Month: June 2016

 

Kibya

مجزرة قبية:

في السابعة والنصف من مساء 14/10/1953، تحركت قوة يهودية قوامها 600 جندي نحو قرية قبية (غرب رام الله) وطوقتها وعزلتها عن سائر القرى العربية، حيث بدأ الهجوم بقصف مدفعي مركز وكثيف على مساكن القرية دون تمييز حتى وصول القوة الرئيسة إلى تخوم القرية، في حين توجهت قوات أخرى إلى القرى المجاورة مثل شقبا وبدرس ونعلين، لمشاغلتها ومنع تحرك أي نجدة نحو قبية، كما زرعت الألغام على مختلف الطرق، فعزلت القرية تماماً.

وقد دخلتها القوات اليهودية وهي تطلق النيران في مختلف الاتجاهات. وفيما كانت هذه القوات تقتل السكان، كانت وحدات المهندسين العسكريين الإسرائيلية تضع شحنات متفجرة حول بعض منازل القرية وتفجرها على من فيها، فيما تولى المشاة قتل كل من يحاول الفرار من السكان.

استمرت العملية الوحشية حتى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، فانسحبت القوات المعتدية إلى نقاط انطلاقها ونجم عنها تدمير 56 منزلاً ومسجد القرية وخزان المياه الذي يغذيها بالماء؛ فيما استشهد 67 من سكانها رجالاً وأطفالاً ونساءً، وسقط عدد كبير من الجرحى وأبيدت أسرة كاملة.

3-7-1-  شارون – سفاح قبية

روى محمد المسلوت قصة المجزرة التي ارتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون بحق قريته قبية وعائلته عندما كان مسؤولاً عن الكتيبة 101 التي قامت بنسف بيوت في القرية على رؤوس نحو 78 فلسطينياً، معظمهم من النساء والأطفال.

وتحدث محمد عبد الله صالح المسلوت، من قرية قبية الحدودية مع الخط الأخضر، الذي شرع هو و46 عائلة فلسطينية بدعوى قضائية ضد شارون لتقديمه إلى المحاكمة في بلجيكا بتهمة ارتكاب مجزرة في هذه القرية.

وقال المسلوت الذي غطى الشيب رأسه، وعلامات الأسى تبدو على ملامح وجهه القمحي: “هل أنسى.. وكيف أنسى بعد 48 سنة ويومين زوجتي الحامل في شهرها التاسع وطفلي شعبان (5 سنوات) وميسر (7سنوات) الذين سيبقون معي طالما أنا موجود على   قيد الحياة؟ “.

وأضاف: “كان موسم الزيتون في قريتنا، بيننا وبين الحدود الإسرائيلية شريط شائك، عندما دخل الجنود الإسرائيليون من الجهة الغربية للقرية مع بغال تحمل على ظهرها الألغام والذخيرة، وقد حدوها بالكاوتشوك حتى لا تسمع حركتها وجلبتها”.

وتابع: “كانت الساعة السابعة مساء، شاهدهم أحد حراس الزيتون، فقاموا بقتله وأوثقوا رباط الحارس الثاني الذي أفلح بالهرب، لكنهم تابعوه بزخات من الرصاص، فأصابوه في ساقه وزحف باتجاه القرية لإعلامها بالاقتحام الإسرائيلي، فصدقه بعضهم ولم يصدقه بعضهم؛ وفرّ من وثق بكلامه إلى الجبال”.

وأكد المسلوت: “لقد هربت من البيت معتقداً بأن الجيش الإسرائيلي لن يقترب من النساء. صباحاً، كانت معظم بيوت القرية منسوفة فوق رأس من بقي فيها، وبأعجوبة كبيرة نجا القليل منهم”.

واقتحمت الكتيبة 101 التي كان يترأسها حينذاك أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، القرية الحدودية في 14 تشرين الأول 1953 في “عملية انتقامية لتلقين قرية قبية درساً” بحجة أن الفدائيين الفلسطينيين قد تسللوا منها وقتلوا أحد حراس القرى الزراعية الإسرائيلية حديثة الإنشاء في ذلك الوقت.

وأنكر شارون طوال الوقت أنه كان على علم بوجود أناس داخل البيوت التي نسفت في قرية قبية، التي وصل عدد القتلى فيها إلى 69 شخصاً حسب المصادر الفلسطينية، وأكد في سيرته الذاتية ومقابلاته “أنه نسف البيوت معتقداً أنها خالية من السكان”.

وقال المسلوت: “قدم كل سكان القرى المجاورة لقريتنا لنجدتنا في اليوم التالي للمذبحة، لقد أخرجوا من استطاعوا إخراجهم من تحت الأنقاض، ودفنوا الآخرين في بئر البيت المنسوف، على غرار ما حصل لعائلة أبو قادوس التي تعدّ 13 شخصاً، لم يبق منهم أحد على قيد الحياة”.

وعلى مدخل قرية قبية من الجهة اليمنى أرض فسيحة تحيط بها شجيرات الصبار وتملأها الأعشاب البرية ويتجنب الأطفال اللعب فيها أو الاقتراب منها، وهم يشيرون بأصابعهم ويرددون كلمات حفظوها عن ظهر قلب “مقبرة أبو قادوس الجماعية، قتلهم شارون”.

وقالت فطيم المحمود زوجة المسلوت الثانية: ” يجلس زوجي في بعض الأحيان ويجهش بالبكاء، ولا يحب أن يتحدث عن عائلته التي قضت في المجزرة، ولكنه كلما تذكر ما حدث له تنهمر دموعه بلا توقف بالرغم من أنه يكابر، ولكنه كلما تذكر عائلته يبكي كطفل بحرقة ولوعة”.

ويشعر معظم الرجال في قرية قبية بالذنب لأنهم تركوا نساءهم عرضة للموت دون الذود عنهم؛ وقال المسلوت: “كان يجب علينا أن لا نترك نساءنا وأطفالنا في البيوت وحدهم؛ إننا نشعر جميعاً بالذنب ولكن لم يكن لدينا سلاح لندافع به عن أنفسنا”.

وأكد المسلوت: “لم أنم لمدة 21 يوماً.  لقد همت في الجبال لسنوات قبل أن أعود إلى القرية”.

وأشار إلى أنه غير متأكد من أن مقاضاة شارون ستقدم له أي شيء، فالعالم ما زال يتغاضى عن جرائمه الحالية، فكيف سيعاقبونه عما اقترفت يداه في الماضي؟! لكنه عاد واستدرك: “ربما يحدث شيء، فالله أقوى من شارون”.

وقرية قبية يسكنها نحو 4500 فلسطيني، يعتمد معظمهم على العمل في فلسطين 48، وصودرت معظم أراضيها؛ وقال حسن أحمد راغب رئيس مجلس القرية، إن أراضي القرية كانت تمتد على مساحة 200 كلم مربع، اقتطع جزء منها لإقامة مطار اللد عليه وجزء آخر لإقامة معسكرات وملحقات ومستوطنات.

واعتبر رئيس المجلس: “أن المجازر الإرهابية كانت نهجاً إسرائيلياً لتشريد الناس من أرضهم ومن المنطقة بأكملها، لقد رحل نصف سكان قريتنا إلى مدينة الزرقاء في الأردن بعد المجزرة “.

وتصنف قرية قبية حسب اتفاقيات أوسلو الموقَّعة في 13 أيلول 1993 بمنطقة (سين وباء) أي أنها تخضع لكامل السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

 

Eilot

مذبحة عيلوط:

لم تكن مجزرة واحدة، بل كانت عدة مجازر نُفذت بحق أبناء قرية عيلوط الحزينة.

أحمد الباش/ دمشق، مجلة فلسطينية شهرية – العدد الحادي عشر – السنة الأولى – آب (أغسطس) 2008 – رجب 1429هـ

تقع قرية عيلوط على بعد خمسة كيلومترات شمال غرب الناصرة، وترتفع 300 متر فوق سطح البحر. يتوسط موقع القرية الطريق الواصل بين قريتي صفورية ومعلول، قضاء الناصرة.

مساحة أراضيها 13390 دونماً، منها 30 دونماً تشكل مساحة القرية، وبلغ عدد سكان عيلوط في العام 1945 نحو 1310 نسمة، كانوا يسكنون في 165 بيتاً. سقطت هذه القرية بيد العصابات الصهيونية في 16/7/1948.

في مطلع آب من العام 1948، كان أحد رجال قرية عِيلوط يرعى غنمه بين أحراج قريتي صفورية وعيلوط، ففوجئ بثلاث عشرة جثة هامدة أمامه، أصبحت هياكل عظمية، أكلتها الوحوش والطيور الجارحة؛ أخبر هذا الراعي أهالي قريته، فهبوا إلى المكان وتعرفوا إلى الجثث من ألبستها. كانت جثث أبنائهم الذين اختطفتهم العصابات الصهيونية قبل أيام”.

–          في10/7/1948 دخلت عصابات القتل الصهيوني القرية وقامت باختطاف 13 رجلاً من القرية، ظن السكان أنهم أُخذوا أسرى ولم يُعرف مصيرهم آنذاك.

–          وعند احتلال الناصرة، دخلت العصابات الصهيونية مرة ثانية قرية عيلوط وأصدرت الأوامر إلى السكان بالرحيل.

–          وفي صباح 21/7 دخل الجيش مرة أخرى وطلب من السكان التجمع في ساحة القرية عند البيادر، وعندما حاول اثنان من الشبان إحضار الماء ليشرب كهول القرية، أطلقت النار عليهما فأرديا قتيلين وهما الشهيدان صالح سعيد أبو راس وطه أبو عياش”.

في هذا الصدد يقول شهود عيان:

“إن أفراد العصابات الصهيونية قاموا بنزع ملابس الشهيدين أمام مرأى ذويهما، وبعد ذلك نقل الرجال في القرية إلى ساحة العين، وجمعوا هناك، وكان مع الضابط قائد الوحدة الصهيونية المكلفة باحتلال القرية، قائمة أسماء أخذ يقرأها بصوت مرتفع أمام أبناء القرية، وكان الموجود يزجون به في السيارة، أما الغائب منهم، فيأخذون بدلاً منه أحد أبناء القرية”

ثم أفرجت العصابات الصهيونية، عن الباقين من أبناء القرية، وطلبوا منهم الخروج من القرية، وقاموا بنسف ثلاثة بيوت تعود إلى المختار حسن محمد أبو راس وساري خليل أبو عياش وبيت (أبو العبد) أبو عياش.

بعد ابتعاد سيارة الأسرى مسافة 500م عن ساحة مسجد القرية، أنزل الصهاينة الأسرى وقاموا بقتلهم جميعاً بالرشاشات.

في 28/7/1948 دخل الجيش مرة أخرى وأسر ما يقارب 20 رجلاً، وبعد التعذيب والتحقيق أفرج عنهم جميعاً، ولكنه أعدم ثلاثة شبان هم: عوض علي أبو راس وسليم محمد أبو راس وعلي عودة عبود. وشهد على دفنهم الشيخ البرقيني في أراضي قرية صفورية المجاورة. وقد قامت النساء من القرية بالتعرف عليهم من ملابسهم التي احتفظ بها ذاك الشيخ.

2-14-1-  شهادات من قلب المجزرة

أبو العبد أبو عياش – محمد إبراهيم أبو راس – محمد حسن أبو راس – علي صبري أبو راس – أحمد عبد الحليم أبو عياش – خالد الصالح أبو الوليد شهود على المجازر هذه.

