلن مسؤول فلسطيني أن “إسرائيل” طلبت وقف إطلاق النار في مخيم جنين حيث قتل ثلاثة عشر من جنودها في هجوم واحد شنه مقاتلون فلسطينيون .

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه

” تقدم الجانب الإسرائيلي بطلب لوقف إطلاق النار لإخلاء جرحاه من الجنود في مخيم جنين “[100]  .

وجاء الهجوم الفلسطيني بعد سبعة أيام متواصلة من هجوم واسع شنه الجيش الإسرائيلي بالدبابات والمروحيات العسكرية وكثافة النيران العالية ضد المخيم، الذي لا تزيد مساحته على 100 ألف متر مربع ويسكنه نحو عشرة آلاف نسمة .

وأكد مقاتلون أن الجنود الإسرائيليين وقعوا في كمين نصبه مقاتلون داخل المخيم المحاصر .

  • وقال جمال أبو الهيجا أحد قادة المقاتلين الذين ينتمون إلى كافة الفصائل الوطنية والحركات الإسلامية,

” وقع الجنود في كمين من العبوات المتفجرة ثم باغتهم الشبان بإطلاق النار وجهاً لوجه وأوقعوا خسائر كبيرة في صفوفهم “,

وأضاف

” لا زال الإسرائيليين يحاولون إخلاء جرحاهم وقتلاهم .. “

وأكد المقاتلون الذين قُدِّر عددهم بحوالى 200 أو أكثر بقليل, أنهم سيخوضون المعركة إلى نهايتها ..

وقال أبو الهيجا

” بعد هذه الأيام من الصمود والمقاومة النادرة يكرس المجاهدون مقولتهم وشعارهم أن لا استسلام بل نصر أو شهادة ..

وأضاف

” قوتنا في أننا مجاهدون حقيقيون – المصدر نفسه ” .

ورأى نايف سويطات، أحد مسؤولي حركة فتح في مدينة جنين، أن ثمة عوامل متعددة تقف وراء قوة المقاتلين الفلسطينيين وصمودهم في مخيم جنين [101]  .

  • وقال سويطات

” هناك إصرار من الشبان والأذرع العسكرية في المخيم للقتال حتى النهاية “.

وأوضح سويطات أن ذلك يعود

” إلى كون جزء كبير منهم من الذين تطاردهم “إسرائيل”، وهم غير مستعدين لتسليم أنفسهم ليموتوا بين أيدي الجنود الإسرائيليين, إضافة إلى تماسك الوحدة الوطنية القائمة بين مختلف الفصائل والحركات في المخيم”[102] .

وأضاف

” يجب أن لا ننسى حالة البؤس والقهر والحرمان داخل المخيم والتي تدفع بالكثير من الشبان للانخراط في المقاومة “[103] .

2-3-1- قتال حتى آخر طلقة

ظل جيش النازية الجديدة، وعلى مدار تسعة أيام متتالية، يصب نيران مروحياته الهجومية ودباباته ومصفحاته على نحو 18 ألف فلسطيني في مخيم جنين لكسر شوكة مجموعة من المقاتلين، أبت الاستسلام وفضّلت القتال حتى آخر طلقة وآخر قطرة دم .

وأعاد العدوان إلى الأذهان قصة اللجوء الفلسطيني منذ نكبة العام 1948 والتي ظل المخيم الشاهد الرئيسي عليها, وقد دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي بأفضل وحداته وعزز حصاره على مخيم جنين .

كما أرسل مروحياته ودباباته لتصب قصفاً مكثفاً على منازل المخيم وحاراته الضيقة لدفع المقاتلين إلى الاستسلام, لكن مجموعة المقاتلين المؤلفة من مختلف التنظيمات والفصائل الوطنية والإسلامية أبدت مقاومة نادرة، بل إنها تحولت إلى الهجوم وراحت توقع الخسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين .

ومع مرور الوقت وصمود المقاتلين، قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال شاؤول موفاز الإشراف بنفسه على إدارة اعتداءات جيشه على هذا المخيم وتحول العدوان في وقت قصير إلى

” تدمير للبيوت، عندما راحت جرافات الجيش الإسرائيلي تدمر منازل السكان لتفتح الطريق لدباباتها وجنودها للوصول إلى حارة الحواشين في قلب المخيم، حيث تحصن المقاتلون ” [104] .

  • وروى شهود معظمهم من النساء والأطفال، طردهم الجيش من المخيم، كيف دمر الجنود منازلهم وطاردهم بالجرافات من منزل إلى آخر قبل أن يجبرهم على الفرار عراة حفاة . وأكد هؤلاء أنهم

” شاهدوا الجنود الإسرائيليين وهم يجبرون الرجال والشباب على الانبطاح أرضاً ويطبعون أختاماً على أجسادهم قبل أن يقتادوهم إلى جهات مجهولة “[105]  .

  • وقالت أم رائد القريمي (45عاماً) إحدى الشهود وهي تجهش بالبكاء

” لاحقتنا جرافاتهم من بيت إلى بيت، ثم وصل الجنود واقتادوا زوجي وولدي؛ وأضافت، لقد قتلوا جارنا رجا أبو السباع (70عاماً) بدم بارد وقتلوا زوجة وابنة جارنا عيسى الوشاحي [106] ” .

 

2-3-2- لن ننسى أبداً

بعد أن أمضوا أياماً طويلة من دون غذاء ولا نوم، يعجز الناجون من مجزرة مخيم جنين عن إخفاء دموعهم وغضبهم، إلا أنهم يقسمون بأنهم لن ينسوا أبداً ما فعلته القوات الإسرائيلية في مخيمهم .

وبعد أسبوع من المعارك الضارية داخل هذا المخيم الصغير، تمكنت ثماني نساء مع رجل واحد من الخروج من المخيم والوصول إلى أحد منازل بلدة كفر دان، التي تبعد بضعة كيلومترات عن جنين .

وتعبّر النسوة عن قلقهن الشديد على أقربائهن, وقد فقدن كل أثر لهم بعد ” مجزرة جنين “,

  • حنان (23عاماً) تتذكر الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت بدء حصار المخيم من الجيش الإسرائيلي وقصفه, إذ تجمّع نحو ثمانين شخصاً في منزل واحد للاحتماء من قصف المروحيات. وتروي قائلة

” لم نكن نملك شيئاً نأكله أو نشربه، وفقدت شقيقة لي وعيها من الجوع, كنا نشعر بالدخان المتصاعد من منزل يحترق قربنا إلا أننا كنا عاجزين عن التحرك بسبب القصف “[107]

وتابعت حنان

” كان بعض المقاتلين يأتون إلينا للاحتماء، إلا أن عددنا كبير جداً ولم نكن قادرين لا على النوم ولا على الحركة, وبعد ثلاثة أيام قررنا أن نحاول المغادرة “[108] ,

وواصلت حنان رواية خروجها من جنين

” خرجنا .. النساء في الطليعة ونحمل علماً أبيض, فور تقدمنا نحو عشرين متراً قام قناص إسرائيلي بإطلاق النار باتجاهنا فتوقفنا ورفعنا أيدينا وصرخنا بأننا مدنيون “[109] ,

وأضافت :

“أوقف الجنود الإسرائيليون الرجال وتركوا النساء في سبيلهن[110] ,

  • أما شقيقتها هلا ( 19 عاماً ) فتقول

” إنه من الصعب جداً التعرف على مخيم جنين, كان يعيش فيه نحو 18 ألف لاجئ قبل العدوان الإسرائيلي في الثالث من نيسان”[111] ,

وقالت هلا

” لن نرى جثثاً في الشوارع لأن الجرافات كانت جرفت المنازل المدمرة لتمكين الدبابات والجنود من التقدم “[112] ,

  • أما أماني ( 18 عاماً ) فجلست تبكي بصمت, قالت

” فقدت كل أثر لعائلتي وتعرّض منزلنا للقصف وكنا نهرب من مكان لآخر “,

“لا أعرف إن كانوا أحياء أم أمواتاً، إلا أنني خائفة جداً على أشقائي الذين ينشطون مع المقاومة “[113] .

  • أما حسن (52 عاماً ) فجلس في زاوية من الغرفة إلى جانب زوجته عائشة ( 43 عاماً ) وقد بقي في مخيم جنين حتى اليوم السادس من العدوان الإسرائيلي عليه,

وقال حسن

” رأيت الجثث على قارعة الطريق وقد قمنا بدفن عدد منها في الشارع نفسه تحت الوحل ” [114] .

  • أبو محمد ( 36 عاماً ) يقول بأنه كان بين الألفي شخص الذين اعتقلوا ثم أطلق سراحه ولجأ إلى قرية رمانة على بعد كيلومترات عدة من طريق كفر دان مع 300 شخص آخرين، أطلق سراحهم مثله .

وقال أبو محمد

” تم تقييدي وعصبت عيناي قبل اقتيادي مع تسعين رجلاً آخر إلى معسكر سالم، قرب جنين “,

وتابع

 ” أجبرت على نزع ثيابي وتعرّضت للضرب, وقد بقيت راكعاً لساعات طويلة مقيد اليدين والرأس مخفوض باتجاه الأرض – المصدر نفسه “,

  • وقالت حنان

” يقولون إن الأمر انتهى، إلا أننا هنا وأطفالنا أيضاً, لن ننسى أبداً” [115] .

 

2-3-3- مخيم جنين بين الفناء والبقاء

  • يحيى صالح

لا يملك المرء إلا أن يقول ” الله معك”, ليحيى صالح ( 42 عاماً ) الذي تصبب عرقاً، بينما غاصت قدماه في كوّة فتحها على قمة من جبل القمامة والأنقاض، وسط مخيم جنين، في محاولة للنبش في أنقاض بيته الذي نسف[116] ،

 قال صالح ” منزلي هنا”, وانتصب واقفاً من الكدح تحت الشمس المحرقة وقال, هذه غرفة نومنا, ممسكاً بطرف مطاط اسفنجي لأحد أطراف حشية، لا تزال مدفونة تحت الأنقاض .

وتابع كلامه قائلاً : ” تلك وسادتنا “، مشيراً إلى شيء مترب تجلس عليه ابنته الصغيرة، تشاهده من طرف الكوّة التي حفرها[117] ,

وقال:”أحاول العثور على أوراق هوياتنا على الأقل، وعلى حلي زوجتي، وأطفالي يحتاجون لثيابهم”

والآن، فإن كل ما يملكه صالح، عامل دهان السيارات، هي الأدوات التي يستخدمها لإنقاذ بيته وزوجته وأطفاله؛ جلس وسط القمامة ليستريح بجوار ابنه أحمد ( خمسة أعوام ) الذي اقترب ليقبّل لحية أبيه المتربة [118]

الميدان الرئيسي في المخيم، هو منطقة من المنازل الخرسانية المكتظة بالسكان، يرجع تاريخها إلى 49 عاماً، لم يعد موجوداً بعد أن نسفه أو جرفه الجيش الإسرائيلي ” لدفن شراك مفخخة أو لقتل الفلسطينيين ” .

