Eilot

مذبحة عيلوط:

لم تكن مجزرة واحدة، بل كانت عدة مجازر نُفذت بحق أبناء قرية عيلوط الحزينة.

أحمد الباش/ دمشق، مجلة فلسطينية شهرية – العدد الحادي عشر – السنة الأولى – آب (أغسطس) 2008 – رجب 1429هـ

تقع قرية عيلوط على بعد خمسة كيلومترات شمال غرب الناصرة، وترتفع 300 متر فوق سطح البحر. يتوسط موقع القرية الطريق الواصل بين قريتي صفورية ومعلول، قضاء الناصرة.

مساحة أراضيها 13390 دونماً، منها 30 دونماً تشكل مساحة القرية، وبلغ عدد سكان عيلوط في العام 1945 نحو 1310 نسمة، كانوا يسكنون في 165 بيتاً. سقطت هذه القرية بيد العصابات الصهيونية في 16/7/1948.

في مطلع آب من العام 1948، كان أحد رجال قرية عِيلوط يرعى غنمه بين أحراج قريتي صفورية وعيلوط، ففوجئ بثلاث عشرة جثة هامدة أمامه، أصبحت هياكل عظمية، أكلتها الوحوش والطيور الجارحة؛ أخبر هذا الراعي أهالي قريته، فهبوا إلى المكان وتعرفوا إلى الجثث من ألبستها. كانت جثث أبنائهم الذين اختطفتهم العصابات الصهيونية قبل أيام”.

–          في10/7/1948 دخلت عصابات القتل الصهيوني القرية وقامت باختطاف 13 رجلاً من القرية، ظن السكان أنهم أُخذوا أسرى ولم يُعرف مصيرهم آنذاك.

–          وعند احتلال الناصرة، دخلت العصابات الصهيونية مرة ثانية قرية عيلوط وأصدرت الأوامر إلى السكان بالرحيل.

–          وفي صباح 21/7 دخل الجيش مرة أخرى وطلب من السكان التجمع في ساحة القرية عند البيادر، وعندما حاول اثنان من الشبان إحضار الماء ليشرب كهول القرية، أطلقت النار عليهما فأرديا قتيلين وهما الشهيدان صالح سعيد أبو راس وطه أبو عياش”.

في هذا الصدد يقول شهود عيان:

“إن أفراد العصابات الصهيونية قاموا بنزع ملابس الشهيدين أمام مرأى ذويهما، وبعد ذلك نقل الرجال في القرية إلى ساحة العين، وجمعوا هناك، وكان مع الضابط قائد الوحدة الصهيونية المكلفة باحتلال القرية، قائمة أسماء أخذ يقرأها بصوت مرتفع أمام أبناء القرية، وكان الموجود يزجون به في السيارة، أما الغائب منهم، فيأخذون بدلاً منه أحد أبناء القرية”

ثم أفرجت العصابات الصهيونية، عن الباقين من أبناء القرية، وطلبوا منهم الخروج من القرية، وقاموا بنسف ثلاثة بيوت تعود إلى المختار حسن محمد أبو راس وساري خليل أبو عياش وبيت (أبو العبد) أبو عياش.

بعد ابتعاد سيارة الأسرى مسافة 500م عن ساحة مسجد القرية، أنزل الصهاينة الأسرى وقاموا بقتلهم جميعاً بالرشاشات.

في 28/7/1948 دخل الجيش مرة أخرى وأسر ما يقارب 20 رجلاً، وبعد التعذيب والتحقيق أفرج عنهم جميعاً، ولكنه أعدم ثلاثة شبان هم: عوض علي أبو راس وسليم محمد أبو راس وعلي عودة عبود. وشهد على دفنهم الشيخ البرقيني في أراضي قرية صفورية المجاورة. وقد قامت النساء من القرية بالتعرف عليهم من ملابسهم التي احتفظ بها ذاك الشيخ.

2-14-1-  شهادات من قلب المجزرة

أبو العبد أبو عياش – محمد إبراهيم أبو راس – محمد حسن أبو راس – علي صبري أبو راس – أحمد عبد الحليم أبو عياش – خالد الصالح أبو الوليد شهود على المجازر هذه.