يقول أبو العبد أبو عياش: كان عمري آنذاك 20 سنة. وقبل أن يقوم الجيش بدخول القرية وتطويقها، أرسل ضابط بوليس المنطقة اليهودي واسمه «الشويلي»، رجلاً من «منتشي زبده» اسمه حسن محمد سليماني ليجتمع بالمختار حسن محمد أبو راس، وشيخ القرية الشيخ طه الخطيب، والعبد أبو عياش، وغيرهم من وجوه القرية. وأبلغهم الرسول هذا بأن الجيش سيقوم بتطويق القرية، وسيأخذ بعض الأسرى، وما على الشباب والرجال إلا الاختفاء أو الهرب، وقمت أنا بالاختفاء خلف الخوابي في بيتنا. وفعلاً جاءت العصابات الصهيونية ومعها الدبابات من الجهة الغربية وطوّقت القرية، وألقي القبض على بعض الرجال، وكان حسن محمد سليماني من بينهم، ووصل عددهم إلى 24 رجلاً، وكنت أعتقد أنني عندما اختبأت خلف الخوابي لم يرني أحد، لكن تبين لي أن أمينة الواكد زوجة أخي، كانت قد شاهدتني حين اختبأت، هي وفاطمة عيد.

وفي أثناء اختبائي، دخل أحد أفراد العصابات الصهيونية بيتنا حيث كنت أختبئ، ولكنه لم يرَني، وكان قد جهز مدفعه الرشاش للإطلاق على كل ما يتحرك في المكان. ومع سماعي صوت نسف البيت الأول وقفت على رجليّ، ولم أكن لأخرج حتى نسف بيتنا الذي أختبئ فيه. عندها، بدأت زوجة أخي أمينة بالصراخ، وهرعت مع نساء القرية وبعض رجالها إلى المكان معتقدين أني قد مت، وبمساعدتهم أخرجت من تحت الركام.

في أثناء ذلك، سمعنا إطلاق الرصاص بكثافة وحضر المرحوم سليم محمد أبو راس ليقول لنا: “لقد أطلقوا النار على الأسرى وقتلوهم جميعاً”.  بعد انسحاب الجيش ذهبنا إلى حيث كانت جثث الشهداء.

وما كان من حسن أبو راس إلا أن قال: (باطل. باطل)، فسمع خضر وعلي أبو راس تلك الكلمات فاطمأنا إلى أن الجيش قد انسحب، فقاما من بين الشهداء وكانا مصابين وتظاهرا بالموت حين إطلاق النار. وقد قالا لنا إنه بعد ابتعاد سيارة الأسرى عن ساحة الجامع بحوالى نصف كيلو متر، أنزلهم الجنود من السيارات وأمروهم بالجلوس على الأرض وأصدر الضابط أوامره، فحصدوهم بالرشاشات واستشهد الجميع بمن فيهم الرسول الذي أرسل إلى القرية.

من الشهداء الذين قتلوا كما يتذكر محمد إبراهيم أبو راس: 11 شهيداً وُجدوا في الأحراج وقد اشتمّ أحد الرعاة رائحة جثثهم مع أهل القرية بعد أيام من خطفهم. أما في العين الشمالية وعلى البيادر، فقد قتل العديد من أبناء القرية في مجزرة شنيعة تمّ التمثيل فيها بجثث الشهداء.  وفي الناصرة قتل علي عبود وهو من عيلوط وقتل أيضاً مفلح عودة الله في الصرفند.

من الشهداء الذين سقطوا في هذه المجازر، كما يتذكر ابن مختار القرية محمد حسن أبو راس، اثنان من شباب القرية قام الصهاينة بتشويه جثتيهما بالبلطات وبتكسير أياديهم وأرجلهم ثم قاموا بتصفيتهما.

هذه هي نكبة قرية عيلوط الباسلة، وهذه هي المجازر التي ارتُكبت بحق أبنائها العزل، فسقط 48 شهيداً خلال أقل من شهرين. وفقدت معهم معظم أراضي القرية.

2-14-2-  لن ننسى ولن نصفح… لن نغفر ولن نسامح

ولكن رغم كل ما لاقوه من ظلم وقهر وقتل واضطهاد، ظلوا قريبين من قريتهم، ما مكّن نصفهم من العودة إليها بعد عام من النكبة. وإصراراً منهم على العودة، فقد عاد بعد ثلاث سنوات الجزء الآخر من أبناء القرية، ليبنوا بعد ذلك قريتهم من جديد، وليتجذروا فيها أكثر فأكثر.

يذكر أن القليل القليل من أبناء القرية كانوا قد هاجروا في بداية المعركة إلى لبنان والأردن. وهم الآن ينتظرون حلم العودة الذي يجمعهم بذويهم وأقربائهم وأبناء قريتهم، ليلتئم بذلك شمل أبناء القرى والمدن الفلسطينية، وتعود فلسطين محررة من دنس الغزاة الصهاينة.

وقد شارك المئات من أبناء قرية عيلوط، في الأمسية الخاصة التي أقامتها جبهة عيلوط لإحياء الذكرى الستين للمجزرة الرهيبة التي نفذتهاالعصابات الصهيونية في القرية وراح ضحيتها 40 شهيدا في جولتين.

وقد عقدت الأمسية تحت شعار “لن ننسى ولن نصفح… لن نغفر ولن نسامح”، وافتتحت بالوقوف دقيقة صمت إجلالا لذكرى الشهداء، وشهداء الشعب الفلسطيني، ثم قرأ الشيخ حلمي حمد آيات من القرآن الكريم، وافتتح الأمسية الأستاذ خالد أبو راس، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على الذاكرة، ورفع مستوى الوعي الوطني لدى الأجيال الناشئة، وقال إن هذه الذكرى تدعونا إلى التسامي فوق العائلية البغيضة،  فرصاص القائد العسكري نسيم أردى رجالاً من جميع عائلات عيلوط ودون استثناء،  وإلى تحسين واقع القرية الثقافي على مستوى فهم الذات والهوية الجماعية.

ثم ألقى الحاج خالد صالح طه، أبو الوليد، الذي عايش المجزرة، كلمة، استعرض فيها أحداث تلك المجزرة، التي أعقبت تهجير صفورية في منتصف شهر تموز (يوليو) من العام 1948، على يد فرقة من وحدة “غولاني” في الجيش الإسرائيلي.

وقال أبو الوليد، إن المجزرة جرت على دفعتين، الأولى كانت حين تم جمع 13 شابا من أبناء القرية ثم أخذهم إلى الكروم المجاورة في منطقة جبل العين، وهناك أطلق العسكر عليهم النار وسقطوا شهداء، وبعد ذلك، أوقف الجنود إحدى نساء القرية، وهي على جوادها في الطريق إلى الناصرة فأطلقوا عليها النار لتسقط هي الأخرى شهيدة.

بعد ذلك بعدة أيام، تم تجميع أهل البلد لتقع المجزرة الكبيرة في الزيتون، إذ تم أخذ 26 شابا إلى الكروم، وهناك سقطوا شهداء برصاص الجنود. وختم كلمته مُشيداً ببقاء وصمود أهالي عيلوط الأسطوري بعد الخسارة الفادحة التي لحقت بهم.

وكانت الكلمة للنائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ابن قرية صفورية المجاورة، قائلا: إن المجزرة في قرية عيلوط لم تقع صدفة، بل جاءت ضمن مخطط مسبق في هذه المنطقة كجزء من المخطط العام الذي شمل كافة أنحاء فلسطين، بهدف طرد شعبنا الفلسطيني من وطنه، بموجب المقولة الصهيونية، أكثر ما يمكن من أرض وأقل ما يمكن من ناس (فلسطينيين).

وتابع بركة، إن كون مجزرة عيلوط قد وقعت بعد أيام من اقتلاع قرية صفورية المجاورة، إنما يؤكد على أن الهدف هو إخلاء كل المنطقة من أهلها، ولكن إذا نجحوا في اقتلاع صفورية، فإنهم فشلوا في عيلوط، وهذا ما جرى في العديد من قرانا وبلداتنا، وإحياء الذكرى اليوم هو عنصر هام في حفظ التاريخ والرواية ونقلها للأجيال القادمة.

وأشار بركة إلى أن سياسة الاقتلاع لم تتوقف للحظة منذ ستين عاما، فبعد العام 1948، قلقت السلطات من بقاء 150 ألف فلسطيني من أبناء الوطن في وطنهم، وعملت كل شيء من أجل أن تستأنف عمليات الطرد والتهجير، ومجزرة كفر قاسم التي وقعت بالتزامن مع العدوان الثلاثي على مصر، كانت تهدف إلى ترهيب أهل القرية والمنطقة كلها ودفع الأهالي إلى الهرب نحو الضفة الغربية، إلا أن المخطط فشل رغم أن المجزرة حصدت أرواح 49 شهيدا وشهيدة.

ثم ألقى المؤرّخ الدكتور مصطفى كبها، المحاضر في التاريخ والإعلام في الجامعة المفتوحة، محاضرة قيّمة عن معنى النكبة الفلسطينية من ناحية تدمير 450 قرية و6 حواضر، وإيقاف التمدّن فيها، والمجازر والتهجير، وتطرّق إلى مجزرة عيلوط ودعا إلى حفظ الذاكرة من الضياع وتوثيق التاريخ المحلي من خلال حفظ الشهادات الحية وتدوينها عبر جميع الوسائل الممكنة وعبر نشر الكتب وعقد الندوات وإقامة المؤسسات التي تهتم بهذه المجالات.

 

Shosha

مجزرة قرية أبو شوشة:

نجح باحثون فلسطينيون يعملون في مركز أبحاث جامعة بيرزيت، في الكشف لأول مرة عن مجزرة جماعية وقعت في قرية أبو شوشة قرب الرملة على أيدي القوات الصهيونية، أسفرت عن مقتل قرابة ستين فلسطينياً وانتهت بترحيل كل سكان القرية من منازلهم، ثم جرى هدمها على مراحل.

وكانت مجزرة أبو شوشة، كما يتضح من الدراسة المذكورة الواقعة في مائتين وتسعين صفحة، قد وقعت بتاريخ 14 أيار 1948 ، أي بعد انتهاء الانتداب البريطاني بيوم واحد.

ويقول أحد المشاركين في البحث إنه كان هناك ما يشبه الهدنة غير المكتوبة بين أهالي القرية

و”كيبوتس”جيزر اليهودية، التي تأسست بتاريخ 13/3/1945، وتعني كلمة “جيزر” بالكنعانية “الشاهق”، وذلك في إشارة إلى ارتفاع التلة العالية التي يقع عليها الكيبوتس المذكورة والمشرفة على قرية أبو شوشة البالغ تعداد سكانها في العام 1948، 950 شخصاً على أرض مساحتها 9425 دونماً”.

وذكر خلال الدراسة عن وجود علاقات اقتصادية واجتماعية بين سكان الكيبوتس اليهودي وأهالي القرية، لكن “هذه العلاقة تدهورت بعد قرار التقسيم وساءت بشكل كبير عندما قُتِل الناطور فيزدنر من الكيبوتس المذكور بتاريخ 21/3/1948، انتقاماً لمقتل نوح محمد الحاج أحد سكان القرية “.

2-10-1- تفاصيل …

أما عن تفاصيل المجزرة كما يقول أحد الباحثين، فقد قام جنود يهود من لواء جفعاتي بتاريخ 14/5/1948 بمحاصرة القرية من كافة اتجاهاتها عند آذان الفجر، وقاموا بقصف القرية بزخات الرصاص وقنابل المورتر؛ وقد تركز القصف على المنطقة الشمالية الاستراتيجية بالنسبة للأهالي العرب؛ ويستحكم في هذه المنطقة عشرات الرجال وبحوزتهم سبعين بندقية.