وتعرّضت البيوت في الأحياء المحيطة بالميدان لدمار شديد بسبب المعارك، بما في ذلك قذائف الدبابات وطائرات الهليكوبتر العسكرية وأصبح العشرات منها لا يصلح للسكن .

ويقود منحدر ممتد من الميدان، إلى مسجد الأنصار؛ وعلى جدران المسجد وجدران حضانة مجاورة له، انتشرت ثقوب أحدثتها القذائف في الميدان الذي تحول إلى لوحة من جبال من الأنقاض والقمامة، التي تغطي مساحة ملعب لكرة القدم.

لا يجد المرء كلمات تصف حال أولئك الذين يفتقرون إلى مقومات البقاء الأساسية؛ لقد تجسّد هنا، بصورة مكثفة، وإلى حد كبير، معنى صراع الفناء والبقاء.

 

2-3-4- بين أطلال المخيم

  • رشاد الكاسر

حاول المقاتل الفلسطيني السابق رشاد الكاسر ( 56عاماً ) أن يسيطر على انفعالاته الغاضبة، بينما كان يتطلع إلى فلسطينيين ينتشلون، من بين أنقاض مخيم جنين، جثث أقرباء لهم بعد أن أصابها التحلل .

وظل هؤلاء الفلسطينيون يواصلون عملهم وينثرون العطور على جثث عائلة نوباني التي أخرجوها بأيديهم من بين أطنان من الباطون, غير أن رائحة الموت الخانقة المستشرية كانت ترغمهم على التوقف بين الحين والآخر والصعود إلى أعلى الأنقاض لتنفّس الهواء النقي؛ ويقول الكاسر بإصرار

” بالرغم من حجم معاناتنا إلا أننا سندفن موتانا وسنقوم بإعادة اعمار المخيم”[119] ،

ظل الكاسر داخل المخيم طيلة فترة المواجهات العنيفة بين القوات الإسرائيلية والمقاتلين الفلسطينيين والتي انتهت في 12 نيسان 2002 .

ويضيف بعد ذلك،

“سنستعيد حيفا وكافة المدن الأخرى التي استولت عليها “إسرائيل”، لتجبرنا على العيش في مخيمات ومن ثم تلاحقنا لارتكاب المذابح “[120] ،

يشير الكاسر إلى الجثث الممزقة قائلاً إن

” إسرائيل تزعم أن هؤلاء الأشخاص مقاتلون، غير أنهم كانوا مدنيين، ثم أصبحوا جميعاً مقاتلين عندما هاجم آلاف الإسرائيليين منازلهم “[121]

ولا يعادل حجم الدمار الذي لحق بالمخيم والذي أزال الجيش الإسرائيلي جزءاً منه بالكامل، سوى حجم الكراهية الذي ولّده.

وأصبح وسط المخيم الذي أنشئ قبل 54 عاماً، أرضاً خلاء تتشابك فيها قطع الحديد والباطون، بينما يجري فيها أطفال حفاة القدمين وملطخين بالوحل وقد لوحوا بقطع من صواريخ أطلقتها مروحيات إسرائيلية من طراز اباتشي .

واستكمالاً للمشهد الحزين, جلست عائلات بأكملها على أكوام من أنقاض كانت منازلهم تقوم مكانها قبل الاجتياح الإسرائيلي، أو احتمت في أقبية تحت الأرض ظلت بمنأى عن القصف الإسرائيلي .

  • ويقول عبد الله عطية ( 48 عاماً )

” سنعيش في هذا المكان ” مشيراً إلى دور أرضي قليل الضوء لم يطل القصف الإسرائيلي، بأعجوبة، إحدى حجراته”[122]،

يضيف

” لن نرحل, وربما ( الأمين العام للأمم المتحدة ) كوفي أنان يساعدنا على إعادة بناء منزلنا “[123]

  • وتروي عائلات أخرى أنها نجت من طلقات الصواريخ جو – أرض الإسرائيلية ومن قذائف الدبابات، بعد أن لجأ جنود إسرائيليون إلى ديارهم .

ويقول جمال صالح (45 عاماً )

” اقتحم خمسون جندياً منزلنا حيث احتجزونا مع عدد من جيراننا داخل حجرة واحدة، قائلين لنا إن وجودهم سينقذنا؛ وبذلك تمكنّا من النجاة “[124]

غير أن مشاعر صالح لا تحمل أي امتنان في ظل تلك الأوضاع، بل الكراهية؛ ويؤكد

” أن مشاعر الكراهية في داخلي أقوى من أن أعبّر عنها بالكلمات “[125]

 

2-3-5- حكايات الشهادة والبطولة في المخيم

  • الحاج أحمد محمد أبو خرج

اغرورقت عينا الحاج أحمد محمد أبو خرج بالدموع, وهو يشق طريقه إلى منزله الذي تعرّض لقصف الطائرات الإسرائيلية، خلال العدوان على المخيم، ليرشد طواقم الإسعاف إلى الغرفة التي استشهدت فيها شقيقته المسنّة يسرى، البالغة من العمر 65 عاماً، بعد أن منعه الجيش الإسرائيلي من إنقاذها في اليوم الثالث للهجوم, وخنقت الدموع كلمات الحاج أبو خرج عندما شاهد رفيقة عمره ومعاناته ورحلة كفاحه مسجاة على الأرض دون حراك بعد أن مزق جسدها صاروخ: منظر مأساوي لم يتحمله حتى أعضاء طواقم الإسعاف الذين اجتمعوا حول المسنّ، يشدّون من أزره ويضمدون جراحه، وهو يروي ما حدث في تلك اللحظات الرهيبة التي كانت أقسى وأكبر وأشد من نكبة العام 1948 التي عايش فصولها “[126].

ويقول أبو خرج

” في اليوم الثالث للاجتياح، سمعنا صوت انفجار قوي في الطابق الأخير من منزلي المكوّن من ثلاث طبقات, حيث كانت شقيقتي تجمع أغراضها وتستعدّ للانضمام إلى أسرتي المكوّنة من 13 فرداً، والتي لجأت للطبقة السفلية من أجل تجنّب آثار القصف العشوائي. بعد الانفجار الذي هز المنزل، صعد أحد أبنائي لتفقّد عمته ولكنه لم يتمكن من دخول غرفتها بسبب تواصل القصف, إلا أنه شاهدها من ثقب الباب ملقاة أرضاً، تنزف دون أن تقوى على الحركة؛ ويضيف أبو خرج، اتصلنا فوراً بالإسعاف والمستشفى والصليب الأحمر وطلبنا منهم النجدة، وتتالت الاتصالات دون جدوى”[127] ،

قال إبراهيم دبابنة، رئيس قسم الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر

“تلقينا اتصالاً من عائلة يسرى أبو خرج، يفيد أن ابنتهم مصابة وتنزف؛ فتحرك أحد الطواقم فوراً باتجاه المخيم, إلا أن الدبابات الإسرائيلية أطلقت النار علينا ورفضت السماح لنا بالدخول والوصول للمخيم، فأبلغنا الصليب الأحمر الدولي الذي قام بإجراء الاتصالات المطلوبة مع السلطات الإسرائيلية، إلا أن الموقف لم يتغير، وعجزنا عن الوصول لعائلة أبو خرج لتأدية واجبنا – المصدر السابق نفسه”[128] .

ولكن حكاية عائلة أبو خرج لم تنته عند هذا الحد، كما يقول الحاج أحمد، الذي تجاوز العقد الثامن

” فبعد ساعات من ذلك، اقتحمت قوات كبيرة من الجيش منزلنا واحتجزتنا جميعاً في غرفة واحدة؛ وبعد تفتيشنا، اعتقلت أبنائي الأربعة واقتادتهم لجهة مجهولة، ثم احتلت المنزل وحوّلته لثكنة عسكرية. انتشروا في الطابق الثاني، دون السمح لنا بممارسة أدنى حقوقنا كبشر”[129] ،

ويضيف أبو خرج قائلاً :

“توجهت للضابط المسؤول عن القوة وطلبت منه السماح بإحضار شقيقتي من الطابق الثالث والاطمئنان عليها، فرفض؛ ولكن، أمام إلحاحي، رد عليّ قائلاً: أختك ماتت ولا داعي لمشاهدتها. فطلبت منه السماح للهلال الأحمر بإخراج جثمانها ونقلها للمستشفى، فرفض. وبقينا محتجزين في الطابق السفلي والشهيدة في غرفتها. ثم أجبرونا، تحت تهديد السلاح، على إخلاء المنزل وطردونا منه فتم تشتيت أسرتي؛ ولا زلت أجهل مصير بناتي. ويقول إنها كارثة، فشقيقتي لم تشكّل خطراً على الجيش ولم تهدد حياة أفراده، ورغم ذلك قصفوها وتركت دون دفن لمدة 16 يوماً! فأي شريعة أو قانون يجيز ذلك ؟! “[130] .

  • وتكررت المأساة مع عائلة الشاب أشرف محمود أبو الهيجاء، الذي عثر على جثته متفحمة بشكل كامل في منزل أحد أقاربه، في جورة الذهب في مخيم جنين؛ وتقول عائلته

” عندما اشتد قصف الطائرات والدبابات لمنزلنا، الذي أصبح منطقة خطيرة, بدأنا بمغادرته إلى منزل جيراننا واحداً تلو الآخر؛ خلال ذلك، سقط صاروخ إسرائيلي في مدخل الطابق الثاني، الذي اندلعت النار فيه، فبدأنا نصرخ وننادي على أشرف ليخرج بسرعة, واتصلنا بالدفاع المدني والإسعاف لإنقاذه؛ إذ اعتقدنا أن النيران حاصرته, إلا أنه تبيّن في ما بعد أن الصاروخ أصابه بشكل مباشر فاحترق جسده واستشهد على الفور “[131].

  • وتقول عائلة أبو الهيجاء

” إن جثمانه بقي على الأرض لأكثر من أسبوعين حتى أخلى الجيش المنطقة، التي تم هدم 90% من منازلها، واستشهد عدد من المواطنين فيها، حرموا من العلاج ونزفوا حتى استشهدوا. وتقول والدته إن المكان الذي وُجِد فيه ولدي كان موقعاً مدنياً وليس عسكرياً، ولكن الجيش قصفه على مدار أسبوع كامل، ثم أحضر آلياته ودباباته التي نفّذت ما عجزت عنه الطائرات “[132].

