Dawayma

مجزرة الدوايمة – تحطيم جماجم الأطفال …

إن المؤامرة التي حدثت قبيل إقامة الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني لتفريغ فلسطين من أهلها، وعمليات الترحيل القسري (الترانسفير) المخطط لها منذ سنين، وتواطؤ الدول العظمى، وعدم تنبه الأنظمة العربية للمشروع الصهيوني، أدى إلى تهيئة المناخ لتطبيق هذا الفكر الإرهابي على شعب أعزل؛ فقام أقطاب الإرهاب الصهيوني أمثال ( بن غوريون، وموشيه ديان وإسحق شامير ومناحيم بيغن)  بجرائم منظمة في العام 1948، أدت إلى تدمير أكثر من (500) قرية بالكامل وتشريد أهلها وارتكاب أبشع المجازر في نحو (35) قرية.

ومن هذه القرى التي ارتكبت فيها المجازر (قرية الدوايمة)، قضاء الخليل، التي هاجمتها (كتيبة الكوماندوس 89) التابعة للواء الثامن الصهيوني بقيادة موشيه ديان، والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي (شتيرن والأرغون)؛ لقد حاولت دولة العصابات، جادّةً، طمس معالمها وتفاصيلها، فصدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي، ومنع التحقيق في المجزرة.

–          الموقع :

تقع الدوايمة على بعد 24 كم إلى الغرب من مدينة الخليل، على تلة منخفضة في الجانب الغربي لجبال الخليل، وتنبع أهمية الدوايمة من موقعها المتوسط بين المدن والمناطق البدوية وبين الساحل والجبل، وكان عدد سكانها عشية احتلال القرية ثمانية آلاف نسمة وتبلغ مساحتها ( 60585) دونماً.

–          التسمية :

ويتناقل الأهالي أكثر من رواية حول تسمية الدوايمة بهذا الاسم، على أن الكثرة منهم ترى أن الدوايمة، اسم أطلقه الشيخ علي، وهو رجل صالح من أبناء القرية وله مقام ما زال موجودا حتى اليوم، تيمنا بوالده عبد الدايم، الذي أعدمه العثمانيون ظلماً في القدس.  وما زال مقامه موجوداً في باب الخليل في القدس، و يتردد عليه الكثير من أبناء القرية.

2-11-1-  ثورة 1936

عمل الانتداب على تسهيل استيلاء الحركة الصهيونية على أراضي الفلاحين، وهذا ما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، ما فجّر  لهيب ثورة  العام 1936.

وقد شاركت القرية في فعاليات الثورة من خلال الالتزام العام بالإضراب، والمقاومة المسلحة التي شارك فيها عدد من أبناء القرية.

ومن هذه الفعاليات في منطقة الخليل:

1- اختطاف الثورة لمسؤول بريطاني كان يعمل في أحد المصارف، يدعى مستر لوبي.

2- معركة كسلا، واستشهد فيها رشيد أبو هنية.

3- معركة جورة بحلص.

4- معركة بيت أُمَّر 1943 واستشهد فيها إبراهيم العوامة.

–          جرأة :

يروي أحد أبناء القرية أن المندوب السامي دعا وجهاء القرى في منطقة الخليل للاجتماع به في بيته، وعندما تفقد الحاضرين لم يشاهد موسى هديب، وهو أحد وجهاء القرية، فسأل عنه وانتظر حتى حضر، ولما حضر جلس على مقعد المندوب السامي. دُهِشَ المندوب من تصرفه، وطلب من المترجم أن يسأله له “ألا يوجد سوى هذا المقعد لتجلس عليه؟ فرد عليه قائلا: “أنت لم تقبل أن أجلس على كرسيك ساعة، فكيف تريد لإسرائيل أن تأخذ بيتي ؟!”.

2-11-2-  احتلال القرية

كما هي العادة، صلى أهل القرية يوم الجمعة في 29/10/1948 في مسجد القرية، وما أن قاربت الصلاة على الانتهاء حتى سمع السكان أصوات الرصاص تنطلق من ثلاث جهات: الشمال والجنوب والغرب، وتركت الجهة الشرقية على ما يبدو لهروب أهل القرية.

وصف أحد أبناء القرية الهجوم فقال إنه شاهد الدبابات الإسرائيلية قادمة من الجهة الغربية، لتتجه شمالاً وشرقاً إلى قرية القبيبة، ومن جهة قرية بيت جبرين، وتجمعت هذه المركبات في قرية القبيبة، وقبل الظهر، أخذت هذه المركبات تنحدر شرقاً باتجاه قرية الدوايمة، غير آبهة بالمقاومة الضعيفة من أبناء القرية”.