وقد نجحت الفرق اليهودية في دخول القرية، وانسحب المدافعون العرب، وكان اليهود يطلقون النار باتجاه كل شيء متحرك، في حين اختبأت النساء في ثلاث مغر وبقين مختبآت طيلة أسبوع كامل وتم تهجير الرجال من القرية.

وقد كشف مكان اختباء النساء عندما ألقي القبض على امرأة خرجت لتحضر الطعام لابنها الصغير، فتواجهت مع دورية من الجنود؛ وبعد التحقيق معها، دلّتهم على مكان وجود النساء والأطفال، حيث تم إخراجهم، وأُمِر الجميع بالتوجه إلى منازلهم، في وقت استمر فيه تناثر الجثث في القرية عدة أيام؛ وقد شكّلت النساء لجنة ضمّت خمس منهن، قمن بدفن القتلى والبالغ عددهم ستين شخصاً، تمّ توثيق أسمائهم في الدراسة المذكورة، وقد تمّ استخدام الخنادق والاستحكمات وحتى المغر مقابرَ جماعية”.

2-10-2-   طرد وقتل

و”تتهم الدراسة عسكريين إسرائيليين بالمسؤولية عن طرد النساء من القرية؛ إذ أصدر هؤلاء بتاريخ 20/5/1948 أمراً عسكرياً للنساء يقضي بالتجمع في ساحة القرية؛ خرجت النساء من منازلهن، فوجدن أوركسترا احتفالية خاصة: اصطف الجنود في صفين متوازيين يبعدان عن بعضهما مسافة ثلاثة أمتار، وبين كل جندي وآخر في الصف نفسه مسافة تقدر بستة أمتار، وقد أُمِرَت النساء بالتحرك بين الصفين للخروج باتجاه الشرق، حيث تقع قرية القباب؛ وأمام توسلهن بالسماح لهن بالعودة إلى منازلهن، قام الجنود بإطلاق النار في الهواء وباتجاه أقدام النساء إلى أن اختفين عن الأنظار ليغادرن القرية وإلى الأبد”.

–          وقدم أحد رجال القسم العربي في وكالة أبناء “الهاغاناه” (طنا) تقريراً بتاريخ 20/5/1948 حول “قتل عشرات من عرب قرية أبو شوشة قرب الرملة: قتل حسب رواية “الهاغاناه” 30 وأكثر من 70 حسب الرواية العربية”.

–          وتوضح شهادة أخرى الأمر في ما يخص القتلى، وذلك في برقية أرسلت إلى الملك عبد الله، إذ أكدت “أن اليهود يقتلون سكان القرية، وطالبوا في البرقية بمساعدة جوية”.

–          ويتضح من برقية أرسلت من شرطة الرملة إلى بعثة الصليب الأحمر، “أن اليهود قاموا بأعمال بربرية في القرية ونطالب وفد الصليب الأحمر بالحضور إلى القرية وتقديم المساعدة اللازمة”.

–          وحسب ادعاءات “الهاغاناه”، صودرت، بعد استكمال العملية، خمس بنادق و500 رصاصة ونقل 11 أسيراً إلى معتقل في رحوبوت ووجهت تعليمات لسكان القرية بمغادرتها”.

2-10-3-    هدم القرية

وتعرّضت القرية بعد ذلك إلى مسح شامل، فقد تم هدمها؛ وكانت في العام 1974، أكواماً من الحجارة تمّ في ما بعد إزالتها ونقل كل أحجارها، إذ تم في العام 1978 تشجير المكان الذي كانت فيه القرية.

وقد قام الباحثان اللذان أهديا هذه الدراسة، وهما فاهوم شلبي ونصر يعقوب، بتتبع أسماء القتلى وأعمارهم وموقع القتل، وأحياناً موقع الدفن وباللقاء بأقارب بعضهم، وتم رصد حوالى ستين قتيلاً في مجزرة لم يسجل عنها التاريخ قبل ذلك كلمة واحدة.

وقد وصف الدكتور صالح عبد الجواد، مدير مركز أبحاث جامعة بيرزيت وأحد المشرفين على الدراسة التي أجراها المركز، وتم الكشف فيها عن المجزرة، بـ “الدراسة المهمة لأنها كشفت عن مجزرة وقعت في يوم إعلان قيام دولة إسرائيل ولم تكن مسجلة في التاريخ قبل الآن”.

وأضاف عبد الجواد “أن أهمية الكشف عن هذه المجزرة تزداد في ظل الحديث عن تسوية تاريخية ليس بهدف نكئ الجراح أو القول بأنه لا يوجد سلام، بل بهدف إشعار الطرف الإسرائيلي بالذنب ونسف الفكرة الموجودة لدى الجانب الإسرائيلي والتي تم المساس بها لدى كثير من المؤرخين الإسرائيليين، بأن العرب هاجروا بطلب من الدول العربية أو بإلحاح من القيادة العربية في فلسطين، بل لقد هاجروا لتعرّضهم لمخطط مدروس فتحولوا إلى لاجئين، وهذا هو جوهر القضية الفلسطينية”.

وأضاف صالح “أن الدراسة طعنة قوية في جوهر الدعاية التي تنكر وجود حملات وترحيل، وقال إن شمعون بيريس وزير خارجية إسرائيل قد حاول في كتابه (شرق أوسط جديد)، نفي وجود الترحيل، لكن هذه الدراسة كانت طعنة قوية في جوهر الدعاية الإسرائيلية التي تحاول إنكار وجود حملات الترحيل” .

 

Tantora

مجزرة الطنطورة – مقبرة جماعية:

تقع قرية الطنطورة إلى الجنوب من مدينة حيفا، وتبعد عنها 24 كم وترتفع 25 كم عن سطح البحر، وتقوم القرية على آثار (دور) الكنعانية وتعني المسكن، وتبلغ مساحة أراضيها 14520 دونماً وتحيط بها قرى كفر لام، الفريديس، عين غزال، جسر الزرقاء، وكبارة؛ قُدِّر عدد سكانها سنة 1929 بحوالى 750 نسمة، وفي العام 1945 بحوالى 1490 نسمة.

بتاريخ 23/5/1948, تعرضت القرية إلى مجرزة راح ضحيتها 230 فلسطينياً، وفقا لما قاله المؤرخ الإسرائيلي تيدي كاتس في دراسة الماجستير في جامعة حيفا في العام 1998.

وتعرضت القرية إلى الهدم و تشريد أهلها البالغ عددهم 1728 نسمة في العام 1948، إلى الفريديس والبلدات المجاورة وكذلك إلى الضفة الغربية والأردن وسوريا والعراق وأماكن أخرى.  أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 194 الصادر في العام 1948 الخاص بحق العودة والتعويض، ويشمل ذلك المقيمين في الفريديس والبلدات المجاورة، وفقا للقرار الأممي.

ووفق أحداث ومعطيات وتفاصيل المجزرة التي نفذتها القوات الصهيونية ضد أهل قرية الطنطورة، فإن بشاعة هذه المجزرة تفوق مجزرة دير ياسين وغيرها، إذ كان الجنود الصهاينة متعطشين للدم والضحايا الذين أجبروا على حفر قبورهم بأيديهم، وتحولت الشوارع إلى”جبل موت” ووصل القتل بالقنابل إلى داخل البيوت، ونفّذت الإعدامات الميدانية ضد المواطنين جماعات جماعات.

وتكشف الشهادات الحية عن هذه المجزرة، النقاب عن أبشع أشكال الإرهاب الدموي الصهيوني ضد الفلسطينيين.

وتأتي أهمية التشديد على أحداث وتفاصيل هذه المجزرة، في أن الباحث الذي كشف النقاب عنها هو باحث إسرائيلي يدعى تيدي كاتس وهو محاضر في جامعة حيفا، وقد تعرّض إلى مطاردات وتهديدات بالقتل، كما قدم للمحكمة الإسرائيلية.

نقدم في ما يلي تفاصيل هذه المجزرة المروعة التي نفذت في 23 أيار / 1948 كما جاءت في دراسة الدكتور كاتس الذي كشف عنها بعد 52 عاماً على اقترافها.وقد نشرتها صحيفة معاريف العبرية بالكامل كما يلي :

هذه المشاهد لن ينساها فوزي محمود أحمد طنجي ( أبو خالد ) أبداً، فلغاية اليوم (وبعد مرور 52 عاماً وهو تاريخ توثيق شهادته)، تجتاح جسمه قشعريرة عندما يتذكر كيف ذبح أبناء عائلته وأصدقاؤه أمام عينيه .. “أخذونا إلى مقبرة القرية وهناك أوقفونا في صفوف، جاء قائد اليهود وقال مخاطباً جنوده “خذوا عشرة”، وقد انتقوا منا عشرة واقتادوهم إلى مكان بالقرب من شجيرات الصبار، وهناك أطلقوا النار عليهم. بعد ذلك عادوا وأخذوا عشرة آخرين، كان عليهم أن يخلوا الجثث ليتم بعد ذلك إطلاق النار عليهم أيضاً.  وهكذا تكرر ذلك تباعاً … لقد أطلقوا رصاصهم على المزيد من الناس بالطريقة نفسها “.

ويضيف أبو خالد: “هؤلاء الجنود الذين لن أنسى ملامح وجوههم ما حييت، بدوا لي مثل ملائكة الموت. عندما وقفت هناك، كنت واثقاً بأنها اللحظات الأخيرة في حياتي، وأنهم سيأتون بين لحظة وأخرى ليأخذوني أيضاً ويطلقوا النار علي.  كان من واجب اليهود أن يتعلموا ويأخذوا العبرة مما فعله الألمان (النازيون) لهم، لا أعرف لماذا فعلوا بنا ما فعله الألمان بهم! “.  وينفجر العجوز أبو خالد البالغ من العمر 74 عاماً والمقيم اليوم في طولكرم فجأة ليجهش بالبكاء وهو يقول: ” كان من الأفضل لو أنني مت هناك دون أن أحمل معي هذه القصة حتى اليوم”، يبدو أن التاريخ والمؤرخين الإسرائيليين لحرب العام 1948 آثروا حتى الآن تجاهل هذا الفصل القائم في ” حرب 1948 ” .

المتورطون أو الضالعون في هذه القضية القائمة (مذبحة قرية الطنطورة)، مرتكبوها اليهود، والعرب الناجون منها آثروا كتمانها عميقاً في صدورهم .. بحث جديد فقط اكتمل إعداده في جامعة حيفا، يحاول كشف حقيقة ما حصل في أثناء احتلال القوات الإسرائيلية لقرية “الطنطورة” العربية في شهر أيار (مايو) من العام 1948.

كان رزق عشماوي (أبو سعيد)، الذي يسكن اليوم في قرية “الفريديس”، وقت وقوع المذبحة، فتى عمره 13 عاماً… وفي ورشة (كراج) للمعدات يمتلكها، تذكر “أبو سعيد” تلك الأحداث: “على مسافة قريبة من مسجد القرية، كانت ثمة باحة بالقرب منها، أوقفوا الشبان على امتداد جدران البيوت… كان ثمة طابور يضم حوالى 25 شخصاً، صُفَّت خلفهم أيضاً فتيات… وقف مقابلهم حوالى عشرة أو اثني عشر جندياً، وعندئذ قام هؤلاء الجنود بكل بساطة بإطلاق النار على الشبان، الذين خرّوا قتلى في المكان.. أما الفتيات فسمح لهن، حسب أوامر الجنود، بالذهاب ليمضين في طريقهن”.