يقول أبو العبد أبو عياش: كان عمري آنذاك 20 سنة. وقبل أن يقوم الجيش بدخول القرية وتطويقها، أرسل ضابط بوليس المنطقة اليهودي واسمه «الشويلي»، رجلاً من «منتشي زبده» اسمه حسن محمد سليماني ليجتمع بالمختار حسن محمد أبو راس، وشيخ القرية الشيخ طه الخطيب، والعبد أبو عياش، وغيرهم من وجوه القرية. وأبلغهم الرسول هذا بأن الجيش سيقوم بتطويق القرية، وسيأخذ بعض الأسرى، وما على الشباب والرجال إلا الاختفاء أو الهرب، وقمت أنا بالاختفاء خلف الخوابي في بيتنا. وفعلاً جاءت العصابات الصهيونية ومعها الدبابات من الجهة الغربية وطوّقت القرية، وألقي القبض على بعض الرجال، وكان حسن محمد سليماني من بينهم، ووصل عددهم إلى 24 رجلاً، وكنت أعتقد أنني عندما اختبأت خلف الخوابي لم يرني أحد، لكن تبين لي أن أمينة الواكد زوجة أخي، كانت قد شاهدتني حين اختبأت، هي وفاطمة عيد.

وفي أثناء اختبائي، دخل أحد أفراد العصابات الصهيونية بيتنا حيث كنت أختبئ، ولكنه لم يرَني، وكان قد جهز مدفعه الرشاش للإطلاق على كل ما يتحرك في المكان. ومع سماعي صوت نسف البيت الأول وقفت على رجليّ، ولم أكن لأخرج حتى نسف بيتنا الذي أختبئ فيه. عندها، بدأت زوجة أخي أمينة بالصراخ، وهرعت مع نساء القرية وبعض رجالها إلى المكان معتقدين أني قد مت، وبمساعدتهم أخرجت من تحت الركام.

في أثناء ذلك، سمعنا إطلاق الرصاص بكثافة وحضر المرحوم سليم محمد أبو راس ليقول لنا: “لقد أطلقوا النار على الأسرى وقتلوهم جميعاً”.  بعد انسحاب الجيش ذهبنا إلى حيث كانت جثث الشهداء.

وما كان من حسن أبو راس إلا أن قال: (باطل. باطل)، فسمع خضر وعلي أبو راس تلك الكلمات فاطمأنا إلى أن الجيش قد انسحب، فقاما من بين الشهداء وكانا مصابين وتظاهرا بالموت حين إطلاق النار. وقد قالا لنا إنه بعد ابتعاد سيارة الأسرى عن ساحة الجامع بحوالى نصف كيلو متر، أنزلهم الجنود من السيارات وأمروهم بالجلوس على الأرض وأصدر الضابط أوامره، فحصدوهم بالرشاشات واستشهد الجميع بمن فيهم الرسول الذي أرسل إلى القرية.

من الشهداء الذين قتلوا كما يتذكر محمد إبراهيم أبو راس: 11 شهيداً وُجدوا في الأحراج وقد اشتمّ أحد الرعاة رائحة جثثهم مع أهل القرية بعد أيام من خطفهم. أما في العين الشمالية وعلى البيادر، فقد قتل العديد من أبناء القرية في مجزرة شنيعة تمّ التمثيل فيها بجثث الشهداء.  وفي الناصرة قتل علي عبود وهو من عيلوط وقتل أيضاً مفلح عودة الله في الصرفند.

من الشهداء الذين سقطوا في هذه المجازر، كما يتذكر ابن مختار القرية محمد حسن أبو راس، اثنان من شباب القرية قام الصهاينة بتشويه جثتيهما بالبلطات وبتكسير أياديهم وأرجلهم ثم قاموا بتصفيتهما.

هذه هي نكبة قرية عيلوط الباسلة، وهذه هي المجازر التي ارتُكبت بحق أبنائها العزل، فسقط 48 شهيداً خلال أقل من شهرين. وفقدت معهم معظم أراضي القرية.

2-14-2-  لن ننسى ولن نصفح… لن نغفر ولن نسامح

ولكن رغم كل ما لاقوه من ظلم وقهر وقتل واضطهاد، ظلوا قريبين من قريتهم، ما مكّن نصفهم من العودة إليها بعد عام من النكبة. وإصراراً منهم على العودة، فقد عاد بعد ثلاث سنوات الجزء الآخر من أبناء القرية، ليبنوا بعد ذلك قريتهم من جديد، وليتجذروا فيها أكثر فأكثر.

يذكر أن القليل القليل من أبناء القرية كانوا قد هاجروا في بداية المعركة إلى لبنان والأردن. وهم الآن ينتظرون حلم العودة الذي يجمعهم بذويهم وأقربائهم وأبناء قريتهم، ليلتئم بذلك شمل أبناء القرى والمدن الفلسطينية، وتعود فلسطين محررة من دنس الغزاة الصهاينة.