 

2-3-6- روايات عن أيام المعركة

ولعل أبلغ شهادات حول ملحمة الصمود والتصدي والبطولة في ستالينغراد فلسطين هي تلك الواردة على ألسنة المقاتلين وأهل المخيم أنفسهم .

فبعد نفاذ ذخيرتهم فتح المقاتلون الفلسطينيون ثغرات في الجدران للفرار من منزل إلى منزل فراراً من الجرافات التابعة للجيش الإسرائيلي ثم اختبأوا لعدة أيام تحت الأنقاض لتجنب القبض عليهم عقب المعارك التي دارت في جنين .

وفي مقابلات جرت معهم في مخيم جنين وصف النشطاء محنتهم خلال المواجهة مع العدوان الإسرائيلي .

  • فقال مقاتل ” إنه قضى أياماً مع بضعة زملاء له تحت أنقاض منزل هدمته الجرافات، وإنهم نجوا من القبض عليهم بالتنكر والتسلل إلى الخارج في أثناء عمليات إجلاء طبية .
  • ويقول النشطاء إنهم قاتلوا ” بشرف ” وتعهدوا بإحياء النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي في غضون أسابيع .
  • وقال علاء (23 عاماً ) الذي ينتمي لكتائب شهداء الأقصى

” إنها لمعجزة أن أنجو من هذا الدمار الذي لا يمكن تصوره “[133] .

وقال أيضاً

” ستستأنف المقاومة قريباً، ولكن عليّ تغيير روتين حياتي اليومي: سأبقى مختفياً عن الأنظار قدر الإمكان، وسأنام في مكان مختلف كل يوم, وسأبقي هاتفي المحمول مغلقاً حتى لا يستطيع الإسرائيليون تعقّب التردد “[134].

  • وقال محمد (25عاماً ) العضو في حركة المقاومة الإسلامية ( حماس )

” إن جميع وحدات المقاتلين كانت مختبئة  وتستعد للمعركة حين اقتحمت القوات الإسرائيلية المخيم في الثالث من نسيان, وإن المقاتلين تجنّبوا تقدم المشاة الإسرائيليين بإطلاق النار في الأزقة الضيقة، ولكنهم لم يردوا على قصف الدبابات وطائرات الهليكوبتر. كان كلّ منا ينام ساعة في اليوم. فقدنا الشعور بالوقت .. وأُنهكنا .. كان عددنا قليلاً وعددهم كبيراً “[135] ،

ومضى يقول

” في اليوم الثامن جاءت المصفحات والجرافات الضخمة ومعها قناصة بدأوا بإطلاق النار من أسطح المباني، ما قلل كثيراً قدرتنا على الحركة .. وبدأ عدد شهدائنا يرتفع “[136] .

وتابع قائلاً

” بدأنا التنقل بسرعة من منزل إلى منزل وفتحنا ثغرات في الجدران كي نتمكن من التحرك “[137] ،

وبعد نفاذ ذخيرتهم، لجأ محمد والناجون من أفراد وحدته إلى قبو, وقال

” كان بإمكاننا سماع الجرافات وهي تهدم المنزل فوقنا “[138].

وقال محمد

” بقينا هناك أسبوعاً .. وكنا نسمع الدبابات والجنود فوقنا يتحدثون بالعبرية .. ولو كانوا فتشوا بين الأنقاض لكنا ميتين الآن؛ كل ما لدينا، كان المياه المعدنية “[139] .

وأضاف محمد

” وفي يوم كانت الأمور هادئة وسمعنا أشخاصاً يتحدثون بالعربية, فأدركنا أن المدنيين عادوا وأن الإسرائيليين ذهبوا, فطلبنا المساعدة وأنقذونا, كنا نشعر بالوهن الشديد “[140] .

  • وقال علاء إنه حوصر مع 39 فلسطينياً، بعضهم من المدنيين في مبنى واحد، وإنهم استسلموا حين بدأت جرافة بهدم المبنى .

“ولكنني تمكنت من تمزيق بطاقة هويتي قبل الخروج .. ولذلك حين حققوا معي، تقمّصت شخصية أخي، وهو ليس مقاتلاً، وقلت إن الشخص الذي يريدونه ميت تحت الأنقاض “[141] .

  • وقال محمود (39عاماً) وهو رجل أمن فلسطيني

” إنه قاتل على مدى يومين واختبأ في قبو منزل لثمانية أيام[142] .

  • واختبأ رائد عباس، قائد مقاتلي الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في جنين، هو الآخر تحت الأنقاض لمدة أسبوع قبل يتمكن من الفرار وقال إن

“الهجوم الإسرائيلي نال من جميع الفصائل, وفقدنا الكثير من أسلحتنا، وسنعيد تنظيم أنفسنا, ومن المستحيل هزيمة أناس يناضلون من أجل حريتهم. وأكد فلسطينيون من مخيم جنين للاجئين على أن الجيش الإسرائيلي استخدمهم ” دروعاً بشرية ” رغم حظر ذلك بشكل واضح، بموجب اتفاقية جنيف حول حماية المدنيين في زمن الحرب”[143] .

 

2-3-7- قصة التضحية والبطولة : طوالبة – آثر تفخيخ نفسه فقتل 13 جندياً إسرائيلياً

تُرى، هل كان يوسف قبها، الطفل الذي سطّر ورفاقه الصغار أسطورة أطفال ” الآر بي جي ” في العام 1982, حين حاصرت جيوش شارون أول عاصمة عربية بغية القضاء على حركة الكفاح الفلسطينية, يعلم أنه سيقود حرباً أخرى ضد الجيش نفسه، وهو القائد أبو جندل؟ هكذا كان يعرّف عن نفسه حين يتحدث من قلب مخيم جنين إلى الفضائيات العربية, دون أن يذكّر شارون بما فعله طفلاً في بيروت! هي حكاية المخيم, الذي قاوم عشرة أيام أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، يرويها شاهد عيان عايش الحكاية ساعة بساعة بل دقيقة بدقيقة، أو كما يحب القول، عايشها منذ تفجرها الجنيني حتى اكتمال صباها .

  • عدنان الصباح, رئيس المركز الإعلامي في جنين والناطق الإعلامي باسم بلديتها، روى لصحيفة العرب اليوم الأردنية تفاصيل وبطولات مخيم جنين الذي أنشئ في العام 1950 بعد أن قضى سكانه عامين في منطقة قريبة تدعى جنزور, أتاها الثلج ذلك العام فأغرق أهلها, ما دفع بوكالة الغوث إلى إنشاء المخيم في بطن جبل، ما زالوا يعيشون فيه حتى شرّدهم الاحتلال مرة أخرى . يقول الصباح : بطن ذلك الجبل يواجه – قد يكون مصادفةً – أطراف الناصرة وحيفا, وهو لذلك ظلّ الحلم بالماضي الجميل هروباً من واقع مرير”[144].

ويروي الصباح

” في ليلة الأربعاء 2 نيسان، دخل الجيش الإسرائيلي من أربعة محاور بأعداد كبيرة من الدبابات قدرت بـ 200 دبابة, ويبدو أنهم اعتقدوا أن الحرب النفسية التي مارسوها قبل الهجوم سيكون لها أثرٌ خصوصاً وأنهم لم يسمعوا ولم يجدوا أي مقاومة وهم يتقدمون باتجاه المخيم، حتى وصلوا إلى أطراف المخيم من الغرب والشمال وأطراف جنين من الشرق والجنوب والشمال, فانهالت عليهم النيران من كل جانب فأخذوا بالتراجع “[145]. ويضيف الصباح: ” بعد تراجعهم هذا تمكنوا من دخول بعض الأحياء المكتظة بالسكان خارج المخيم والمطلّة عليه, فاستخدموا سكان هذه البيوت دروعاً بشرية لحمايتهم, واستخدموا البنايات مراكز للقناصة؛ في هذه الليلة استشهدت الممرضة فدوى الجمال, وأصيبت شقيقتها عطاف بجراح بليغة, وقد تم إسعافها وإخراجها من منزلها, وكذلك استشهد هاني عطية أبو رميلة. ظلّ القتال مستمراً بشكل عادي حتى الصباح واشتد نهاراً, سقط خلاله 6 شهداء, لكننا لم نتمكن من إخراج أي واحد منهم, وقد ظل الشهيد وليد إبراهيم محمود في الشارع حتى يوم 11 نيسان “[146] .

 

2-3-8- في الليلة الثالثة

ويضيف الصباح

” في ليلة اليوم الثاني, استخدم الجيش الإسرائيلي الطائرات وحاول اختراق المخيم من الجهة الغربية، إلا أن شدة المقاومة أجبرته على التراجع, وبدأ يطلق القذائف بشكل عشوائي، فأصابت حتى المناطق القريبة من المخيم؛ لقد أطلق النار على المستشفى الحكومي وعطّل مضخة الأكسجين، ما أدى إلى وفاة سيدة مسنّة وهي في غرفة الإنعاش. ثم حاول أن يعوض الفشل في المخيم بالتوغل في بعض أحياء المدينة الشرقية، وفوجئ بمقاومة عنيفة, لم يتوقعها، لذا عاد بسرعة إلى منطقة الأحراج وجرب محاولة أخرى فاشلة لاجتياح قرية قباطية. استشهد هناك أحد رجال الشرطة الفلسطينية، فنُقل إلى مستشفى الرازي دون أن يُعرَف اسمه, وأصيب عدد من الشباب، كان من بينهم برهان سمير الذي أصيب إصابة بالغة جداً في رأسه لم يتمكن أحد من الوصول إليه، فزحف بنفسه حتى مستشفى الرازي الذي لم يكن فيه طبيب قادر على إجراء جراحة خطرة في الرأس، فتمكن طبيبان من إجرائها بعد أن هاتف كل واحد منهما أستاذه في كلية الطب التي درس فيها؛ فكان واحد قد هاتف دمشق والثاني هاتف أستاذه في كندا؛ وتم إجراء الجراحة الدقيقة وفق تعليمات الأستاذين عبر الهاتف من دمشق وكندا، ونجحت العملية. وفي اليوم السادس, أعلن موفاز عن إقالة الضابط المسؤول عن عملية جنين، وسحب جميع قوات الاحتياط واستبدالها بوحدات مختارة من اللواءين جولاني وجيعاتي, وهما أهم لواءين في الجيش الإسرائيلي, وتدخلت الطائرات بشكل عنيف؛ وحتى اليوم العاشر، ظل موفاز يعلن كل يوم أن هذا هو اليوم الأخير، والمعارك مستمرة “[147] .