يتذكر “عشماوي” كيف ذهب مع جندي يهودي لجمع الخبز من أجل أولاد آخرين .. ” في وقت إطلاق النار منعني الجندي من مواصلة السير إلى أن انتهى إطلاق النار، وبعد ذلك واصلنا جمع الخبز وعدنا إلى شاطئ البحر.  عندما عدنا مررنا مجدداً بالقرب من جثث قتلى، حينها شاهدت مجموعة أخرى، ربما 40 أو 50 شخصاً صلبوا على الجدران، أطلق الجنود النار عليهم بالطريقة نفسها .. وفي وقت الانتظار، عندما صوَّب الجنود سلاحهم نحونا حاولت، كل واحدة من الأمهات أن تغطي بقدر ما تستطيع على أبنائها حتى يطلقوا النار عليها وليس عليهم… حاول أحد الأطفال مناداة أمه مستنجداً لكن الجنود أطلقوا النار عليها وأردوها قتيلة… كدنا نفقد أمي في ذلك اليوم .. فعندما هممنا بمغادرة شاطئ البحر باتجاه المقبرة حصل شيء لأمي .. لقد أصيبت من شدة الخوف بشلل فجائي في ساقيها، ولم تعد قادرة على المشي .. لم نستطع جرها، وحاولنا التوسل للجنود كي يأخذونا بالسيارة، قال لنا الجنود: “لا داعي، سنطلق النار عليها ونريحكم منها”، نشأ جدل بين الجنود وتمكن بعضهم بصعوبة من منع قتل أمي”.

ويقول عشماوي (أبو سعيد) إن المذبحة خلّفت حسب معلوماته أكثر من 90 قتيلاً دفنوا في حفرتين للشبان وحفرة صغيرة للفتيات .. ويتذكر أبو سعيد أيضاً جثة رجل كانت ملقاة في الشارع، وكيف أخذت زوجته وبناته يولولن عليه، وكيف أن أحد الجنود أراد الإجهاز على الأم وبناتها، فتوسلت المرأة كي يسمحوا لها على الأقل بأن تزيح جثة زوجها جانباً من حرارة الشمس، وهو ما مكنوها في نهاية الأمر من أن تفعله.

2-9-1- مطاردة دموية بحثاً عن الرجال البالغين

ثيودور (تيدي) كاتس (56 عاماً) عضو كيبوتس “مغيل”… يعمل في مركز للقرى (المستوطنات) التعاونية في الحركة الكيبوتسية الموحدة التابعة لحركة “ميرتس” اليسارية، والذي أعد البحث في إطار تقدمه للحصول على اللقب الجامعي الثاني (الماجستير) من جامعة حيفا.

عمل وتجول طوال سنتين حتى تمكّن من “الوصول للأشخاص الذين وُجِدوا في تلك الليلة الواقعة بين 22 و23 أيار 1948 في قرية الطنطورة .. تحدث “كاتس” مع مشردي القرية، بعضهم يسكن اليوم في قرية فريديس وبعضهم الآخر طرد وهُجِّر إلى خارج البلاد، (يقيم جزء منهم حالياً في مخيم “اليرموك” قرب دمشق)، تحدث مع هؤلاء كما تحدث مع جنود لواء ” الكسندروني” من الكتيبة 33 (التي عرفت آنذاك باسم “كتيبة السبت” لأنه كان يُلقى على عاتقها في كل نهاية أسبوع إبان حرب العام 1948 مهمة جديدة)، وهم الذين شاركوا في معركة احتلال قرية الطنطورة. كما تحدث الباحث مع سكان بلدة “زخرون يعقوب” الإسرائيلية المجاورة لموقع القرية، التي لم يتبق منها سوى أطلال عدد قليل من المباني الحجرية القديمة .. كذلك استند “كاتس” في إعداد بحثه إلى معاينة وثائق في أرشيف الجيش الإسرائيلي ..

 وقد توصل كاتس في بحثه إلى نتيجة قاطعة مفادها أن ما حصل في قرية الطنطورة في تلك الليلة من شهر أيار من العام 1948 كان “مذبحة على نطاق جماعي”.

ويكتب كاتس في بحثه: “في الليلة الواقعة بين 22 و23 أيار 1948، وفي صبيحة اليوم التالي، هاجمت كتيبة 33 التابعة للواء الكسندروني قرية طنطورة .. احتلت القرية بعد عدة ساعات من تبادل لإطلاق النار الذي كان ضارياً جداً في قسم من مناطق القتال، ولكن في ساعات الصباح الباكر كانت القرية كلها قد سقطت في يد الجيش الإسرائيلي.

حسب إفادات أكثر من عشرين شخصاً من لاجئي طنطورة، وكذلك إفادات قسم من جنود اللواء، انهمك الجنود لعدة ساعات في مطاردة دموية شرسة لرجال بالغين بهدف قتلهم .. في البداية أطلقوا النار عليهم في كل مكان صادفوهم فيه في البيوت وفي الساحات وحتى في الشوارع .. وبعد ذلك أخذوا يطلقون النار بصورة مركزة في مقبرة القرية”.

في عملية احتلال قرية “طنطورة” قتل 14 جندياً من لواء الكسندروني، وفي المقبرة التي دفنت فيها جثث القتلى من أهالي القرية في قبر جماعي، أقيمت لاحقاً ساحة لوقوف السيارات كمرفق لشاطئ “دور” على البحر المتوسط جنوب حيفا.  يقول عدد من مشردي القرية بألم وحزن: “لقد حُرِمنا حتى من زيارة أقاربنا الذين دفنوا في هذه المقبرة”، أما “أبو خالد” فيأتي بين فترة وأخرى لزيارة أطلال قريته، وحينها يجثو على الأرض ويجهش بالبكاء.

2-9-2- أطلقوا عليهم النار فسقطوا قتلى في الحفر

–          يقول أبو خالد: “جمعونا بالقرب من شاطئ البحر، الرجال على حدة والنساء على حدة، ووضع الأولاد والشبان الذين تبلغ أعمارهم من 12 عاماً فما فوق مع الرجال، بينما وضع الأصغر منهم سناً مع الفتيات، بعد ذلك انتقوا سبعة أو عشرة من الرجال وأحضروهم إلى مكان قريب من مسجد القرية، وهناك أطلقوا عليهم النار .. ثم عادوا واقتادوا مجموعة أخرى ليصل العدد في النهاية إلى ما يقارب تسعين شخصاً.. مع كل مجموعة كانت تذهب مجموعة من الجنود، بينما كان أهالي القرية يقفون ويشاهدون ما يجري .. بعد ذلك، أخذوا كل من تبقى إلى المقبرة وأوقفوهم هناك وهموا بإطلاق النار على الجميع.. عندئذ وصل حوالى خمسين أو ستين شخصاً من سكان كيبوتس “زخرون يعقوب”، “وفي اللحظة التي رأوا فيها ما يحدث تدخل عدد من كبار المسؤولين منهم وأوقفوا المذبحة وقالوا: كفى .. “.

–          شهادة مماثلة سمعها اللواء عبد الرزاق اليحيى (أبو أنس) أحد كبار قادة أجهزة الأمن الفلسطينية من أبناء عائلته، وهو من مواليد قرية “الطنطورة”، وكان يعيش في ذلك الوقت في سوريا .. وقد سمع “أبو أنس” قصة المذبحة من إخوة له .. وقد أخبر أبو أنس الباحث كاتس قائلاً: “جمعوا كل الرجال في المقبرة ثم أخذوهم في مجموعات تتكون كل مجموعة منها من ستة إلى سبعة أشخاص .. وقد أرغمت كل مجموعة على حفر حفرة في الرمال؛ وفي اللحظة التي أنـهوا فيها عملية الحفر قام الجنود بإطلاق النار عليهم، فسقط الرجال قتلى داخل الحفر، بعدها انتقل الجنود إلى مجموعة أخرى، وهكذا دواليك…

في لحظة ما وقف اثنان من إخوتي، كانا في مجموعتين منفصلتين وتعانقا عناق الوداع قبل أن يصلهما الدور .. فجأة وصل شخص يهودي يركب دراجة نارية، حاملاً أمراً من قيادته بوقف المذبحة .. وهكذا نجا باقي أهالي القرية! وعلى ما يبدو، فإن القيادة اليهودية تخوفت من احتمال أن تتخذ إجراءات مماثلة مع الأسرى اليهود الذين سقطوا في أيدي القوات الأردنية .. ويعتقد أن حصيلة ضحايا المجزرة بلغت 78 شخصاً ..”.

–          شهادة أخرى على ما صنعه الجنود الإسرائيليون رواها “عبد الرحمن دنش” البالغ من العمر 75 عاماً لأبناء عائلته .. وحسب قوله: حين كان منشغلاً في حفر الحفرة التي كانت ستتحول لاحقاً إلى قبر له، شاهد الجنود وهم يضحكون ويتغامزون مع بعضهم بعضاً.. يقول دنش: “بعد كل مرة كانوا ينتهون فيها من إطلاق النار على مجموعة من أبناء القرية، كان الجنود يتبادلون الحديث في ما بينهم، لكنني لم أستطع فهم ما يقولون .. غير أن أحد أصدقائي العارفين باللغة العبرية قال لي: إن الجنود يقولون لبعضهم “انظروا إلى هؤلاء الحمقى الذين يحفرون قبورهم بأيديهم.. “.

ويضيف دنش قائلاً : ترجم لي أقوال الجنود وطلب مني التمهّل في حفر الحفرة التي سندفن سوياً فيها .. بعد وقت قصير من ذلك لاحظ “دنش” شخصاً كان على معرفة به فناشده أن يتدخل لإنقاذه .. وهذا الشخص اليهودي تحادث مع الضابط الإسرائيلي المسؤول عن الموقع، فأرسل الأخير الجنود ليخرجوا “دنش” وصديقه من المكان فنجيا من الموت .

2-9-3- قتل جماعي

شغل شلومو أمبر، الذي كان حينها في الخامسة والعشرين من عمره، منصب ضابط مسؤول في الكتيبة رقم 33؛ في الإفادة التي أدلى بها أمام الباحث “كاتس” قال أمبر: “المهمة التي كلفت بها في المعركة حول “طنطورة” كانت نسف سلسلة – جسر – حديد تصل بين طرفي واد ترابي .. ولكنني مع ذلك وجدت صدفةً طيلة اليوم في القرية ورأيت أشياء أفضل ألا أتحدث عنها.. “

بعد صمت طويل، كتب كاتس في بحثه نقلاً عن الضابط المذكور قوله: “التحقت بالجيش البريطاني لأنني اعتقدت أن الشيء الأهم الذي يتعين على اليهودي عمله يتمثل في محاربة الألمان .. ولكننا حاربنا في قرية طنطورة وفقاً لقوانين الحرب التي أقرها المجتمع الدولي، ومن واجبي الإقرار بأنه حتى الألمان لم يقتلوا الأسرى العزل، وبعد كل ذلك عاد الأسرى إلى بيوتهم سالمين وهنا في طنطورة قتلوا العرب”.

ويضيف: “لم يكن في الإمكان الحصول هنا على الانطباع بأن التوجه كان يهدف إلى إعادة الاحترام القومي، ولا أعتقد أن عدد الضحايا الذين سقطوا في “طنطورة” كان كبيراً للغاية، كي يدفع الناس إلى هذه الموجة من الاستنكار، وخاصة بالقول إننا خرجنا لاحتلال قرية كانت نائية ولا تقع على خط مواصلات رئيسي، وكانت هذه ظاهرة شاذة تماماً وذات مغزى واحد.