2-11-3-  المذبحة

لم تكن مذبحة الدوايمة منعزلة عن مخطط القتل والترحيل الذي نُفذ ضد أبناء الشعب الفلسطيني.  كان الهدف من المذبحة قتل من يمكن قتله وتخويف من نجا ليهرب حتى تخلو القرية من أهلها.

إن ما حدث في الدوايمة يتناقض مع كل القيم والأعراف والمواثيق الإنسانية والحقوقية، فما هي الجريمة التي اقترفها أطفال القرى حتى تُحَطَّم جماجمهم بالعصي والهراوات؟ وأين إنسانية الضابط العسكري الذي أمر بتدمير المنازل على كبار السن بعد أن منع عنهم الماء والطعام؟

2-11-4-  مراحل المجزرة

نشرت صحيفة حدشوت العبرية تقريراً موسعاً حول المجزرة، أشارت  فيه إلى ثلاث مراحل للمجزرة كما يلي:

–          المرحلة الأولى: قتل ما بين 80 و 100 شخص، بينهم النساء والأطفال في الهجوم الأول على القرية، وقد قُتِل معظمهم في البيوت والشوارع.

–          المرحلة الثانية: إن لأماكن العبادة قدسية واحتراماً خاصا عند كل الشعوب، ولا يجوز انتهاك حرمتها وقدسيتها وخصوصاً إذا ما لجأ الإنسان إلى هذه الأماكن طلبا للحماية؛ ولكن ما حدث في الدوايمة كان أبشع من اقتحام المسجد وتدنيسه، إذ ارتكبت فيه فظاعات ومذابح بحق من لاذ به طلباً للحماية والأمان.. قام المهاجمون بذبح الشيوخ الذين كانوا يقرؤون القرآن الكريم.

يقول أبناء القرية عن مذبحة المسجد: “في الساعة العاشرة والنصف تقريبا مرت مجنزرتان قرب مسجد الزاوية وكان في داخله ما بين 100 و 150 من الأهالي، معظمهم من كبار السن الذين ذهبوا باكراً لأداء صلاة الجمعة، وبينما هم يستعدون للصلاة سمعوا إطلاق نار، فبدأ قسم من المصلين  بالخروج من المسجد بسرعة، بينما لجأ إليه القسم المتبقي من المصلين على أساس أنه بيت الله، ولكن الجنود دخلوا المسجد وقاموا بإطلاق النار على كل من كان فيه”.

ذكرت الصحافية يوئيلا هارشفي في صحيفة حدشوت، قائلةً: “إن عدد الضحايا بلغ 332؛ وأما المؤرخ بني موريس، فقد ذكر أن ضحايا مذبحة الدوايمة بالعشرات أو ربما بالمئات من أبناء القرية؛ وقال إن العدد تراوح وفقاً لجيش الدفاع الإسرائيلي وهيئة الأمم والعرب بين  70 و 100 قتيل”.

ومن المؤكد أن عدد الضحايا قد فاق عدد ضحايا أي مجزرة ارتكبها الإسرائيليون خلال حرب 1948، ولا نبالغ إذا قلنا إن مجزرة الدوايمة أشد هولاً من مذابح دير ياسين وأبو شوشة، لا لعدد الضحايا فحسب، بل لأنها نُفذت بدم بارد.

–          المرحلة الثالثة: وقد بدأت مذبحة عراق الزاغ عندما اكتشف المهاجمون كهفاً ضم حوالى 35 عائلة مذعورة.

تقول سيدة نجت من المذبحة: ” إنه منذ سماع صوت إطلاق الرصاص يقترب من الطور التصق الناس بجدرانه وأرضه وأيقنوا أن ساعة الموت قادمة لا محالة، فخيم سكون رهيب على الطور وراحت كل امرأة تضم أولادها إلى صدرها، تقبلهم بحنان عميق”.