 

2-3-9- إغلاق تام

ويواصل الصباح

” أمام كل هذا, أغلقت قوات الاحتلال المخيم ولم يسمح لا لسيارات الإسعاف ولا للصليب الأحمر بالوصول إلى المخيم، ثم بدأ الجيش بإخراج الناس من بيوتهم بالقوة حتى يفرغ المخيم من السكان المدنيين؛ وفي اليومين التاسع والعاشر بدأ بقصف جنوبي الأحياء الرئيسية في المخيم التي يوجد فيها المقاتلون، وتحديداً حارة الحواشين وجورة الذهب وحارة الدمج, ثم استقدم عدداً كبيراً من الجرافات في محاولة لفتح طرق واسعة، لوصول الدبابات إلى وسط المخيم؛ لذلك بدأت عملية إزالة المنازل وهدمها على سكانها, حتى إن بعضهم لم يتمكن من النجاة “[148] . ويقول الصباح: ” جمال محمود فايد معاق عقلياً وأخرس وأطرش, عمره 38 عاماً، توسلت والدته إلى الجنود من أجل إيقاف جرف المنزل وهم يسمعون صراخه، رافضين ذلك على الرغم من علو صوته وهو تحت كتل الأسمنت حتى استشهد. وبدأ الجيش بالوصول إلى المخيم منزلاً منزلاً, وقد استشهدت إحدى النساء حين فتحت باب منزلها للجيش لتتفجر العبوة البلاستيكية التي وضعها الإسرائيليون عليه. وفي الليلة الأخيرة، سقط على المخيم من الطائرات فقط أكثر من 200 صاروخ، عدا قذائف الدبابات ووابل من رصاص الرشاشات الثقيلة “[149] .

ويتحدث الصباح عن ذروة التضحية والبطولة في حالة الطوالبة، قائلاً :

” لقد نفذ رصاص المقاتلين, بعضهم اختار أن يكون جسده الرصاصة الأخيرة كمحمود طوالبة الذي فجر نفسه وقتل 13 جندياً إسرائيلياً دفعة واحدة في عملية استشهادية. كانت تلك هي كلمة السر لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي قهره أبطال مخيم جنين الذي لا يقهر، ولذا بدأوا بتدمير المخيم وأعلنوا لسكانه أنهم سيبدأون بقصف المخيم بطائرات الـ اف 16. كان على الرجال الطلب من النساء والأطفال والمدنيين جميعاً مغادرة المخيم ليواجهوا جيش موفاز وشارون هذه المرة وحدهم, وقد فعلوها . وطوال تلك الليلة تمكن الأبطال من دحر الجنود إلى خارج المخيم وتوسيع رقعة وجودهم, على الرغم من أن الجيش حاول أكثر من مرة أن يترك لهم فرصة للهرب، إلا أنهم لم يفعلوا. كان الصمود بالنسبة لهم عنواناً لمستقبل مقبل, ولم يكن قط في أذهانهم أنهم سينتصرون وسيهزمون “إسرائيل” كلياً، لكنهم كانوا يعطون درساً ممكناً وقد فعلوا ” [150] .

ويقول الصباح أيضاً

” جورة الذهب والدمج وشارع العودة هي الطرق المؤدية إلى حي الحواشين, ولذا كان التجريف واضحاً هناك, وهي مكتظة جداً, بل إن بعض أزقتها يصلح فقط لمرور رجل واحد, ولذا كان من السهل على المقاتلين التنقل من منزل إلى آخر, واستبدال مواقعهم وتنشيط المقاومة, ولم يكن بإمكان جنود جيش الاحتلال، بعد الخسائر التي وقعت في صفوفهم، أن يتقدموا مباشرة, لذا كان لا بد من ايصال الدبابات إلى هناك؛ وهذا هو السبب وراء التدمير والتجريف الذي تعرضت له الأحياء المحيطة بالحواشين . ومع ذلك، تمكنت الدبابات من الوصول إلى قرب حي الحواشين والتجربة كانت فاشلة, فقد ضرب محمود طوالبة وفضل أحمد مثلاً في منع الجيش الإسرائيلي من التقدم, حين فجرا نفسيهما .

فكان هناك مقاتلون متمرسون من أمثال أبو جندل، قادوا المعركة بقوة, ومحمود أبو حلوة قاد فريقاً أيضاً وفجر نفسه بعد أن دعا رفاقه إلى إكمال المهمة، إذ انهالوا بالرصاص على الجنود القادمين لإنقاذ قتلاهم, لذلك كانت الوسيلة الوحيدة للجيش الإسرائيلي هي تدمير حي الحواشين على من فيه, وقد فعلوا؛ فسقط العديد من المقاتلين ومن المدنيين تحت الأنقاض التي ما زالت شاهداً على بطولة المخيم وهمجية الاحتلال”[151] .

ويروي الصباح

” في يوم احتدمت فيه المعارك, اتصلت بي مندوبة الصليب الأحمر وقالت لي إن الجيش الإسرائيلي يشترط وقف إطلاق النار للسماح بإخلاء الجرحى والشهداء؛ فسألتُ، من يوقف إطلاق النار؟ المقاتلون المحاصرون أم الجيش المدجج بالسلاح؟ وقلت لها: أمام جيش الاحتلال أمران: إما الانسحاب وبالتالي يتوقف إطلاق النار تلقائياً, لأننا نعد بألا نطلق النار على جنوده من الخلف, أو التوجّه، وبوساطة الأمم المتحدة، إلى الرئيس ياسر عرفات بطلب عقد اتفاق لوقف إطلاق النار بشكل رسمي عبر الأمم المتحدة “[152] .

ولعل من بين عشرات القصص التي سطّرها مقاتلو ومدنيو المخيم يستوطن الذاكرة عدد من الحكايات فيها، هو

  • يوسف قبها أبو جندل, قائد الأشبال في بيروت, قائد المقاتلين المدافعين عن المخيم، الذي وزع المقاتلين قبل ساعات, للقتال حتى الرصاصة الأخيرة؛ ألقي القبض عليه حياً وحين تعرفوا على شخصيته وضعوه على ركام أحد المنازل وأطلقوا عليه النار
  • في حين رفض أشرف أبو الهيجا، الفنان المسرحي، البقاء وحيداً بعد أن سقط توأم روحه الاستشهادي يوسف سويطات؛ فقد أصيب في المعركة داخل المخيم, حاولوا إسعافه, فرفض قائلاً لهم لن تتمكنوا من إسعافي ولن يحضر أحد, كل ما في الأمر أنني سأموت بين أيديكم اتركوني أموت رجلاً واقفاً في مواجهتهم, وعلى الرغم من جراحه حمل أبو الهيجا سلاحه وخرج إلى الجنود الذين كانوا في الخارج, وانهال عليهم بالرصاص حتى تمكنوا بوساطة قناص موجود على سطح أحد المنازل، من إطلاق النار على جسده الذي تحول إلى غربال .

 

2-3-10- أسطورة الأطفال

ويغطي تقرير صحيفة العرب اليوم الأردنية وقائع البطولة في المخيم عبر الشهادات التالية أيضاً : أما محمود طوالبة, “قائد سرايا القدس في الضفة ” فهو واحد من أبناء المخيم عرف بالبساطة, ودماثة الخلق, طيب, تحول إلى أسطورة في نظر أطفال جنين ومخيمها

  • ويروي الصباح قصته مع ” شمس” طفله الصغير الذي جاءه ذات صباح حاملاً بقايا صاروخ إسرائيلي، طالباً من والده الذهاب إلى قوات الأمن الفلسطيني لتأمين هذا الصاروخ للطوالبة, فسأله لماذا ؟ وببراءة أبناء السادسة، أجاب والده: لحمايتنا من اليهود”[153] . وفي اليوم الثاني، طلب شمس من أخته الإبقاء على سره وعدم إفشاء مكان مخزنه السري الذي يجمع فيه ” الكواع والرصاص “، فهو يجمع كل ما يلزم من رصاص وقنابل لإرسالها إلى طوالبة، غير مصدق أن محمود الطوالبة استشهد منذ أيام. كان الطوالبة يقيم علاقة اجتماعية مع كل أسر المخيم, وهو لذلك كان قائداً للاستشهاديين, فحين بدأت المعركة, قال له بعضهم إن بإمكانه المغادرة، فرد عليهم: كنت دائماً أخوض معاركي كراً وفراً, ولكني اليوم أخوضها كراً فقط، وليس بإمكاني أن أعود حياً, واحتراماً للذين ذهبوا بأوامر مني للاستشهاد,عليّ أن أحترم قراري للآخرين وهذه المرة أصدره لنفسي”[154] .
  • جابر حسني جبر ابن الـ 23 ربيعاً عامل المقهى, الذي لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي, قال لأصدقائه قبل الذهاب إلى حارة الحواشين في المخيم ” إذا استشهدت فلا تنعوني باسم حزب أو جماعة, أنا شهيد فلسطين, وقال لوالدته قبل أن يخرج ” هذه العشرون شيقلاً لفلان، فأعطيها له ” وقد وجدت في محفظته حين عثروا عليه تحت الأنقاض, خرج من منزله بصمت وقال لأصدقائه إنه خارج المنطقة آمن[155] .

وروى الذين كانوا معه, أنه أجاب أبو جندل حين سأله: ماذا بإمكانك أن تفعل في المعركة، قائلاً “إنني أتقن فقط إلقاء العبوات ( الكواع ). وفي يوم 9/4/2002 وفي لحظة احتدام القتال ليلاً, طلب جابر من زملائه أن يغطوه وهو يلقي بالعبوات على الدبابات الإسرائيلية, ففعلوا, إلا أنه أصيب في أعلى الصدر, وتم سحبه إلى داخل بيت، ثم نقل إلى مكان أكثر أمناً. وكتبوا لصاحب البيت ورقة عليها اسمه، احتياطاً، ومن هو وابن من. ويقول الرجل إنه لم يجد ما يفعله لجابر. لقد جلس بجانبه يقرأ القرآن. وقد طلب جابر أكثر من مرة شرب الماء؛ كان يضع نقاط الماء في فمه ثم يقول إن جابر قال له أنا أسكن في جبل ابن ظهير، بلّغ أسرتي, أن يدفنوني إلى جانب والدي وبلّغ والدتي ألا تبكي عليّ[156] .