دخلنا في ما بعد في معارك شرسة وجهاً لوجه، ولكن لم يحدث أن ارتكبت أعمال قتل من هذا القبيل على نحو عشوائي، والصورة التي انطبعت في ذهني هي صورة الرجال في المقبرة، رأيت هناك الكثير من القتلى، وقد غادرت المكان عندما رأيت الجنود يقتلون ويقتلون ويقتلون .. ولذلك لا أدري كم كان عدد القتلى هناك”.

أمبر الذي عمل في يوم من الأيام رئيسا للدفاع المدني، وأنهى الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بعدما وصل إلى رتبة ميجر جنرال، عاد وادعى هذا الأسبوع أن الأشياء التي كتبها كاتس ليست دقيقة: “لم أقل شيئا عن الجنود النازيين  ولم أتحدث عن قتل أسرى، لأنني وجدت أنه من غير الصواب الحديث عن ذلك، وقد غضبتُ من الأشياء التي كتبها المؤرخون الجدد عن مقتل الأسرى، ربما أخذوا هذه الأشياء وخلطوا بينها”.

وأضاف أمبر في حديثة لصحيفة معاريف: “أنا لست مستعدا لتأييد قصص ربما تكون غير حقيقية، وربما كتبت لأغراض غير موضوعية. كان هناك قتلى في طنطورة، هذا صحيح .. قتل جماعي؟ السؤال هو ما معنى جماعي؟ لقد قتل أشخاص خلال المعارك وربما بعدها ولكنني لم أعطِ رأيي حول ذلك؛ والآن بعدما بلغت الشيخوخة، لا أريد التعليق على تصرفاتي عندما كنت في سن الخامسة والعشرين”.

لا شك أن هذا البحث الذي يحمل عنوان “خروج العرب من قرى منحدرات الكرمل الجنوبي في العام 48” يشكل مادة متفجرة.  لقد أقر “كاتس” بنفسه أنه  احتار كثيراً قبل أن يكتب البحث، وعلى خلفية الموضوع، كان يعتقد أن هناك أشياء من الأفضل السكوت عنها حتى الآن. وقد كتب في بحثه أن “هناك اعتبارات، هي بمثابة إخراج الدببة من الغابة، بمعنى إعادة طرح قضايا حساسة قد تؤدي إلى وضع الجنود الذين خاضوا حرب 48 على مختلف رتبهم، وكذلك القيادة المدنية، أمام اختبار لأخلاق وقيم لا تتفق مع العصر الحاضر، بعد مضي خمسين عاما من حدوث الأشياء، في وقت كانت فيه الظروف مغايرة ولا زال قائما الشعور بالخطر الذي كان يتهدد قيامنا في العام 48 . هذا الموضوع، معقول، وإذا فسرناه بصورة تختلف عما يمكن أن نفسره، فإنه يحمل إجحافاً بإلقاء ظلال سيئة على جيل كامل من القادة العسكريين الإسرائيليين.

كان علينا أن نسير فوق أكوام من الجثث

على أحد جدران منزل عائلة “زراع” في الفريديس، علقت صورة كبيرة الحجم، تبدو فيها مئات النساء والأطفال من فئات السكان غير المحاربة من قرية طنطورة، مسقط رأسهم، وهم يقفون وحولهم حراسة من الشرطة العسكرية على بعد عشرات الأمتار من مبنى كان مخصصا لصناعة الزجاج، ينتظرون حتى يتم ترحيلهم عن القرية .. وفي أسفل الصورة كتب صاحب البيت بخط يده “كارثة طنطورة، 22 أيار 1948  – الذكرى والتاريخ”.

لقد كان لأحمد صالح زراع (أبو سهيل)، الذي توفي قبل ثمانية أشهر من كتابة البحث، ولزوجته “ميسر” العديد من الذكريات الجميلة في القرية قبل الاحتلال، وقد التقى “كاتس” بأبي سهيل قبل وفاته بعدة شهور. قال أبو سهيل: “كانت القرية مكاناً أجمل بكثير من حيفا، من مختلف النواحي، الجميع حضروا للصلاة في “طنطورة” التي كانت تتبع لها الأراضي التي أقيمت عليها مستوطنة “هبونيم” وكيبوتسين هما (معيان تسفي) و (معجان ميخائيل)، وبالقرب من المدرسة كانت هناك برك صغيرة كنا نربي فيها الأسماك”.

ويروي أبو سهيل: “حتى قبل وقوع الحرب، عشنا مع اليهود وتعاونا في مجالات مختلفة. وعندما نشبت الحرب حاول سكان كيبوتس “زخرون يعقوب” إقناع أهالي طنطورة بتسليم أنفسهم وإلقاء أسلحتهم .. ومن الواضح أنه لم يكن في استطاعة القرية الصمود زمناً طويلاً، ولكن شباب القرية كانوا أقوياء وأشداء وغير مستعدين للقبول بفكرة الاستسلام”.

قال أبو سهيل: “عندما بدأت المعركة حوالى منتصف الليل، دخل الجنود وأطلقوا النار دون تمييز باتجاه كل من وقعت عليهم أعينهم، وكانت الصورة تشبه حروب هتلر، أكوام من الجثث كُوِّمَت في الشوارع.  إنه منظر مفزع … حين تمّ نقلنا من مكان إلى آخر، كنا نسير على أكوام من جثث القتلى .. وبعد السيطرة على القرية جمعوا أبناءها على شاطئ البحر، الرجال على حدة، والنساء والأطفال على حدة، وبدأوا بنقل مجموعات من الرجال إلى المقبرة كي يقتلوهم”.

 

2-9-4- مقبرة جماعية
وقد التقى “كاتس” مع رسلان حسن أيوب عمر (أبو حسن) قبل سنتين في مخيم اللاجئين بطولكرم حيث يسكن هناك، قال أبو حسن “ان الدولة التي قامت على أساس وقواعد الجريمة، هي دولة زائلة، وأما الدولة التي تقوم على العدل فهي دولة دائمة” هذا ما ردده أبو حسن العجوز البالغ من العمر 75 سنة بعدما حاول عدة مرات التهرب من الاجتماع مع “كاتس”.
– وبعدما هدأت أعصابه روى “أبو حسن” لكاتس قائلاً: “بعد احتلال القرية جمعوا الناس على شاطئ البحر واختاروا سبعة كي يقوموا بجمع جثث القتلى، وكنت واحداً من السبعة، خلال عملية الجمع وجدنا جثتين وسط شجيرات الصبار، فخشيت الاقتراب منها لأنهما كانتا مليئين بالأشواك، عندما اقترب منا الضابط اشتكى الحارس من رفضي الدخول في وسط الصبار، في تلك اللحظة أخرج الضابط مسدسه وصوبه نحوي بهدف إطلاق النار علي، فلم يكن أمامي مفر فقفزت إلى داخل شجيرات الصبار وسحبت جثث الشهداء التي كانت هناك وقد امتلأت بالأشواك بطبيعة الحال.
“قمت بترتيب الجثث في أكوام من سبعة أو ثمانية أو عشرة. في آخر المطاف جمعنا 60-70 جثة وربما أكثر من ذلك، فلست أذكر بالضبط. حدثت هناك أمور كثيرة، فجأة قدم أحد الجنود وهو مصاب بيده وأعلم الحراس أنه ينوي إعدام اثنين منا بدلاً من الجرح الذي أصابه في يده، وأشار إلي وإلى الشخص الذي يقف بجانبي وأراد أن يقتادنا معه.
وقف الشخص الذي كان بجواري بلا اكتراث، فقد كان قد حمل جثث شقيقيه القتيلين، وسار للأمام مسافة (100م) إلى أن أطلق الجندي عليه النار وقتله، أما أنا خاطرت بنفسي ولم أنهض، وحالفني الحظ أنهم لم يقتلوني فوراً.
أحد الجنود تقدم مني وصوب سلاحه نحوي وأنهضني من مكاني وهو يدفعني في ظهري بعقب البندقية، نتيجة لذلك سقطت على الأرض وأصبت بكدمات لدرجة أن الآلام في ظهري تلازمني حتى الآن بعد مرور عشرات السنين.
يقول أبو حسن: ” نقلت النساء والعجائز إلى الفريديس بعد أن جردوهم من ممتلكاتهم الثمينة ومجوهراتهم، اقتيد كل من كان بين العاشرة حتى المائة للسجن، في البداية أخذوهم إلى زخرون يعقوب، وبعدها إلى “أم خالد”، وكان من بينهم من أرسل إلى أماكن أبعد. قبعت أنا في السجن في آخر المطاف مدة 11 شهراً “.
– محسن مرعي من مواليد الفريديس، كان في ذلك الحين فتى في السابعة عشرة من عمره، يقول أنه كان بين أولئك الذين أحضروا لدفن الموتى: “وصلنا بعد المعركة بيومين من أجل دفن الجثث وقمت بإدخال 40- 45 جثة في أحد القبور وأدخلت 42 جثة في قبر آخر، وفي حفرة ثالثة أدخلت تسعة جثث، بعد ذلك كانت هناك حفرة أخرى لثلاث نساء قتلن هن أيضاً “.

2-9-5- الزمرة يعرفون حرفة القتل

في السابع والعشرين من أيار (مايو)، 1948، بعد أيام من معركة الطنطورة، سجل نفتالي (توليك) ماكوبسكي في يومياته، وهو أحد جنود الكتيبة 33 الذي شارك في هذه العملية، ما يلي:

“ما تعلّمته هنا هو أن الجنود يتقنون حرفة القتل بشكل جيد. كان هناك بعض الأشخاص اليهود الذين قتلوا على يد العرب، وقد انتقم الجنود انتقامهم الشخصي بالقنص، شعرت أنهم ينفّسون عن كل الغضب، ويخرجون كل الأسى والمرارة التي تراكمت في نفوسهم؛ شعرت أن وضعهم أصبح أفضل بعد هذا العمل.  “ماكوبسكي” الذي سجل ذلك في دفتر يومياته، ورد في دراسة كاتس أنه قُتِل في معركة “الشيخ مؤنس” في الأول من حزيران 1948.

” شئ غير طبيعي في منتصف الليل “

شهادات السكان تتحدث عن وادي القتل في المقبرة وعن إطلاق نار بلا تمييز في القطاع الشمالي من القرية.

–          أحد الشهود هو مصطفى المصري (أبو جميل) البالغ من العمر 65 عاماً، التقيت به في الفريديس وهو في طريقة إلى أداء  الصلاة مثل الكثيرين غيره.  أبو جميل لم يتحمس للحديث عن الأمر، إلا أنه قال في آخر المطاف: “في الساعة الثانية عشرة ليلاً، سمعت صوتاً غير طبيعي، وكانت الحرب قد بدأت، كنت في ذلك الحين في الثالثة عشرة من عمري، فتوجهت لوالدي وسألته عن هذا الضجيج، فقال بأن هناك شيئا بين الجيران على ما يبدو”.

لم يكن والده مرتاحا للأمر على حد قول أبو جميل في ذلك اليوم، فطلب من كل أفراد الأسرة البقاء في البيت.  عندما رأى أن القرية قد احتلت، اقترح على جيرانه من قرية جسر الزرقاء أن يبقوا في بيته، وكان يعرف الكثيرين من اليهود في الجوار، فأمل أن يصل أحد من معارفه اليهود ليساعدنا في الخلاص من هذا الموقف. وهذا ما حدث، إذ قدم لبيتنا جندي كان يعرف الأسرة جيداً، “أنت تعرفنا منذ 20 سنة” قال له والد المصري، إلا أن الجندي رد عليه: “إياك أن تقول شيئاً كهذا، فأنا لا أعرف أحداً منكم”، رد عليه الوالد وهو مكسور الخاطر: “إن كان ما تقوله هنا معروفاً لدى الآخرين، فأنا لا أريد منك أي شيء”.