وتضيف السيدة الفلسطينية: “وما أن وصل الطور، حتى طالب أحد الجنود، وهو يصوّب سلاحه نحو تلك العائلات، بالخروج، فانفجر الأطفال بالبكاء، وأمسكوا بجلابيب أمهاتهم وقام أحد الرجال بخلع كوفيته البيضاء ورفعها بيده، ثم أخرج من في الطور واحداً تلو الآخر رجالاً ونساء وأطفالاً في منظر يفتت الأكباد. في تلك الأثناء هرب رجل، فأطلق الجنود النار عليه ولكنه نجا، وربما كان ذلك سبباً في تعجيل المذبحة؛ إذ انحدروا بهم مسرعين إلى بئر على بعد خطوات أسفل الطور، حتى إذا جاؤوها أمروهم بالوقوف في صفين طويلين أحدهما للرجال والآخر للنساء، ثم أحاط بهم الجنود إحاطة السوار بالمعصم وتقدم اثنان أو ثلاثة منهم من صف النساء وأخرجوا ثلاث بنات من الصف، فأخذن يستعطفن الجنود وأمهاتهن يصرخن ويلطمن الخدود “دخيلكم اتركوا البنات، لماذا تريدون قتلنا؟” لكنهم رفضوا توسلاتهن، وحدث عراك بين النسوة والجنود، ففتحوا عليهن النار وقتلوا الأمهات ثم جروا البنات بعيداً عن الصف وصراخهن يشق عنان السماء.

وما هي إلا لحظات حتى صاح أحد الجنود: “احصدوهم”.. فانهمر الرصاص عليهم كالمطر من كل ناحية، وسقطوا جميعاً على الأرض مضرجين بدمائهم، وسقطت هي الأخرى معهم وتظاهرت بالموت.

وفي أثناء ذلك، كانت لا تسمع إلا الأنين وصرخات الصدور وتمتمات غريبة يتبعها إطلاق نار آخر، فيسكت كل شيء. حاولت أن ترفع رأسها، فسقطت رصاصة بالقرب منها اخترقت جسد شخص آخر، ثم استقرت في رأس ابنتها الرضيعة فماتت في الحال، عند ذلك أيقنت أن الجنود يطلقون النار على كل شئ يتحرك أو يتأوه. وابتعد الجنود خطوات ثم ركبوا سيارتهم باتجاه القرية.

وما كادت تقوم حتى سقطت على الأرض ثانية من شدة الخوف، فالقوم جميعهم صرعى من حولها، من مات وهو منطرح على بطنه أو مستلق على ظهره وآخر في وضع السجود، وبحثت عن أخيها بين الجثث، فوجدته فاقد الوعي، أصيب في سبعة أماكن من جسمه ولكنه لم يمت”.

وكان المؤرخ الإسرائيلي بني موريس قد عرض في بحث أجراه حول مجازر ارتكبتها قوات إسرائيلية في قرى فلسطينية خلال حرب العام 1948، رسالة شخصية بعثها عضو في حزب “مبام” إلى كفلان اليعازر فراي محرر صحيفة “عل همشمار”.

ويستعرض الكاتب شهادة جندي إسرائيلي، كان شاهد عيان على المجزرة التي وقعت في قرية الدوايمة، ويطالب فيها بتجنب استخدام ما أسماه “الدبلوماسية المسلحة” التي ترتكز على “الدم والقتل”؛ ودعا كفلان لتدخل الصحافة والحزب من أجل كشف النقاب عن المجزرة، ولم تنشر هذه الرسالة من قبل.  وتُعرض هنا مختصرة كما نشرت  في الصحف الإسرائيلية:

اليعازر فراي تحية!

“قرأت اليوم افتتاحية صحيفة “عل همشمار” التي بحثت مسألة تصرف جيشنا الذي يحتل كل شيء لكنه لا يضبط مشاعره.  أعرض عليك هنا شهادة شاهد عيان أبلغني بها جندي كان في الدوايمة فور احتلالها؛ الجندي رجل منا مثقف صادق مائة بالمائة، وأطلعني على مكنونات قلبه جراء حاجته النفسية لتفريغ الرعب النفسي من الجريمة التي تشير إلى مدى البربرية التي يمكن أن يصل إليها رجالنا المثقفين والمتعلمين، أطلعني على مكنونات قلبه لأن النفوس القادرة على الاستماع اليوم ليست كثيرة”

ويضيف: “وصل إلى الدوايمة فور احتلالها، وكان الجيش المحتل هو سرية 89 ولم يكن هناك مصريون في القرية بل قوات يطلقون عليها اسم “غير نظامية ” أو ربما “قوات غير رسمية” ويُسَجَّلون تحت هذا المفهوم اليوم عرباً مدنيين، شيوخاً ونساء؛ المهم أنه لم تحدث معركة ولم  تحدث مقاومة، قتل المحتلون الأوائل 80-100 عربي – نساء وأطفال – قتلوا الأطفال من خلال تحطيم جماجمهم بهراوات، ولم يوجد بيت لم يقتل أحد منه”.