هذا الرجل حين وصف جابر لأقاربه وهم يسألون عنه, قال إن الذي استشهد في بيته كان شاباً طويلاً وجميلاً بعينين خضراوين وإنه قرأ الفاتحة ونطق بالشهادتين قبل أن يغمض عينيه الإغماضة الأبدية .

شقيقة جابر التي وجدته, وهي تعمل متطوعة في الهلال الأحمر، شاركها الآخرون في إخراج جثته، ثم بيدها أخرجت محفظته لتطالعها صورته على هويته .

 

2-3-11- عناق الشهداء

  • بقيت مريم وشاحي، 48 عاماً، إلى جانب ولدها منير الذي استشهد منذ عدة أيام، إلى أن أصيبت هي الأخرى داخل منزلها وظلت تنزف حتى فارقت الروح الجسد . وبعد أيام من بداية المعركة، سمح للمرة الأولى ولساعة واحدة فقط للهلال الأحمر بالدخول إلى المخيم, بعد ضغط دولي. أحد المواطنين داخل المخيم كان يشاهد مسعفي الهلال في المنطقة، اتصل هاتفياً بي كما يقول الصباح، للذهاب إلى بيت الوشاحي لأن أم منير قد تكون حية؛ فطلبتُ من الرجال التوجه إلى بيت الوشاحي, وقلت لهم ابحثوا عن الجرحى واتركوا الشهداء, وحين دخل الرجال منزلها صرخ أحدهم:

“ما أراه لا يصدق, لقد استشهدت أم منير! وواضح مما أراه أنها زحفت حتى احتضنت منير واستشهدت على صدره. إنني أمام شهيدين يتعانقان، أم وابنها “.

  • استشهد عطية أبو ارميلة بعد ابنه هاني الذي استشهد يوم الأربعاء 3 نيسان, وهاني من زواجه الأول, فيما استشهد عطيه يوم الجمعة 5 نيسان، حين أطل من شباك منزله؛ وقد جرّته والدته وزوجته إلى الداخل ولم تتمكنا من الاستنجاد بأحد أو الخروج من المنزل, وظلتا بجانبه مستلقيتين أرضاً ثم ظلت والدته كل ليلة تحتضنه حتى يوم الأربعاء 10 نيسان. كان أطفال عطية طوال هذه الأيام يذهبون إليه محاولين إيقافه طالبين منه الطعام, وحين كانوا يختلفون معاً كانوا يذهبون إليه شاكين، دون معرفة منهم أن والدهم قد استشهد .

كانوا يشكون بعضهم بعضاً, بل إنهم كانوا يضربونه في محاولة لإيقاظه. يوم الأربعاء 17 نيسان، خرجوا من المنزل ووصلوا إلى بيتي بحثاً عن الأمان وباتوا ليلة الخميس في منزلي, دون أن يغمض لأحد منهم جفن, لم تكن والدة عطية قد تناولت الطعام أو الشراب، وحين بدأت بروايتها، وخصوصاً حال أطفال عطية، انهارت وبكت ولم يكن بإمكاني سوى أن أبكي, وأنا أرى الأطفال صامتين لا يتحدثون ولا يرمش لهم جفن وهم يلكزون والدتهم قائلين ” تعالي نروح عند بابا”.

ثم تتذكر والدة عطية وتقول:” لازم نرجع ما بصير نخلي عطية لوحده, وتصمت, وتعود زوجته محاولة النهوض وهي تتمتم مش معقول ينام الليلة لوحده“! ولم أتمكن عند ساعات الفجر من منعهم من الذهاب إلى عطية .

 

2-4-      عندما يفيض المخيم صموداً وإرادة

لم يعد مخيم جنين مجرد رمز للمقاومة أو عاصمة للاستشهاديين, بل دخل التاريخ من أوسع أبوابه, لأن قصة صموده وبطولة مقاتليه دفعت بالعديد إلى قراءة ما حصل هناك, خاصة مع اختلاف موازين القوى وحجم الخسائر وشراسة المعركة وعنفوانها, وقصة الخدع والشراك التي تميز بها مقاتلو المخيم, وفي النهاية قصة كل الشهداء, الذين قاتلوا حتى الرمق الأخير .

وسط حارة الحواشين أو الساحة، كما يطلق عليها، وهي المنطقة التي شهدت القسم الأكبر من التدمير، ترتفع عالياً راية سوداء عليها شعار الجهاد الإسلامي, وهي الحركة التي سقط لها في المعركة عدد من الشهداء، من بينهم قادة تتهمهم دولة الاحتلال بالوقوف وراء عمليات قتل فيها العشرات من الإسرائيليين .

في مدخل المخيم قطع كثيرة من دبابات الميركافاة الإسرائيلية وجنازيرها الثقيلة, وهي جزء من خسائر الجيش العبري وضعها الشبان بعد تجميعها, كما تنتشر في مناطق أخرى في المخيم قطع من هذه الدبابات بعضها في حارة الحواشين وقرب مسجد الأنصار, ولا يتردد الأطفال وتلاميذ المخيم الذين عاصروا شراسة القتال من التلذذ بالدوس على هذه المخلفات الصهيونية بأقدامهم: هنا فجروا دبابة وهذا باب خلفي لها وبقيتها سحبه الجنود بواسطة البلدوزرات الضخمة, هكذا قال إبراهيم، 10 أعوام .

ولا تتوقف القصص والحكايات عند حد معين، ففي كل زاوية وممر قصة, وتحت كل منزل مهدم وركام منثور بطولة شهيد التصق بالسلاح, هنا استشهد طه زبيدي, وهنا استشهد شادي النوباني, وهنا استشهد الشيخ رياض بدير, وهنا محمود, ومحمد وغيرهم من المقاتلين الأبطال .

في إحدى غرف المخيم ما زال الدم شاهداً وبقايا من شعر ما زال ملتصقاً بالجدران، سببه انفجار صاروخين أطلقا من طائرة أباتشي عبر النافذة, ليستشهد على الفور خمسة شهداء ويبقوا على حالهم عدة أيام، والدود يأكل أجسادهم .

حول قصص وحكايات البطولة في المخيم، جاء في تقرير نشرته صحيفة الحياة الجديدة الفلسطينية ما يلي :

” لا يخفي السكان حزنهم على فَقْد عدد من قادة المقاتلين خلال المعركة, خاصة لما كانوا يتميزون به من عطاء وكرم وشجاعة وطهارة؛ فأبو جندل الذي كان يصدح بصوته عبر فضائية الجزيرة ليوزع الأمل على الملايين، لم يكن يبحث عن شيء سوى هؤلاء الذئاب الذين افترسوا المخيم غدراً وظلماً وحتى يوم استشهاده وإعدامه لم يكن يعرف الكثير من البشر اسم الشهيد”[157] .

وكان أبو جندل, يوسف قبها فريحات, كما يقول أحد رجال المقاومة في المخيم, رمزاً للجميع فهو يعمل في الأمن الوطني لكن علاقاته مع المقاتلين من حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى مميزة, وكان دائماً برفقتهم في الأزقة والحواري .

كما سقط في المخيم محمد النورسي وهو مسؤول الوحدات الخاصة في جهاز المخابرات العامة, واعتبر فقده خسارة كبيرة للمقاومة والمخيم على السواء .

أما مهندس الموت كما يصفه الإسرائيليون والذي نجا عدة مرات من محاولات لاغتياله، كان آخرها عندما قصف السجن الذي يحتجز فيه في نابلس، فهو الشهيد محمود طوالبة قائد سرايا القدس الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي؛ يصفه زياد، 28 عاماً, من المخيم وأحد المقاومين، قائلاً: كان محمود مقاتلاً يبحث عن الجنود في المنازل, يلاحقهم من واحد إلى آخر, ويوقع بينهم الإصابات, وبقي يقاتل حتى نفذت ذخيرته ثم هدمت الجرافات المنزل عليه ولم يعثر على جثته حتى الآن، سوى بعض إشلاء قال بعضهم إنها لمحمود, لكن والدته لم تقتنع بالأمر .

كان محمود طوالبة مسؤولاً حسب الإسرائيليين عن إرسال ما لا يقل عن 12 استشهادياً إلى داخل “إسرائيل” من بينهم شقيقه الصغير, وفي ذمته كما يقول أعداؤه العشرات من القتلى والمئات من الجرحى الإسرائيليين ” .

وعن المعركة يقول الشيخ بسام السعدي، 43 عاماً, أحد قادة الجهاد الإسلامي ومن سكان المخيم :

” أدينا واجبنا على أكمل وجه، والجهاد شارك بثلاثة أجنحة عسكرية يقودها كل من ثابت مرداوي ونجح الاحتلال في اعتقاله, والشيخ رياض بدير, 56 عاماً, من طولكرم والذي عثرنا على جثته بعد أيام ملتحماً بسلاحه ومعه مصحف, ومحمود طوالبة الذي استشهد تحت الأنقاض ولم نعثر إلا على بقايا أشلائه”[158] .

ويضيف السعدي الذي كان موجوداً مع عدد من رفاقه في منزل بسيط، في ما تبقى من المخيم,

“لقد استعد المجاهدون للمعركة جيداً, واكتسبوا خبرات نتيجة العمليات والاجتياحات الإسرائيلية السابقة, وهو ما مكنهم في هذه المرة من تنظيم صفوفهم, وإعداد الشراك والخدع للجنود وملاحقتهم وإيقاع الخسائر بهم, وكان الشيء الأساسي الذي مكن المقاومة من الصمود هو حالة التلاحم والوحدة والقَسَم المشترك بين الجميع على الاستشهاد مقاتلين “[159] .

وكان الجيش في بداية عمليته العسكرية قد حاصر منزل السعدي مطالباً إياه بالاستسلام قبل قصفه, لكن ذلك القائد الذي يعتبر نفسه مسؤولاً سياسياً قال: نادوا عليّ عبر مكبرات الصوت وطالبوني بالاستسلام لكني لم أكن موجوداً, ثم قاموا بإحراقه وقصفه .

ويشير السعدي, إلى أنه كان يتجول ليرفع من معنويات المقاتلين ويطّلع على أحوالهم ويشحذ هممهم, ويحثّهم على الصمود والمواجهة وتلقين العدو درساً لا ينساه .

وفي ما يتعلق بالخطط والاستعدادات العسكرية التي جهزها أفراد المقاومة في المخيم، قال السعدي,

“كنا نتوقع اجتياحاً إسرائيلياً ضخماً نظراً للحشود حول المخيم, لكننا لم نكن نتوقع أن يكون بهذا الحجم. والمقاومون الذين كانوا حوالى 250 ، جهزوا أنفسهم وأيقنوا أن هذه المعركة ستكون قاسية, لذلك قاموا بعمل التجهيزات من سواتر ترابية وأكياس رمل, وزرع عدد من العبوات في مداخل المخيم لإعاقة دخول الجنود وآالياتهم, بالإضافة إلى توزيع المقاتلين على مجموعات صغيرة في مواقع داخل المخيم, إلى جانب وضع قناصة لحماية المقاتلين “[160]  .