غادر الجندي المكان ونقل مسؤولية عائلة المصري إلى جندي آخر. هذا الجندي أبعد مصطفى وشاباً مريضا آخر عن البيت، وبعد ثوان معدودات، عندما كانا على مسافة (15) متراً منه، سمعا صوت إطلاق النار وفهما أن الجنود قتلوا كل أبناء الأسرة – 12 فرداً.

تحدث أبو جميل أيضاً عن قاتل يهودي تجول في شوارع البلدة وأطلق النار على المارة بشكل عشوائي كما يحلو له ودون سبب، بعد أن انتهت المعركة بساعات ” ناشده دافيد شيلي أن يكف عن إطلاق النار على العزل، كما لو أنهم طيور البط! ولم يكف عن فعلته إلا بعد جدل طويل”.

2-9-6- ذبحوا داخل بيوتهم

الموقع الثالث الذي ذبح فيه مشردو الطنطورة حسب شهاداتهم – إضافة إلى المقبرة والشوارع – كان في داخل البيوت خلال البحث عن السلاح. روى الشهود أن كل فتى ألقي القبض عليه خضع للتحقيق حول “سلاح موجود” بحوزته؛ أخرج الجنودُ المعتقلين لجمع الأسلحة من البيوت، “خرج الجنود مع السلاح، إلا أن الشبان لم يخرجوا من البيوت قط”.

وقال الشهود: تواصلت المذبحة لساعات طويلة؛ “التحضيرات للإعدام استكملت تقريباً”، قال الزوجان زراع لكاتس “جاء سكان زخرون يعقوب فجأة ليحاولوا إنقاذنا في اللحظة الأخيرة، نشب جدل حاد بين سكان زخرون يعقوب وبين الجنود؛ لم يرغب العسكر في التنازل، إلا أن سكان زخرون وقفوا حائلاً بيننا وبين الجنود وأصروا على أن لا يمس الجنود أي واحد من السكان المحليين، إذ كانوا يعرفون جميع من في القرية، ولو تأخر سكان زخرون ربع ساعة لكان كل شيء قد انتهى .

” عندما أخرجونا من البيت”، أضافت ميسر، “مررنا من أمام جثث كثيرة، وأجهشت الناس، خاصة النسوة، بالبكاء وهن يشاهدن جثث الموتى الكثيرة”.  أوقف الجنود الرجال في طابور مثل أبقار معدة للذبح، وبينما كنا في القرية، جمعوا القتلى في كومة واحدة على ارتفاع عدة أمتار وأحضروا جراراً كبيراً وحفروا حفرة عميقة ضخمة وألقوا فيها الجثث.  أنا متأكدة من أنهم كانوا ينوون إبادة كل أهل القرية، ولولا تدخل سكان زخرون يعقوب لما بقي أحد حياً من سكان الطنطورة”.

2-9-7- “أنا لست قاتلاً وليس لدي ما أخفيه”

أحد قادة اليهود الذي أُجريَتْ معه مقابلة في إطار بحث كاتس ويدعى مردخاي سوكولر من زخرون يعقوب، وعمره اليوم ثمانون عاماً، قاد في العام 1948 جنود لواء الكسندروني للطنطورة. حدثنا سوكولر قائلاً: “تقدمنا إلى داخل القرية، وفجأة سمعنا صوت الرصاص، فبدأنا نطلق في كل الاتجاهات لأننا لم نعلم من أين تأتي النيران”.

يقول سوكولر إنه شاهد في اليوم التالي عشرات الجثث ملقاة في أنحاء القرية، ويضيف:

“حفرنا حفرة كبيرة قبالة خطوط السكة الحديدية في خابية الزجاج (بناء موجود في المكان حتى اليوم)، وهناك وضعنا الجثث كما وجدناها بملابسها، بمساعدة سبعة من سكان قرية الفريديس، وكانت وجوه القتلى العرب معصوبة بالكفّيات.  وُضِعوا صفوفاً في قبر جماعي ضخم؛ لم يكن هناك أي تسجيل للقتلى، ولكني أذكر أننا أحصينا العدد ووصلنا إلى 230 تقريباً”.

هذه الأمور، كما يكتب كاتس في بحثه، تتناقض مع أقوال شاهد آخر واسمه أبو فهمي، الذي ذكر له أنه سجل بنفسه في دفترين أسماء القتلى ووصل إلى أعداد أقل بكثير.  إلى جانب ذلك، دارت شهادة أبي فهمي حول يوم احتلال القرية فقط، بينما قال عدة أشخاص في شهاداتهم في إطار البحث، إن دفن شهداء الطنطورة تواصل لعدة أيام.

يتذكر سوكولر كيف تكوّن في المكان “جبل موت” ضخم بعد يومين من عملية الدفن بسبب انتفاخ الجثث في القبر الجماعي، ولم يعد هذا “الجبل” إلى حالته المسطّحة إلا بعد أسبوعين”.

ضمير سوكولر “مرتاح تماماً بالنسبة لما حدث في الطنطورة”.  “أنا مقاتل” يقول بعد 52 سنة، “وهذا الأمر حدث في إطار المعركة، إذ أطلقوا النار علينا… لم نعرف من أين تأتي النيران، ولذلك أطلقنا النار في كل الاتجاهات.  أنا لست قاتلاً وليس لدي ما أخفيه”.  يضيف سوكولر أنه لم تجر مذبحة في داخل البيوت وفي المقبرة كما يقول اللاجئون.

لكن كاتس يكتب في بحثه بأن سوكولر مثل غيره من الشهود لم يكن موجوداً في موقع القتل الذي حدث في مكان آخر من القرية.

2-9-8- ” بحث عن مبررات محتملة “

حاول كاتس في بحثه فهم واكتشاف السبب الذي دفع جنود الكسندروني إلى التصرف على النحو الذي تصرفوا فيه.  أحد الأسباب المحتملة التي يطرحها في بحثه تزعم أن الجنود اليهود أصيبوا بصدمة قبل معركة الطنطورة بأسبوع، إذ قتل اثنان من زملائهم داخل سيارة.

في محاولة من كاتس لاكتشاف أسباب محتملة أخرى كانت وراء ما حدث، توجه إلى الحنان عناني الذي كان في العشرين من عمره حينها وتمّ إلحاقه بالسرية (أ) في هذه العملية.  عناني كان قد قدم إلى البلاد قبل ذلك بخمسة عشر عاماً، بعد أن فرّ مع أبناء عائلته من النازيين.

يقول كاتس، ربما كان هذا هو سبب بحثه عن تفسيرات لما حدث في الطنطورة .

خلافاً للجنود الآخرين من الوحدة الذين لم يذكروا ظاهرة القتل الجماعي، قال عناني لكاتس :

” صدقني لقد شغلني، خلال كل السنوات الطويلة التي مرت، السؤال عما حدث في ذلك اليوم في الطنطورة! من المحتمل أن يكون ما حدث مرتبطاً بفقداننا قبل ذلك بأسبوع لعدد كبير من خيرة زملائنا في معركة كفر سابا العربية، الأمر الذي جعل الجنود يخوضون معركة الطنطورة وهم مشبعون بمشاعر الانتقام”.

عناني قال أيضاً إنه في عدد كبير من الوحدات، بما فيها وحدته، كان الجنود متعطشين للدم بشكل غير عادي، وفي بعض الأحيان، كان من الصعب جداً السيطرة عليهم، “إلى جانب ذلك، لم تكن هناك سياسة واضحة بشأن إطلاق النار على الناس بعد استسلامهم”.

–          أكد اللواء احتياط بنتس فريدان، قائد العملية في الطنطورة، وبعدها قائد لواء الكسندروني، أن عدداً كبيراً من السكان المحليين العرب قد قتل في معركة الطنطورة..”هذه كانت حرباً، وفي الحرب، خصوصاً التي تجري في منطقة سكنية، يقتل الناس.  عندما ترى عدواً أمامك ولا يوجد على جسده ورقة كتب عليها أنه لا ينوي قتلك، أنت تبادر لإطلاق النار عليه، على هذا النحو انتقلنا من شارع إلى شارع، وبذلك قتل عدد كبير من الناس”.

يرفض فريدان بشدة الشهادات حول حدوث مذبحة جماعية في المقبرة وحول قتل الناس داخل بيوتهم.

ابراهام أمبر الذي كان ضابط قسم في اللواء العسكري، ويبلغ اليوم 73 عاماً، يعبّر عن تحفظه على بحث كاتس.   “في كل مرة يظهر صديق ما ويشعر بالحاجة إلى القول إن اليهود قتلوا العرب، لماذا لا يحققون في كل أعمال القتل التي اقترفها العرب ضد اليهود؟” حسب قوله.

2-9-9- شهادات أخرى عن المجزرة

وبينما تواصلت في المحكمة المركزية في تل أبيب محاكمة الباحث الإسرائيلي تيدي كاتس الذي كشف عن مجزرة الطنطورة التي نفذت في العام 1948، مَثُل أمام المحكمة العديد من شهود العيان الفلسطينيين، أبناء قرية الطنطورة الذين يدعمون وجهة نظر الباحث كاتس حول وقوع المذبحة، ومن بينهم فوزي طنجي (73 عاماً) من مخيم طولكرم للاجئين الذي قال في شهادته أمام المحكمة

” لقد جمعونا على الشاطئ وفصلوا النساء عن الرجال ثم أخذوا كل سبعة إلى عشرة رجال وأوقفوهم في الشارع أمام المسجد وأطلقوا عليهم النار؛ وأضاف، لقد قتلوا تسعين شخصاً” .

–          في المقابل، قال قائد لواء وحدة السكندروني التي نفذت المجزرة أمام المحكمة، إن شيئاً لم يحدث في طنطورة.

–          ووجه محاربو وحدة السكندروني المذكورة للباحث كاتس تهمة القذف والتشهير وتزييف الشهادات وطالبوه بتعويض بمقدار 101 مليون شيكل.

–          وكانت العديد من المؤسسات الفلسطينية العاملة في فلسطين 48، وفي مقدمتها لجنة المهجرين، قد أعربت عن دعمها للباحث كاتس في قضيته العادلة، بينما أعربت عدة مؤسسات إسرائيلية ليبرالية عن اعتقادها بأن تقديمه للمحاكمة، محاولة لِكَمّ الأفواه.

ودافع عن الباحث كاتس المحامي المعروف افيغدور فيلدمان الذي قال إن هناك شهادات إضافية غير التي وردت في البحث، تدعم وجهة نظر الباحث وتؤكد وقوع المجزرة.  يذكر أن الباحث كاتس كان قد أجرى بحثه المذكور في إطار دراسته الأكاديمية في “جامعة حيفا”.

2-9-10- كبار السن دفنوا أبناءهم في مقبرة جماعية :

–          لا يزال اللاجئ السبعيني قاسم محمد أحمد عبيد من مخيم جنين، يحمل في عظم ساعده الأيمن، العيار الناري الذي أصابه في العام 1948، وتحديداً في معركة الدفاع عن الطنطورة داخل “الخط الأخضر”، حيث اشتبك الفلسطينيون مع العصابات الصهيونية في معركة ضارية للدفاع عن القرية التي شهدت واحدة من أبشع المجازر التي استهدفت الشعب الفلسطيني في عام النكبة (1948).