2-11-5-  تفجير المنازل

أما الموجة الثانية من الجيش، فكانت السرية التي يخدم فيها الجندي الذي يدلي بشهادته. ظل في القرية عرب وعربيات أدخلوهم إلى البيوت وأغلقوا الأبواب عليهم ولم يسمحوا لهم بتناول طعام أو شراب، وجاء بعد ذلك خبراء متفجرات لتفجير المنازل. وجه أحد القادة تعليمات لخبير متفجرات بإدخال مسنتين عربيتين إلى منزل معين سيتم تفجيره عليهما.

رفض خبير المتفجرات وقال بأنه يتلقى التعليمات من قائده، ووجه القائد تعليمات للجنود بإدخال المسنتين إلى البيت ونفذت الجريمة وتباهى جندي باغتصاب عربية وإطلاق النار عليها بعد ذلك، وأجبروا عربية تحمل طفلاً ولد في اليوم ذاته على تنظيف الساحة التي يتناول الجنود الطعام فيها، كما أجبرت يومياً على العمل في الحقول، وفي نهاية المطاف أطلقوا النار عليها وعلى  طفلها”.

2-11-6-  طرد وإبادة

ويقول الجندي إن قادة مهذبين متحضرين، يعتبرون من أفضل ما أنتجه مجتمعنا، تحولوا إلى قتلة سفلة؛ ولم يحدث ذلك جراء عاصفة مشاعر لم يكن بالإمكان كبحها، بل من خلال أسلوب طرد وإبادة، إذ يمتدحون قلة العرب المثقفين، وهذا المبدأ هو الحافز السياسي في عمليات الطرد وأعمال الإجرام التي لا تواجه معارضة في القيادة العملية أو القيادة العليا؛ أنا نفسي مكثت لمدة أسبوعين في الجهة وسمعت روايات تباهى فيها جنود وقادة بكيفية تفوقهم في الصيد و”القضاء على عربي؛ هكذا وفي جميع الاحتفالات كانت هذه مهمة مشرّفة وتوجد منافسة في هذا المجال”  .

وتفيد الشهادات بأن هذه المجزرة قد تكون من  أسوأ ما حدث في تاريخ الأعمال الوحشية التي ارتكبت خلال النكبة، أما الوحدة التي احتلتها، فكانت الكتيبة 89 التابعة للواء الثامن الإسرائيلي، فعقدت لجنة التوثيق الخاصة بفلسطين التابعة للأمم المتحدة والتي حلّت محل الكونت برنادوت في جهود الوساطة، جلسة خاصة لتقصّي ما حدث في هذه القرية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1948، الواقعة على بعد أقل من ثلاثة أميال من مدينة الخليل، والتي كان عدد سكانها في الأصل 2,000 نسمة، لكن 4,000 لاجئ أتوا إليها، فرفعوا عدد القاطنين إلى ثلاثة أضعاف. وورد في تقرير الأمم المتحدة المؤرخ في 14 حزيران/يونيو 1949 التالي: “السبب في ضآلة ما هو معروف عن هذه المجزرة، التي تفوق – من نواح كثيرة – في وحشيتها مجزرة دير ياسين، يرجع إلى أن الفيلق العربي (الجيش الذي كانت المنطقة تحت سيطرته) خشي، فيما لو سُمح لأخبارها بالانتشار، أن تحدث التأثير نفسه الذي أحدثته مجزرة دير ياسين في معنويات الفلاحين، وأن تتسبب بموجة لجوء أُخرى”.

ويستند تقرير لجنة التوثيق أساساً إلى شهادة المختار حسن محمود هديب، وتعزز التقارير المحفوظة في الأرشيف العسكري الإسرائيلي كثيراً مما رواه.  كما أكد الكاتب الإسرائيلي المعروف جيداً، عاموس كينان، الذي شارك في المجزرة، حقيقة وقوعها، وذلك في مقابلة أجراها معه في أواخر التسعينيات الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري، من أجل فيلمه الوثائقي 1948″، وروى المختار أنه “بعد صلاة الجمعة في 28 تشرين الأول/أكتوبر بنصف ساعة، دخلت عشرون عربة مصفحة القرية من جهة القبيبة، في حين هاجمها في الوقت نفسه جنود من الجهة المقابلة، وشل الخوف على الفور الأشخاص العشرين الذين كانوا يحرسون القرية.  وفتح الجنود الموجودون في العربات المصفحة النار من أسلحة أوتوماتيكية ومدافع هاون، بينما كانوا يشقون طريقهم إلى داخل القرية بحركة شبه دائرية. وعلى عادتهم، طوقوا القرية من ثلاث جهات، وتركوا الجهة الشرقية مفتوحة كي يطردوا من خلالها السكان البالغ عددهم 6,000 نسمة خلال ساعة واحدة. وعندما لم يتحقق ذلك، قفز الجنود من عرباتهم وراحوا يطلقون النار على الناس من دون تمييز، ولجأ كثير ممن فروا إلى الجامع للاحتماء به، أو إلى كهف مقدس قريب يدعى عراق الزاغ.  وعندما تجرأ المختار وعاد إلى القرية في اليوم التالي، هاله مرأى أكوام الأجساد الميتة في الجامع، والجثث الكثيرة المتناثرة في الشارع، وهي لرجال ونساء وأطفال، وبينهم والده، وعندما ذهب إلى الكهف وجده مسدوداً بعشرات الجثث، وأظهر التعداد الذي قام به المختار أن 455 شخصاً كانوا مفقودين، بينهم نحو 170 طفلاً وامرأة”.