2-5-      جنين – المتحف الوطني

وهكذا .. يتحول مخيم جنين إلى رمز للبطولة الفلسطينية وأسطورة تتكرس في وعي الفلسطينيين وذاكرتهم على مدى التاريخ الراهن والقادم .

فقد سارع مئات المواطنين الفلسطينيين إلى إطلاق اسم ” جنين ” على أطفالهم الجدد, وتحول الاسم إلى نغمة على كل لسان .

ولهذه الدلالة، قررت القيادة الفلسطينية ” إقامة متحف وطني في مخيم جنين يطلق عليه اسم ” متحف الكارثة والبطولة الفلسطينية “[161] .

متحف الكارثة والبطولة الفلسطينية : البطولة الأسطورية الملحمية الفريدة الموثقة بكمٍّ من الشهادات والاعترافات والتحليلات المشار إليها آنفاً .. والكارثة / النكبة / المجزرة المروعة التي اقترفت عن سبق نية وإصرار وتصميم وتخطيط وقرار على أعلى المستويات الإسرائيلية .

 

 

من دير ياسين إلى جنين - بقلم نواف الزارو

 

 (كتاب سيتم نشره قريباً، وقد ترجم إلى الإنكليزية عن العربية، وهو تحت الطبع).

 

مقدمة الطبعة الإنكليزية

 

بقلم أ. كلير براندابور

 

يجب تحذير غير العارفين في هذا المجال بأن كتاب نواف الزارو يسبّب للفكر نوعاً من الدوار، حين يُعاني من نقلة نوعية عميقة، وارتباك مماثل لما عانى منه دانتي، بعد نزوله من خلال دوائر الجحيم الضيقة، إذ كان يتسلق إلى الأعلى ويهبط إلى الأسفل على ثنية أُربيّة سيربيروس، المليئة بالشَعر، عند نقطة ثابتة للعالم المتحوّل دوماً. وهكذا، فما كان في “الأسفل”، بالنسبة له، يصبح في “الأعلى”. بالنسبة لأولئك الذين لم يسمعوا بعدُ صوت فلسطين، فإن سجلّ المجازر والوحشية المتضمَنة في هذا الكتاب، يبدو صادماً، وغير محتمَل أيضاً. أذكر أنني اختبرتُ ردة الفعل ذاتها، إذ شعرتُ بعدم الراحة لدى قراءتي الكراسة الأولى للأسقف هادلستون التي كتبها عن التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، منذ حوالى ثلاثين عاماً، قبل أن يدعو ستيف بيكو ن في صرخته الشهيرة إلى التأكيد على ضرورة وعي الأفارقة، بينما لم يزل نيلسون مانديلا سجيناً.

 

من دير ياسين إلى جنين، عملٌ يشهد على مئات المجازر والاغتيالات التي قامت بها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ تأسيسها في العام 1948. هذا الكتاب المذهل في تأثيره التراكمي، يدمّر، أخيراً ومن دون رجعة، تعبير “حادث منفرد لقناص مجنون”، الذي غالباً ما استخدِم من المدافعين عن الدولة الصهيونية بهدف إيجاد مبرّر للفظائع، مثلما حدث في المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين ضد الفلسطينيين الذين كانوا يصلّون في الحرم الإبراهيمي، في 25 شباط / فبراير 1994، وفي العديد من المجازر الأخرى . ما يحضّنا الزارو على استيعابه، من خلال توثيق اتساق ظاهرة المجازر، وهي جزء من السياسة الإسرائيلية، هي طبيعة إسرائيل المتأصلة في الإبادة، كونها دولة استعمارية، مصمَّمة فقط لليهود. بالإضافة إلى ذلك، فهو يفرض علينا أن نرى أن إسرائيل استهدفت قادة المقاومة الفلسطينية منذ بدايتها، بإخضاعهم، في كثير من الأحيان، إلى التعذيب والتشويه قبل إلحاق الموت بهم، وإلى قتل أي شخص آخر، في كثير من الأحيان، موجود في المكان ذاته، دون تمييز. من بين ضحايا “الإعدام خارج نطاق القضاء”، وهو ما يسمّى، في جميع أنحاء العالم، “القتل بموافقة الحكومة”، ثمة فلسطينيون ذوو رؤية عظيمة وموهبة كبيرة، من أمثال غسان كنفاني، الكاتب الموهوب الذي اغتيل مع ابنة أخيه في تفجير سيارة مفخّخة في لبنان في العام 1972؛ والشاعر الوطني كمال ناصر، الذي أعدمته فرق الموت مع اثنين من القادة الفلسطينيين في منازلهم في بيروت، وذلك باستخدام الضفادع البشرية والمروحيات، في العام 1973.

 

تأتي هذه الوثيقة الهامة، من دير ياسين إلى جنين، في الوقت الملائم. ففلسطين على مفترق طرق، إذ إنها تعاني من اشتداد عنف الإبادة الجماعية، المقنّعة بمحاولة مثيرة للشفقة لإخفاء همجية شارون، متلطّياً بشعار الحرب التي تقودها الولايات المتحدة، وهي الحرب على “الإرهاب”. إذ بعد مأساة اغتيال اليهود الجماعي في ألمانيا، فإن الناس حسني النيّة، قد اختاروا، حتى زمن قريب، أن يروا في إسرائيل  الوطن اليهودي المناضل، كونها دولة لا يمكن لومها على أفعالها. كان العالم أعمى في مواجهة الجرائم الإسرائيلية، بسبب الدعاية الضخمة المؤيدة للصهيونية. فثمة تدفق مستمر للكتب والأفلام الناجحة في هوليوود، وهو تدفق مرئي من خلال ضباب أسطورة الكتاب المقدس، سفر الخروج، الآلهة والملوك، شوا، ينتل، شتيتل، قائمة شندلر ، يوميات آن فرانك، اختيار صوفي، إلخ؛ هذا ما خلق التصور العام بأن اليهود، دون غيرهم، هم الوحيدون الذين عانوا، بالرغم من أن ضحايا هتلر أيضاً كانوا من الغجر والبولنديين والمرضى عقلياً، وكذلك من كل الذين اعترضوا على برنامجه في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وفي الوقت نفسه، ثمة كتب وأفلام، حاولت إظهار وجهة نظر أكثر توازناً (مثل فيلم هانا ك، من إخراج كوستا غافراس)، فظهرت على أنها أعمال شريرة، إذ طُبِّقَت عليها رقابة صارمة. فيلم هانا ك، افتتح في نيويورك، وتمّ منعه بعد العرض الأول.

 

ثمة مثال على تجاهل الصوت الفلسطيني، ورد في مقالة قصيرة لكريس ماك غريل، نشرت في الصحيفة الأسبوعية الغارديان ويكلي (24-30 تشرين الأول / أكتوبر 2002)، تمّت الإشارة فيها إلى أن مركز سيمون فيزنتال طالب جاك سترو بإقالة شيرارد كوبر كولز، السفير البريطاني في إسرائيل، كونه صرّح بأن:

” إسرائيل حولت الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مجرّد معسكر اعتقال واسع”. فاشتكى الناطق الرسمي باسم مركز سيمون فيزنتال، شمعون صامويلز، لجاك سترو، قائلاً: “إذا ثبت بأنه قال ذلك، فإننا نطالب بإقالة فورية للسيد كوبر كولز لتحريفه للمحرقة، ولجعله ذكرى ضحاياها تافهاً، ولتبنّيهِ الصوت الأكثر تطرفاً لمعاداة السامية من الفلسطينيين “. لسوء الحظ، فالسيد كوبر كولز، مثل كثيرين غيره ممن يذهبون، في الواقع، إلى فلسطين المحتلة، فيطّلعون على القمع الرهيب ويرونه بأم أعينهم، اضطر لإنكار أقواله. ونقل ماك غريل نفيه استخدام مثل هذه الكلمات، قائلاً “أبداً ما تلفّظتُ بذلك ولن أفعل.” وهكذا نرى المعادلة الخادعة للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال غير الشرعي، والوحشي في معاداة السامية، هذا هو بالضبط التكتيك الذي كشفه نورمان فنكلستين في كتابه المهم، صناعة الهولوكوست. أقترح هذا على أنه مثال نموذجي لذلك النوع من الضغوط التي تمارَس على أي شخص يقول الحقيقة عن سياسة الاحتلال. في الواقع، إذا كان السفير أو أي زائر إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، قد فشل في رؤية تحولهما إلى معسكر اعتقال واسع، فلا بدّ أن يكون أعمى “البصر والبصيرة”!

 

لحسن الحظ، برز أدب جديد، بما في ذلك العديد من الكتب الهامة التي كتبها اليهود والعرب وغيرهم، فتم التصدي فيها للمسائل والمفاهيم الخاطئة للمشكلة الأساسية بطرق ديناميكية جديدة. فبالإضافة إلى الكتاب المذكور لفنكلستين، ثمة كتب، مثل: Beyond Innocence and Redemption )ما وراء البراءة والفداء(، لمارك إيليس. وهناك أيضاً كتاب إسرائيل شاحاك ونورتون ميزفينسكي: Jewish Fundamentalism in Israel )الأصولية اليهودية في إسرائيل(. وكتاب ريجينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية. و The Fate of the Jews )مصير اليهود(، لروبرتا شتراوس فويرليخت. في دراسات الكتاب المقدس، ثمة رجال دين ومؤرخون جدد غيروا جذرياً من قراءتهم للأساطير التوراتية التي على أساسها تمّت المطالبة بالأرض الموعودة، لتبرير الاستعمار الصهيوني: كما في ) The Bible and Colonialism الكتاب المقدس والاستعمار(، للقس مايكل بريور.  اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني ، لكيث وايتلام. والعديد من الكتب لتوماس ل. طومسون عن الاكتشافات الجديدة في علم الآثار التوراتي. ولكن الأكثر إثارة للدهشة هو مجموعة أعمال إدوارد سعيد، وهو فلسطيني في المنفى، وقد استطاع، من خلال عمله العلمي، خلق سياق يجعل، أخيراً، طرح قضية فلسطين أمراً ممكناً.