وقد تحدث عبيد خلال حلقة من حلقات برنامج “ذاكرة المكان” الذي تنظمه مديرية الثقافة الفلسطينية في محافظة جنين، بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة والخمسين للنكبة، فركّز خلالها على قريته المدمرة “كفر لام” القريبة من مدينة حيفا والتي دمرتها العصابات الصهيونية، بعد أن قتلت العديد من أهلها وشردت من تبقى منهم.

وبدأ اللاجئ عبيد، الذي يقطن مع أبنائه وأحفاده في مخيم جنين، الحديث عن رحلة اللجوء والتشرد، بالإشارة إلى قريته التي تبعد عن حيفا 21 كيلو متراً إلى الجنوب، وترقد على ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي تغسل أمواجه سهولها الغربية، وتتداخل بيوتها الشمالية التي تحولت إلى أطلال مع قرية صرفند المجاورة، فيما تتعانق سهولها الجنوبية مع سهول الطنطورة.

وكان أهالي “كفر لام” البالغ عددهم نحو 400 نسمة ينتمون إلى عشر عائلات، يعتمدون في مصدر رزقهم على فلاحة أراضيهم التي كانت مساحتها تتجاوز خمسة آلاف دونم، ويزودون حيفا ويافا وعكا بمحصول الخيار الذي كانت قريتهم تشتهر بزراعته نظراً لوفرة عيون المياه العذبة فيها.

وبدأ التعليم في القرية مبكراً، فكان مركزه المسجد قبل أن تبنى مدرسة لأبناء القرية، في صرفند، يدرس الطلبة فيها من الصف الأول ولغاية الرابع الابتدائي، ومن ثم يكملون في مدرسة الطنطورة.

وعلى صعيد المواصلات، قال عبيد إنها كانت ميسّرة إلى حيفا عبر خط للباص ينطلق من الطنطورة إلى القرية مروراً من عين غزال وصولاً إلى حيفا، ما سهّل حصول المرضى على العلاج في مستشفى “رمبام” في حيفا.

بعد ذلك، بدأ عبيد يستعرض الدور الوطني الذي لعبته قريته، فقال “تعرّضت “كفر لام”، مرات كثيرة، للحصار العسكري المشدد من قوات الانتداب البريطاني بحثاً عن ثوار ثورة 36، وتعرّضت للكثير من المضايقات والعقوبات الجماعية التي لم تثن أهلها عن القيام بدورهم وواجبهم الوطني في مؤازرة الثوار ودعمهم.

وفي ما يتعلق بالعلاقة مع اليهود، قال عبيد إنها بقيت هادئة حتى تفجرت أواخر العام 47، حين هددت العصابات الصهيونية الأهالي بالقتل بهدف الضغط عليهم للخروج من قريتهم، حتى هاجمتها، ما اضطر الأهالي العزل إلى الهروب باتجاه عين غزال واجزم وجبع والفريديس، التي تحولت في ما بعد إلى نقاط للمواجهات الضارية مع العصابات الصهيونية المسلحة والمدعومة من قوات الانتداب البريطاني، إذ تعرضت عين غزال واجزم وجبع للهجوم الجوي من أربع طائرات، فقتل بالقنابل العشرات من السكان وهدمت الكثير من المنازل .

وعندما بدأ عبيد الحديث عن مجزرة الطنطورة، رفع ساعده الأيمن ليشير إلى موقع إصابته بعيار ناري لا يزال مستقراً في ساعده، أصيب به خلال معركة ضارية مع العصابات الصهيونية للدفاع عن القرية.

وأضاف: “حاصرت العصابات الصهيونية الطنطورة من جهة الشمال ووقعت معركة حامية الوطيس قصفت خلالها تلك العصابات القرية من البر والبحر والجو قبل أن تقتحمها وتدنس حرمة مسجدها، ومن ثم طلبت عبر مكبرات الصوت من السكان الخروج من منازلهم والتوجه نحو الساحل، وهناك بدأت العصابات الصهيونية تنفيذ مجزرتها “.

وعن تفاصيل مجزرة الطنطورة قال عبيد: “كانت العصابات الصهيونية تنتقي الشبان على شكل مجموعات، كل واحدة منها مؤلفة من عشرة شبان على الأقل. كانت تلك العصابات تقتادهم بعيداً عن أعين الناس وتأمرهم برفع أيديهم وإدارة وجوههم نحو الحائط قبل أن تطلق الرصاص عليهم لترديهم جميعاً شهداء، ومن ثم تأمر كبار السن بحمل الشهداء وإلقائهم في مقبرة جماعية حفرتها جرافات العصابات الصهيونية.  وهكذا حتى تكرر المنظر أكثر من عشر مرات “.

وكان عبيد أحد أفراد المجموعة التالية من الشبان الذين من المفترض أن تقتلهم العصابات الصهيونية في إطار حرب الإبادة الجماعية، ولكن تدخل “مختار” مستوطنة “زمارين” الذي كان على علاقة ومعرفة بعموم الأهالي، فحال دون الاستمرار في عملية الذبح الجماعي، فنقل من نجا من المجزرة إلى موقع اعتقال في مدينة أم خالد “نتانيا”، حيث تمكن عبيد من الهرب بعد عام من السجن، فاراً باتجاه قلقيلية، ومن ثم إلى نابلس، وصولاً إلى جنين.

–          وما أنعش الذاكرة الزاخرة بالمعلومات للاجئ عبيد، مشاركته في الشهادة الحية مع ابن جيله اللاجئ يوسف الحاج داود

 الذي قال: “بعد أن نفدت الذخيرة الحية التي بحوزة قرى عين غزال واجزم وجبع، وتحديداً بتاريخ 25/7/1948 ، بدأت رحلة التهجير والتشريد، فتوجهنا إلى جنين، وبسيارات عراقية توجهنا بعدها إلى بغداد حيث نزلنا في مدارس حي القرارة مدة شهرين “.

وتابع داود وهو يدلي بشهادة النكبة: “أقمنا مدة عام كامل في ثكنات الجيش البريطاني في البصرة، حتى تقدمنا بعريضة لرئيس الفرقة العراقي المسؤول عن اللاجئين للعودة إلى فلسطين، فتمت الموافقة على طلبنا بالعودة وكان عددنا 170 لاجئاً، نقلتنا السيارات إلى الحدود الأردنية، حيث مكثنا ثلاثة أيام في حالة من الجوع والعطش، حتى تم ترحيلنا إلى الضفة الغربية باستثناء 30 لاجئاً توجهوا إلى سورية “.

2-9-11- بني موريس يشهد

من جهته، زعم المتحدث الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي، في تعقيب له على وقائع المذبحة التي ترويها دراسة الباحث الإسرائيلي من جامعة “حيفا”، قائلاً:

” حسب المعلومات المتوفرة في حوزة الجيش الإسرائيلي، لا توجد أي دلائل على مذبحة ارتكبت ضد سكان قرية طنطورة وقت احتلال القرية في أيار من العام 1948 “.

ويقول المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي:

“قرية “الطنطورة”، في بداية أيار 1948، هي من أواخر القرى العربية الباقية في شريط السهل الساحلي الممتد من منطقة زخرون يعقوب “جنوب حيفا” حتى تل أبيب، والتي لم تكن قد خضعت للاحتلال بعد.

وفي أيار، عقد اجتماع بين ضباط الاستخبارات المحليين في عصابة الهاغانا الإسرائيلية وبين خبراء إسرائيليين في الشؤون العربية لتقرير مصير الطنطورة وبضع قرى أخرى”، واتخذ القرار، بحسب ما ذكر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، بـ “طرد السكان أو إخضاعهم”.

ويؤكد كتاب “تاريخ حرب الاستقلال”، على “أن القرار نُفذ في الطنطورة بعد أسبوعين، ليل 22-23 أيار،

إذ هاجمت الكتيبة الثالثة والثلاثون في الهاغانا “، الكتيبة الثالثة في لواء الكسندروني” القرية التي سقطت بعد معركة قصيرة “.

وكتب موريس :

“كان من الواضح أن قادة لواء الكسندروني أرادوا القرية خالية من سكانها وأن بعض هؤلاء السكان على الأقل طرد”، وجاء في بلاغ عسكري إسرائيلي صدر في 23 أيار 1948 وأوردته صحيفة “نيويورك تايمز” “، أن مئات من العرب وقعوا في أيدينا فضلاً عن كميات كبيرة من الغنائم “.

وقد أورد مراسل الصحيفة ادعاء الهاغانا المستبعد، وهوأن القرية كانت نقطة تهريب للمتطوعين المصريين القادمين إلى فلسطين بحراً، غير أن معاناة السكان لم تنته بطردهم، فقد ذهب بعضهم إلى المثلث، بينما طرد نحو 1200 شخص إلى قرية الفريديس المجاورة والتي كانت قد سقطت من قبل.

وفي آخر أيار 1948 ، سأل وزير الدولة الإسرائيلي بيخور شيطريت رئيس حكومته دافيد بن غوريون: “أيجب طرد سكان الطنطورة من الفريديس أيضاً؟”.  ويشير موريس إلى “أن معظم السكان كانوا قد طردوا في الصيف من الأراضي التي يسيطر عليها الإسرائيليون، وأن 200 شخص تقريباً مكثوا في الفريديس ومعظمهم من النساء والأطفال”.

Deir yassin

مجزرة دير ياسين:

ليس عبثا أن ترفض المحكمة العليا الإسرائيلية التماسا للباحثة اليهودية “نيطع شوشاني” بفتح ملف مجزرة دير ياسين، فالذي وقع هناك أبشع من أي وصف
كشفت الباحثة شوشاني “أن محكمة العدل العليا في إسرائيل رفضت الالتماس الذي تقدمت به لفتح مجاميع أرشيف الجيش الإسرائيلي الخاصة بمذبحة دير ياسين التي صادفت الجمعة ذكراها الـ63″،

وطالبت شوشاني ب”إلزام الجيش الإسرائيلي بفتح أرشيفه للاطلاع على صور مجزرة دير ياسين كان قد التقطها مصور الهاغاناه”، وقالت “إن المحكمة العليا بهيئة ثلاثة قضاة بحثت الاستئناف وقررت رفضه بدعوى أن “الجراح لم تلتئم بعد/ الجزيرة نت-   08/04/2011 “، وأوضحت “إنه تم التداول بالالتماس دون مشاركتها أو مشاركة المحامية الموكلة من طرفها، في حين شارك مندوبون عن الحكومة والأجهزة الأمنية الذين قالت الباحثة “إنهم عرضوا أمام القضاة صوراً مروعة للمذبحة التي راح ضحيتها مئات العرب”.

إذاً، الجراح لم تلتئم من وجهة نظر مجرمي الحرب، فكيف يمكنها أن تلتئم من وجهة نظر الضحية؟!

تشير الذاكرة الوطنية الفلسطينية إلى أن المجزرة الجماعية التي نفذتها القوات الصهيونية ضد أهالي دير ياسين كانت الأخطر والأشد تأثيراً على مجريات حرب 1948 ونتائجها، إذ استثمرها القادة الصهاينة في نشر الإرهاب والرعب في نفوس الفلسطينيين .

فدير ياسين قرية عربية تقع غرب القدس، وترتفع 770 متراً عن سطح البحر، وهي غنية بالآثار من العقود والمدافن، وبيوتها حجرية؛ طرقها أزقة ضيقة متعرجة تبلغ مساحتها 12 دونماً، وتتبعها أراضٍ بمساحة 2857 دونماً؛ بلغ عدد سكانها في العام 1945م نحو 800 نسمة، وتقوم اليوم فوق أنقاضها مستوطنة يهودية تدعى “جفعات شاؤول” وهي تتبع حدود بلدية القدس.