ووصف الجنود اليهود الذين شاركوا في المجزرة مشاهد تقشعر لها الأبدان: “أطفال رضع حُطمت جماجمهم، ونساء اغتُصبن أو أُحرقن أحياء داخل بيوتهن، ورجال طُعنوا حتى الموت”.

2-11-7-  شهادات دولية وإسرائيلية عن المجزرة

–          بعد عدة أيام من وقوع المجزرة، وصل فريق من مراقبي “الأمم المتحدة” إلى القرية برئاسة ضابط الصف البلجيكي “فان فاسن هوفي” بصحبة مجموعة من العسكريين الإسرائيليين. وعندما طلب أحد المراقبين الدخول إلى المسجد المغلق، تم منعه بحجة أن للمسجد قدسية عند المسلمين ولا يجوز دخوله لغير المسلم.. ولكن المراقب شاهد دخانا يتصاعد من المسجد، فاقترب من النافذة وشم رائحة جثث بشرية تحترق؛ وعندما سأل الضابط اليهودي المرافق عن الدخان والرائحة الكريهة، تم منعه من إكمال التحقيق؛ وعندما سأله عن منزل كان يعد للنسف وعن سبب ذلك.. قال له: “المنزل يضمّ حشرات طفيلية سامة ولذا سنقوم بنسفه”  (!!).. وقد قام المراقبون الدوليون بإرسال تقرير سري إلى رؤسائهم ذكروا فيه: “ليس لدينا شك في أن هناك مجزرة وأن الرائحة المنبثقة من المسجد كانت رائحة جثث بشرية”.

–          كتب المؤرخ الإسرائيلي “بني موريس” في كتابه “تصحيح غلطة” والذي نشر على حلقات في جريدة “الدستور” الأردنية بدءاً من 15 آذار/ مارس 2001: “لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية وثمة فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب الـ”مابام” عن فظائع ارتكبت في قرية “الدوايمة”؛ وقد قام الجنود بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة”.

–          وفي شهادته حول المجزرة قال “إسرائيل جاليلي” قائد فرع العمليات في الجيش الإسرائيلي في حرب العام 1948 وأحد قادة حزب الـ”مابام” الإسرائيلي إنه شاهد: “مناظر مروعة من قتل الأسرى واغتصاب النساء وغير ذلك من أفعال مشينة”.

–          وعن الجرائم الصهيونية في فلسطين بوجه عام نقتبس شهادات بعض المؤرخين والحاخامات ومن بينها ما قاله “أهارون كوهين” وهو يمثّل أحد تيارات المؤرخين الجدد في إسرائيل: “تم ذبح سكان قرى بأكملها وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها”.

–          أما الحاخام الصهيوني “يوئيل بن نون” فيقول في هذا الصدد: “إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا”.

2-11-8-  ضحايا مجزرة “الدوايمة”:  تقديرات عامة

يتباين عدد شهداء مذبحة الدوايمة وفق تقديرات العرب و”الأمم المتحدة” وجيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه ما بين 700 و 1000 مواطن عربي، عدا الذين كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم وطعامهم بعد أيام من حصول المجزرة. وعلى أي حال، فإن الحصيلة النهائية- وهي حصيلة تقريبية- يمكن توضيحها كالتالي:

الشهداء : “580 شهيدا منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في مسجد الزاوية”, في أول يومين من المجزرة 29، 30 أكتوبر 1948 .

“110” شهداء كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ متاعهم وطعامهم في 29/10/ 1948.

الجرحى: 8 جرحى: كان عدد الجرحى قليلاً لأن الجنود اليهود حاولوا ألا يتركوا أحياء.

الأسرى: 9 أسرى قتل (3) منهم في السجون الصهيونية.