 

الأهم من ذلك أيضاً، كان من الممكن التوصل إلى فهم أساسي، مفاده أن الدولة الاستعمارية هي بطبيعتها دولة إبادة جماعية، وهذا ما يسمح بالنظر إلى إسرائيل من خلال نورها الحقيقي، بدلاً من الخرافات والتمجيد بهدف المطالبة التوراتية بوضعية استثنائية لها. لا يمكن المبالغة في تقدير أهمية هذا التطور، لأنه حتى الناس، من أمثال سارة روي، البطلة، التي اتخذت مواقف شجاعة في توثيق الدمار الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي، يبدو تعثرها واضحاً حين تواجه واقع ارتكاب إسرائيل لجرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. مع ذلك، فقد قضت روي أشهراً في فلسطين، وهي تقوم بعمل رائد حول البحث في الاقتصاد الفلسطيني (تنمية غزة، على سبيل المثال) وكانت شاهداً على الوقائع الوحشية للاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما ظهر في الآونة الأخيرة في البيان الذي نشرته على نطاق واسع على شبكة الإنترنت (http://.ipsjps.org/jps/125/roy.html) بعنوان ‘Living with the Holocaust: The Journey of a Child of Holocaust Survivor’ (العيش مع المحرقة: رحلة طفل ناجٍ من المحرقة): لقد وجدت نفسها، مع ذلك، مضطرة لإنكار حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي هو دولة للإبادة الجماعية. وعلى الرغم من أنها تسرد كل فظائع التشرد والحرمان والتعذيب ومصادرة الأراضي، والمستوطنات غير الشرعية، وما إلى ذلك، إلا أنها مع ذلك تخلُص إلى أن “الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين ليس هو المعادل الأخلاقي للإبادة الجماعية النازية ضد اليهود. ولكن، لا، ليس ثمة من إبادة جماعية؛ ولكنه القمع، وهو وحشي. “(2002/12/9).

 

من الواضح أن روي تستخدم هنا تعريفاً للإبادة الجماعية يجعل من المستحيل تطبيق هذا المصطلح على كل الحالات الأخرى غير حالة اليهود. يقول وورد تشرشل إن هذا التعريف الضيق قد بشّر به المختصون حصراً بالمحرقة، مثل كورنيل ستيفن ت. كاتز، لتجنب تطبيق مصطلح الإبادة الجماعية على الهنود الأميركيين والغجر، وعلى الفلسطينيين بالطبع؛ باختصار، إنه لا يطبَّق على أي مجموعة أخرى، عدا اليهود … وهذا التعريف الضيق غير كاف بشكل واضح ويجب تغييره؛ لحسن الحظ، يتم الآن تغييره. إن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بغض النظر عن الألم الناجم عن تحقيق وجوده، هو تماماً فعل إبادة جماعية، يحدث تحت سمع وبصر العالم.

 

يقوم كتاب ماكسيم رودنسون، Israel: A Colonial-Settler State? (إسرائيل:أهي  دولة استعمارية للمستوطنيي ؟) (1973)، بقطع طريق طويلة لترسيخ مختلف أشكال الاستعمار، والاستعمار الاستيطاني، المتميز باستيراد السكان الأجانب إلى منطقة ما، مع ما يصاحب ذلك من إخضاع وإبادة و / أو تشتيت للسكان الأصليين. هذا هو بطبيعته عمل من أعمال الإبادة الجماعية. وكان ثمة أيضاً المزيد من التطورات المهمة الأخيرة من وجهة نظر مدى تأثير الإبادة الجماعية ومعناها، وتطبيقها على الفلسطينيين وغيرهم كثر، في كتاب، ألّفه الأمريكي الأصيل والأكاديمي وورد تشرتشل. في كتابه الرائع عن الإبادة الجماعية التي ارتكبها المستوطنون والجنود الأوروبيون ضد نصف الكرة الأرضية الغربي بأكمله، يتبنّى تشرشل، الأستاذ في جامعة ولاية كولورادو، في كتابه: A Little Matter of Genocide: Holocaust and Denial in the Americas : 1492 to the Present (مسألة بسيطة من الإبادة الجماعية: المحرقة والإنكار في الأمريكتين: من العام 1492 وحتى اليوم) (سان فرانسيسكو، سيتي لايتس بوكس، 1977)  تعريف رافائيل ليمكين، الخاص بالإبادة الجماعية. وهكذا، قال تشرشل إن تعريف المحرقة الذي تبنّاه الحصريون، مثل كورنيل ستيفن كاتز، شوّه تماماً التعريف الحذِر لليمكين، الخاص بالإبادة الجماعية في in Axis Rule in Occupied Europe: Laws of Occupation, Analysis of Government, Proposals for Redress  (محور القاعدة في أوروبا المحتلة: قوانين مهنة الاحتلال، تحليل الحكومة، ومقترحات التصحيح) (واشنطن العاصمة: مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 1946). تعريف ليمكين واضح جداً، لدرجة أن الإبادة الجسدية لجميع أعضاء مجموعة ما، ليست الوحيدة وليست الصفة الضرورية المميّزة للإبادة الجماعية. يقول ليمكين في مكان ما من الكتاب:

 

للإبادة الجماعية مرحلتان: الأولى هي تدمير النمط الوطني للجماعة المضطهَدة. والثانية هي فرض النموذج  الوطني للمضطهِد. هذا الفرض، بدوره، يمكن فرضه على السكان المضطهَدين الذين تمّ السماح لهم بالبقاء. أو يتم إدخاله على القطاع بعد انسحاب السكان، لزرع الاستيطان في المنطقة بواسطة مواطني المضطهِد. (محور القاعدة ص 82، نقلاً عن تشرشل، ص. 68).

 

يقول ليمكين في قسم آخر:

 

بصفة عامة، فإن الإبادة الجماعية لا تعني بالضرورة تدميراً فورياً للوطن، إلا عندما يتم القتل الجماعي ضد جميع أفراد الوطن. وهي تسعى للدلالة على خطة منسقة من الإجراءات المختلفة الهادفة إلى تدمير الأسس الجوهرية لحياة المجموعات الوطنية، بهدف إبادة المجموعات نفسها. . . إن أهداف هذه الخطة هي تفكيك المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية واللغوية، وتفكيك المشاعر الوطنية، والدين، والوجود الاقتصادي للمجموعات الوطنية، وتدمير الأمن الشخصي، والحرية، والصحة، والكرامة، وحتى حياة الأفراد المنتمين لهذه الجماعات. (محور القاعدة، ص 79، نقلاً عن تشرشل ص 70) (تشديد النبرة من عندي).

 

وغني عن القول إن هذا التعريف مناسب للوضع الفلسطيني. وقد طبّقه وورد تشرشل على الوضع الفلسطيني، (في فهرسه، في أول مادة، وتحت عنوان “فلسطين / الفلسطينيون”، يعطي أرقام الصفحات المختلفة؛ ثم المادة الثانية وهي “الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد، 89 ن 398  74 “). السياق الذي تمّ إخراج هذا التطبيق من خلاله، هو شرح السبب الكامن وراء الموقف الحصري من المحرقة، الذي اتخذه ستيفن كاتز وغيره. يقول تشرشل:

 

تم تحليل عوامل التحفيز الحصري، كما تصرّف أصحابها مسبقاً، في مكان آخر. وقد اعتمدوا على جدول الأعمال المحدد لترسيخ “الحقيقة”، في خدمة الدعم الدائم للنماذج السياسية المتميزة في إسرائيل، تلك الدولة اليهودية المقامة على الأراضي العربية في العام 1947، كنوع من التعويض الدولي عن المحرقة؛ وفي خدمة التدعيم العلماني، استناداً إلى أسطورة المعاناة الوحيدة، والمعتقدات الدينية اليهودية نفسها، التي تضمّ أناساً من “نوع خاص” أو من “المختارين”، وإعطاء هذا الحق لجميع الامتيازات المقدّرة على هذا النحو؛ ولبناء إطار المفاهيم الذي يمكن له أن يخفي وراءه واقع الإبادة الجماعية الجارية في إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، الذي اغتُصِبَت حقوقه وممتلكاته في أثناء إنشاء هذه الدولة. (الصفحتان 73 و 74) (تشديد النبرة من عندي) (في هذا المقطع، يستشهد تشرشل بالعديد من المؤلفين الآخرين: وهو بحث علمي طويل لا مجال لذكره هنا).

 

إذا ما اعتُمِد هذا التعريف الشامل للإبادة الجماعية، فيبدو واضحاً أن الفلسطينيين هم شعب متكامل، حكم عليه التاريخ بالتطهير العرقي، لإفساح المجال أمام استعادة الأرض الموعودة للشعب اليهودي “الشعب الذي اختاره يهوه “. يمكن الاستماع إلى نتيجة هذه الرؤية الدينية في إذاعة المعمدانيين الإنجيليين، إذ تتم، بغباء، الإشادة بإسرائيل لأنها حققت النبوءة الإلهية! من ناحية أخرى، ومن منظور أكثر علمانية، كما نجده عند ماكسيم رودنسون، فإن فلسطين هي ضحية للدولة الاستعمارية التي هي في جوهرها دولة الإبادة الجماعية. وبالتالي، فلها، إذن، الحق الفطري بالمقاومة.

 

في مقدمة كتاب رودنسون،( إسرائيل: دولة استعمارية للمستوطنين)، يلاحظ بيتر بوخ: “أنه مما لا يصدق أن الرأي العام العالمي لم يعترف، على نطاق واسع، بالطابع الاستعماري لدولة إسرائيل، حتى أولئك الذين لديهم عادةً تعاطف ضد الاضطهاد الذي يمارسه الاستعمار “. (ص 18).

 

في خطاب الدراسات لفترة ما بعد الاستعمار، أصبح من الواضح، بشكل متزايد، أن الدولة الاستعمارية هي بطبيعتها دولة الإبادة الجماعية. لم يتم الوعي لهذا الأمر بين ليلة وضحاها، لكنه احتاج إلى سنوات من الديالكتيك في مواجهة القوى الإمبريالية الهائلة التي حاولت إسكات أي معارضة كانت، في الوقت الذي تدعي فيه الحق في الاستعمار تحت عنوان الداروينية الاجتماعية … تمّ عرض الذرائع لتبرير الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، على أنها هذيان عنصري. كما حصل، على سبيل المثال، مع أولئك الذين برروا الإبادة الجماعية في أوروبا ضد السكان الأصليين في نصف الكرة الغربي.