وقد شارك المئات من أبناء قرية عيلوط، في الأمسية الخاصة التي أقامتها جبهة عيلوط لإحياء الذكرى الستين للمجزرة الرهيبة التي نفذتهاالعصابات الصهيونية في القرية وراح ضحيتها 40 شهيدا في جولتين.

وقد عقدت الأمسية تحت شعار “لن ننسى ولن نصفح… لن نغفر ولن نسامح”، وافتتحت بالوقوف دقيقة صمت إجلالا لذكرى الشهداء، وشهداء الشعب الفلسطيني، ثم قرأ الشيخ حلمي حمد آيات من القرآن الكريم، وافتتح الأمسية الأستاذ خالد أبو راس، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على الذاكرة، ورفع مستوى الوعي الوطني لدى الأجيال الناشئة، وقال إن هذه الذكرى تدعونا إلى التسامي فوق العائلية البغيضة،  فرصاص القائد العسكري نسيم أردى رجالاً من جميع عائلات عيلوط ودون استثناء،  وإلى تحسين واقع القرية الثقافي على مستوى فهم الذات والهوية الجماعية.

ثم ألقى الحاج خالد صالح طه، أبو الوليد، الذي عايش المجزرة، كلمة، استعرض فيها أحداث تلك المجزرة، التي أعقبت تهجير صفورية في منتصف شهر تموز (يوليو) من العام 1948، على يد فرقة من وحدة “غولاني” في الجيش الإسرائيلي.

وقال أبو الوليد، إن المجزرة جرت على دفعتين، الأولى كانت حين تم جمع 13 شابا من أبناء القرية ثم أخذهم إلى الكروم المجاورة في منطقة جبل العين، وهناك أطلق العسكر عليهم النار وسقطوا شهداء، وبعد ذلك، أوقف الجنود إحدى نساء القرية، وهي على جوادها في الطريق إلى الناصرة فأطلقوا عليها النار لتسقط هي الأخرى شهيدة.

بعد ذلك بعدة أيام، تم تجميع أهل البلد لتقع المجزرة الكبيرة في الزيتون، إذ تم أخذ 26 شابا إلى الكروم، وهناك سقطوا شهداء برصاص الجنود. وختم كلمته مُشيداً ببقاء وصمود أهالي عيلوط الأسطوري بعد الخسارة الفادحة التي لحقت بهم.

وكانت الكلمة للنائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ابن قرية صفورية المجاورة، قائلا: إن المجزرة في قرية عيلوط لم تقع صدفة، بل جاءت ضمن مخطط مسبق في هذه المنطقة كجزء من المخطط العام الذي شمل كافة أنحاء فلسطين، بهدف طرد شعبنا الفلسطيني من وطنه، بموجب المقولة الصهيونية، أكثر ما يمكن من أرض وأقل ما يمكن من ناس (فلسطينيين).

وتابع بركة، إن كون مجزرة عيلوط قد وقعت بعد أيام من اقتلاع قرية صفورية المجاورة، إنما يؤكد على أن الهدف هو إخلاء كل المنطقة من أهلها، ولكن إذا نجحوا في اقتلاع صفورية، فإنهم فشلوا في عيلوط، وهذا ما جرى في العديد من قرانا وبلداتنا، وإحياء الذكرى اليوم هو عنصر هام في حفظ التاريخ والرواية ونقلها للأجيال القادمة.

وأشار بركة إلى أن سياسة الاقتلاع لم تتوقف للحظة منذ ستين عاما، فبعد العام 1948، قلقت السلطات من بقاء 150 ألف فلسطيني من أبناء الوطن في وطنهم، وعملت كل شيء من أجل أن تستأنف عمليات الطرد والتهجير، ومجزرة كفر قاسم التي وقعت بالتزامن مع العدوان الثلاثي على مصر، كانت تهدف إلى ترهيب أهل القرية والمنطقة كلها ودفع الأهالي إلى الهرب نحو الضفة الغربية، إلا أن المخطط فشل رغم أن المجزرة حصدت أرواح 49 شهيدا وشهيدة.

ثم ألقى المؤرّخ الدكتور مصطفى كبها، المحاضر في التاريخ والإعلام في الجامعة المفتوحة، محاضرة قيّمة عن معنى النكبة الفلسطينية من ناحية تدمير 450 قرية و6 حواضر، وإيقاف التمدّن فيها، والمجازر والتهجير، وتطرّق إلى مجزرة عيلوط ودعا إلى حفظ الذاكرة من الضياع وتوثيق التاريخ المحلي من خلال حفظ الشهادات الحية وتدوينها عبر جميع الوسائل الممكنة وعبر نشر الكتب وعقد الندوات وإقامة المؤسسات التي تهتم بهذه المجالات.