 

لكن نواف الزرو يذكّرنا بأن فلسطين مرئيّة من الخارج، ومع ذلك، فللشعب الفلسطيني وجهة نظره الخاصة. إن الصوت الذي يتم التعبير من خلاله عن هذا المنظور، والذي يتحدث في هذا الكتاب، بقوة، اعترفنا به، بالفعل،  على أنه صوت غريب، لأن فلسطين هي كيان تمّ إسكات صوته، حتى وقت قريب، كما قال إدوارد سعيد مراراً وتكراراً في كتبه، مثل: الثقافة والإمبريالية وقضية فلسطين. فنبرة هذا الكتاب ليست نبرة تضمين المناقشة الأكاديمية المغرضة، وإنما نبرة حادة من السخط والاستنكار، لها ما يبررها.

 

قدّم الشاعر وناشط السلام الإسرائيلي اسحق ليئور (وهو شخص موثوق، التقيتُ به في رام الله، قبل عشرين عاماً، مع عدد قليل من الرفاق، وهم تحت تأثير الغاز، وقد كانوا عرضةً للضرب والاعتقال بسبب احتجاجهم على إغلاق جامعة بيرزيت)، إحدى أعمق لوائح الاتهام ضد سياسة الاحتلال الإسرائيلي. في مقالة نشرت مؤخراً في لندن ريفيو أوف بوكس؛ يقول ليئور:

 

إن جدول أعمال إسرائيل متقدّم عن النقد الموجّه ضدها، الذي تمّ التوصل إليه في الخارج، ضمن لغة شديدة الحذر، زيادة عن اللزوم. لقد شاهدت للتو إدوارد سعيد على بي بي سي، في برنامج الأحاديث الصعبة، وهو يحاول شرح مسألة لتيم سيباستيان، وهي أن إسرائيل تدمّر المجتمع المدني الفلسطيني. هذا صحيح، بالطبع، ولكن هو بالفعل نوع من التلميح فقط. ما يتم تدميره، كل يوم، كل ليلة، بالأسلحة، باستخدام وحدات المستعربين، بالغارات والمداهمات من خلال أوامر تعسفية، وبالمناورات السريعة العسكرية، وعن طريق الخطف والاعتقالات التي لا تعد ولا تحصى ومن دون محاكمة، هو شيء أكبر من “المجتمع المدني”. فها هي “الأحداث”: الهجمات الانتحارية والتفجيرات في المناطق المدنية، واغتيال الناشطين السياسيين أو الإرهابيين. ما لا نراه هو تقويض فكرة المجتمع نفسه وتدميره. (2002/12/4).

 

في ضوء تطورات القضية الفلسطينية تلك، يصبح من الواضح أن الشكل الأكثر فتكاً من الإرهاب ليس العنف الذي تمارسه ضحايا القمع، من أجل تحقيق التحرر، ولكن هو ما تقوم به الدول الاستعمارية، وهو إرهاب الدولة الرسمي، مما يشكل قوة شرعية لقمع كل أشكال المقاومة لقوتها. إن من يقوم بجرائم القتل والفظائع الموثقة في، من دير ياسين إلى جنين، هي دولة إسرائيل الاستعمارية، بمساعدة وتحريض من الولايات المتحدة الأميركية، التي لم يتم التصدي للإبادة الجماعية، التي ارتكبتها في الماضي وما تزال ترتكبها في الحاضر.

 

********************************************************************

 

المصادر

 

[1]. صحيفة هآرتس 7/4/2002 .

[2]. المصدر نفسه.

[3]. الصحف العبرية ووكالات الأنباء 8/4/2002 .

[4]. صحيفة القدس المقدسية 10/4/2002.

[5]. المصدر نفسه.

[6]. المصدر نفسه.

[7]. المصدر نفسه.

[8]. المصدر نفسه.

[9]. المصدر نفسه.

[10]. المصدر نفسه.

[11]. المصدر نفسه.

. المصدر نفسه.[12]

[13]. نقلاً عن صحيفة الدستور الأردنية 15/4/2002.

[14]. المصدر نفسه.

[15]. المصدر نفسه.

[16]. المصدر نفسه.

[17]. يديعوت أحرونوت العبرية 14/4/2002 .

[18]. المصدر نفسه.

[19]. المصدر نفسه.

[20]. صحيفة القدس المقدسية 11/4/2002 “.

[21]. المصدر نفسه.

[22]. وكالة الأنباء الفرنسية 11/4/2002 .

[23]. المصدر نفسه.

[24]. المصدر نفسه.

[25]. واشنطن بوست 14/4/2002 .

[26]. المصدر نفسه.

[27]. المصدر نفسه.

[28]. المصدر نفسه.

[29]. الصحف العبرية هآرتس 13/4/2002 ” .

[30]. المصدر نفسه.

[31]. المصدر نفسه.

[32]. المصدر نفسه.

[33]. وكالة الأنباء 15/4/2002 .

[34]. المصدر نفسه.

[35]. المصدر نفسه.

[36]. المصدر نفسه.

[37]. المصدر نفسه.

[38]. المصدر نفسه.

[39]. المصدر نفسه.

[40]. المصدر نفسه.

[41]. يديعوت أحرونوت العبرية 7/4/2002.

[42]. صحيفة الرأي الأردنية 11/4/2002 ” .

[43]. قدس برس 13/4/2002 .

[44]. وكالة فرانس برس 14/4/2002 .

[45]. المصدر نفسه.

[46]. وكالات الأنباء والصحف العربية القدس والرأي 14/4/2002 .

[47]. المصدر نفسه.

[48]. المصدر نفسه.

[49]. وكالات الأنباء 15/4/2002 .

[50]. المصدر نفسه.

[51]. المصدر نفسه.

[52]. المصدر نفسه.

[53]. صحيفة هآرتس 10/4/2002 .

[54]. الوكالات الصحف العبرية 24/4/2002 .

[55]. إذاعة الجيش الإسرائيلي 14/4/2002 ” .

[56]. وكالة الصحافة الفرنسية 14/4/2002 .

[57]. المصدر نفسه.

[58]. المصدر نفسه.

[59]. صحيفة هآرتس 11/4/2002 .

[60]. صحيفة معاريف 11/4/2002 ” .

[61]. مع صحيفة سادبروكر تسايتونغ الألمانية (19/4/2002).

[62]. صحيفة يديعوت أحرونوت (21/4/2002).

[63]. الغارديان 9/4/2002 .

[64]. المصدر نفسه.

[65]. صحيفة القدس المقدسية 14/4/2002 .

[66]. المصدر نفسه.

[67]. الوكالات 16/4/2002 ” .

[68]. وكالات الأنباء 19/4/2002 .

[69]. المصدر نفسه.

[70]. المصدر نفسه.

[71]. المصدر نفسه.

[72]. وكالة الصحافة الفرنسية 19/4/2002 .

[73]. المصدر نفسه.

[74]. وكالات الأنباء وصحيفة القدس المقدسية 21/4/2002 ” .

[75]. تقرير صحيفة كول هعير العبرية 22/3/2002.

[76]. صحيفة هآرتس 8/4/2002

[77]. صحيفة القدس المقدسية 6/4/2002.

[78]. عسكرية إسرائيلية / إذاعة الجيش الإسرائيلي 5/4/2002.

[79]. هآرتس 11/4/2002 “.

[80]. صحيفة يديعوت أحرونوت 7/4/2002 .

[81]. يديعوت أحرونوت 7/4/2002.

[82]. صحيفة يديعوت أحرونوت 7/4/2002.

[83]. صحيفة معاريف 7/4/2002.

[84]. هآرتس 7/4/2002.

[85] . عن صحيفة هآرتس 7/4/2002 ” .

[86] . معاريف 9/4/2002 ” .

[87]. هآرتس 10/4/2002.

[88]. هآرتس 10/4/2002.

[89]. صحيفة معاريف 10/4/2002 ” .

[90]. المصدر نفسه.

[91]. وكالات الأنباء 12/4/2002.

[92]. المصدر نفسه.

[93]. المصدر نفسه.

[94]. المصدر نفسه.

[95]. وكالات الأنباء 12/4/2002 ” .

[96]. صحيفة يديعوت أحرونوت (11/4/2002).

[97]. هآرتس 1/5/2002.

[98]. المصدر نفسه.

[99]. المصدر نفسه.

[100]. وكالة فرانس برس 9/4/2002 .

[101]. صحيفة القدس 10/4/2002 .

[102]. المصدر نفسه.

[103]. المصدر نفسه.

[104]. صحيفة القدس ووكالات الأنباء 11/4/2002.

[105]. المصدر نفسه.

[106]. المصدر نفسه.

[107]. وكالة الأنباء الفرنسية 13/4/2002 ” .

[108]. المصدر نفسه.

[109]. المصدر نفسه.

[110]. المصدر نفسه.

[111]. المصدر نفسه.

[112]. المصدر نفسه.

[113]. المصدر نفسه.

[114]. المصدر نفسه.

[115]. المصدر نفسه.

[116]. التفاصيل عن تقرير لوكالة رويتر 20/4/2002 “.

[117]. المصدر نفسه.

[118]. المصدر نفسه.

[119]. صحيفة العرب اليوم الأردنية 24/4/2002 ” .

[120]. المصدر نفسه.

[121]. المصدر نفسه.

[122]. وكالة الأنباء الفرنسية 24/4/2002.

[123]. المصدر نفسه.

[124]. المصدر نفسه.

[125]. المصدر نفسه.

[126]. صحيفة القدس المقدسية في 27/4/2002 .

[127]. المصدر نفسه.

[128]. المصدر نفسه.

[129]. المصدر نفسه.

[130]. المصدر نفسه.

[131]. المصدر نفسه.

[132]. المصدر نفسه.

[133]. تقرير عن وكالات الأنباء يوم 1/5/2002.

[134]. المصدر نفسه.

[135]. المصدر نفسه.

[136]. المصدر نفسه.

[137]. المصدر نفسه.

[138]. المصدر نفسه.

[139]. المصدر نفسه.

[140]. المصدر نفسه.

[141]. المصدر نفسه.

[142]. المصدر نفسه.

[143]. المصدر نفسه.

[144]. صحيفة العرب اليوم الأردنية 1/5/2002.

[145]. المصدر نفسه.

[146]. المصدر نفسه.

[147]. المصدر نفسه.

[148]. المصدر نفسه.

[149]. المصدر نفسه.

[150]. المصدر نفسه.

[151]. المصدر نفسه.

[152]. المصدر نفسه.

[153]. المصدر نفسه.

[154]. المصدر نفسه.

[155]. المصدر نفسه.

[156]. المصدر نفسه.

[157]. تقرير صحيفة الحياة الجديدة 30/4/2002.

[158]. المصدر نفسه.

[159]. المصدر نفسه.

[160]. المصدر نفسه.

[161] . عن صحيفة معاريف والصحف الفلسطينية 9/4/2002.