2-8-1- أما تفاصيل المجزرة كما وقعت فهي كما وثقت في عدد من المصادر كما يلي :

” قبيل بزوغ فجر يوم الجمعة التاسع من نسيان في العام 1948 وتحت جنح الظلام، توجه أكثر من 100 شخص من عصابات الأرغون والهاغاناه الإسرائيلية مسلحين بالرشاشات والبنادق الأوتوماتيكية والقنابل اليدوية والمدي للقيام بمهمة أمر بها الإرهابي المعروف مناحيم بيغن.

تتمثل تلك المهمة في إفراغ قرية دير ياسين العربية الفلسطينية من سكانها العرب والقضاء عليهم أو في أحسن الاحتمالات، اضطرارهم تحت وابل النيران إلى النزوح إلى مدينة عين كارم المجاورة التماساً للنجاة، وضحى هؤلاء بعنصر المباغتة عندما أرسلوا في مقدمتهم سيارة عسكرية مصفحة ومسلحة، دخلت القرية وطلبت من أهلها عبر مكبر الصوت إخلاء قريتهم، ولكن المواطنين تصدوا للسيارة وأمطروها بوابل من النيران جعلها تنحرف لتقع في خندق عند مدخل القرية مؤذنة بنشوب المعركة.

فاقت المقاومة العربية الفلسطينية، كما تورد صحيفة جيروزاليم بوست، توقعات عصابات اليهود التي كانت تنوي، مع سبق الإصرار، إخلاء القرية وقتل من فيها، وما بزغ الفجر حتى صعّد هؤلاء هجومهم وعملياتهم العسكرية محاولين التقليل من الإصابات في صفوفهم عن طريق نسف مداخل البيوت الحجرية بالقنابل ثم مداهمتها وإزهاق أرواح الموجودين، وانضم إلى هؤلاء في ما بعد أعضاء من عصابات بالماخ، قاموا بقصف الطريق المؤدية إلى القرية لردع الجنود العرب الذين جاؤوا من عين كارم لنجدة القرية، مستعملين – “أي أعضاء العصابات”- قنابل المورتر في جهود لإسكات مصادر المقاومة الفلسطينية في القرية.

ووصلت المعركة إلى نهايتها بعد الظهيرة وسيطر اليهود على القرية وتم حشر الفلسطينيين الذين أُسقط في أيديهم في سيارات عسكرية طافت بهم شوارع القدس الغربية ثم القدس الشرقية حيث تم إنزالهم. وقد لقي العشرات من الشيوخ والنساء والأطفال حتفهم في هذه المذبحة، فيما قتل خمسة من العصابات وجرح أكثر من ثلاثين شخصاً ” .

وتختلف بعض الروايات حيال أحداث المعركة عن بعضها الآخر.

ففي حين يقال ” إن جنوداً عرباً، معظمهم عراقيون، كانوا يتخذون مراكز لهم في دير ياسين منذ شهر آذار 1948، تنفي غيرها هذه المقولة وتؤكد أن عصابات الأرغون وليحي كانوا يتوقعون عند دخول القرية أن يغادر أهلها منازلهم، ولكنهم فوجئوا بالمقاومة العنيفة وإطلاق النار من كل منزل تقريباً، إلى أن رجحت كفة العصابات بعد معركة استمرت من الخامسة صباحاً حتى الثانية من بعد الظهر. وكانت القرية أشبه بقلعة محصنة؛ وتم الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي مكّنت أهل القرية من الصمود كل تلك المدة. ويقول آخرون من اليهود أنفسهم إن أعضاء العصابات الذين هاجموا القرية تصرفوا برعونة وطيش ووحشية”، ويقول مائير بعيل، وهو أحد رواد الاستخبارات في عصابة الهاغاناه “إن مقاومة الفلسطينيين كانت ضعيفة وإن مقاتلي اليهود كانوا حمقى”، كما أن تصبان يائير الذي كان وزير الهجرة والاستيعاب وعضواً في الكنيست”، كان عضواً في الفريق الذي أرسل لدفن جثث القتلى الفلسطينيين بعد المجزرة، يقول إنه “لم يعثر على الكثير من الطلقات الفارغة، ما يدحض المزاعم بوجود مقاومة قوية “.

وانتشرت أقوال بـ” أن الفظائع التي ارتكبت خلال تلك المجزرة تجل عن الوصف، إذ شوهدت الجثث ممثلاً بها والمدنيون قتلوا طعناً بالسكاكين والمدى، وثبت أن حالات إعدام حصلت بعد انتهاء المعركة بوقت طويل.

وأورد بعيل في تقرير رفعه إلى رؤسائه في عصابة الهاغاناة مقتطفات من شعر يهودي قيل بعد المذابح التي حصلت لليهود في روسيا في العام 1903 جاء فيه، وهو بعنوان مدينة القتل:  “انهضوا الآن واذهبوا إلى مدينة القتل وشاهدوا الدماء المتناثرة والأدمغة المبعثرة والأعضاء المقطعة للقتلى على الجدران والحجارة والأسيجة والطين وفي كل مكان ” .

ويضيف بعيل “أن مقاتلي العصابات السرية قاموا بعرض 23 سجيناً عربياً في شارع محنيه يهودا أمام جمهور كبير من المتفرجين ثم ساقوهم إلى أحد مقالع الحجارة قرب منطقة جيفات شاؤول الحالية وأعدموهم جميعاً ” .

قام جاك رينيه ممثل الصليب الأحمر في القدس بزيارة دير ياسين يوم 11/4/1948 وقال “إن الضابط اليهودي في المكان، كانت تنطلق من عينيه نظرات نارية فضلاً عن برود ووحشية في آن معاً، وقد تم القتل بوحشية باستعمال بنادق أوتوماتيكية وقنابل يدوية، ثم أجهزوا على الباقين باستعمال المدي، إن ذلك أمر واضح يمكن لأي شخص أن يتلمسه” .

وقال”إن مجندة يهودية أطلعتنا على سكين كانت تحملها في يدها وهي ما زالت تقطر من دم الضحايا، وتستعرضها كأنها وسام شجاعة حصلت عليه. وأشار إلى اليهود الذين شاركوا في المذبحة بقوله “هؤلاء الحيوانات … ” .

وقال “إن عدد الضحايا فاق 350 شخصاً وهو يزيد عن التقديرات التي أوردتها المصادر العربية”.

وقال الضابط البريطاني الذي تولى التحقيق “إن هناك شواهد عديدة على حدوث حالات اغتصاب للنساء على أيدي اليهود المهاجمين، وكذلك، فإن الكثير من طالبات المدارس قد تعرضن للاعتداء الجنسي الوحشي عليهن ثم تم الإجهاز عليهن ذبحاً، كما تم الاعتداء على نسوة متقدمات في السن”.

كما جاء في وصف المجزرة:

” بدأ الهجوم والأطفال نيام في أحضان أمهاتهم وآبائهم، وقاتل العرب، كما يقول مناحيم بيغن في حديثه عن المذبحة، “دفاعاً عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة “، فكان القتال يدور يدور من بيت إلى بيت ، وكان اليهود كلما احتلوا بيتاً فجروه، ثم وجهوا نداء للسكان بوجوب الهروب أو ملاقاة الموت؛ وصدق الناس النداء، فخرجوا مذعورين يطلبون النجاة لأطفالهم ونسائهم، فما كان من عصابات شتيرن والأرغون إلا أن سارعت إلى حصد من وقع في مرمى أسلحتهم. وبعد ذلك، أخذ الإرهابيون يلقون القنابل داخل البيوت ليدمروها على من فيها، في صورة همجية قلّما شهدت مثلها البشرية إلا من حثالات البشر، وكانت الأوامر تقضي بتدمير كل بيت. وسار خلف رجال المتفجرات إرهابيو الأرغون وشتيرن، فقتلوا كل من وجد حياً، واستمر التفجير بهذه الهمجية حتى ساعات الظهر من يوم 10 نيسان/ أبريل 1948، ثم جمعوا الأحياء إلى جانب الجدران وحصدوهم بالرصاص” .

ثم جاءت وحدة من الهاغاناه بقيادة بنشورين شيف “فحفرت قبراً جماعياً دفنت فيه مائتين وخمسين جثة عربية أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ”.

يروي الناجون من المذبحة شهاداتهم للسلطات البريطانية قائلين:

–          “تم إيقاف عائلات كاملة بجوار الحائط ثم أُطلقت عليها النيران من البنادق، بنات صغيرات تم اغتصابهن، امرأة حامل تم ذبحها أولاً ثم بُقِرَ بطنها بسكين جزار، حاولت فتاة صغيرة أخذ الجنين من بطن المقتولة فتم إطلاق النار عليها؛ بعض أعضاء الأرغون أحالوا  الجثث إلى قطع بسكاكينهم؛ تمّ قطع أو جرح أيدي النساء وآذانهم لسرقة أساورهنّ أو خواتمهنّ” .

–          ” كان العروسان في حفلتهما الأخيرة أول الضحايا، فقد قذفا قذفاً وألقي بهما مع ثلاثة وثلاثين من جيرانهم، ثم أُلصقوا على الحائط وانهال رصاص الرشاشات عليهم وأيديهم مُكتّفة.  وقد روى الحادثة فتى يانع في الثانية عشرة من العمر، وهو الناجي الوحيد واسمه فهمي زيدان قائلاً: أمر اليهود أفراد أسرتي جميعاً بأن يقفوا، وقد أداروا وجوههم إلى الحائط ، ثم راحوا يطلقون علينا النار، أصبت في جنبي، واستطعنا نحن الأطفال أن ننجو بمعظمنا لأننا اختبأنا وراء أهلنا، مزق الرصاص رأس أختي قدرية البالغة من العُمر أربع سنوات، وقُتِل الآخرون الذين أوقفوا إلى جانب الحائط: أبي وأمي وجدي وجدتي وأعمامي وعماتي وعدد من أولادهم “.

–       وتقول حليمة عيد، امرأة شابة في الثلاثين من عمرها، ومن أكبر أسر قرية دير ياسين: رأيت رجلاً يطلق رصاصة أصابت عنق زوجة أخي خالدية، التي كانت موشكة على الوضع، ثم أخذ يشق بطنها بسكين حامية، ولما حاولت إحدى النساء إخراج الطفل من أحشاء الحامل الميتة، قتلوها أيضاً، واسمها عائشة رضوان.  وفي منزل آخر، شاهدت الفتاة حنة خليل (16عاماً)، رجلاً يستل سكيناً كبيرة ويشق بها من الرأس إلى القدم جسم جارتنا جميلة حبش، ثم يقتل بالطريقة ذاتها، على العتبة، جارنا فتحي”.

و”تكررت تلك الجرائم الوحشية من منزل إلى منزل.  وتدل التفاصيل التي استقيت من الناجين، على أنه لم تكنِ النساء أو الفتيات اللواتي يرافقن العصابة الإرهابية القائمة بالمجزرة، أقل وحشية، فأصوات القتلى المتكررة وانفجار القنابل اليدوية ولعلعة الرصاص، ورائحة الدم والأحشاء الممزقة المفتوحة الممتزجة برائحة المحترق والموتى … كل ذلك كان يجثم بثقله على دير ياسين ويغرقها بالدم والذعر، وجزاروها ماضون في السلب والنهب والتدمير والتقتيل وانتهاك الحرمات واغتصاب النساء والفتيات”.

–          تصف صفية، وهي امرأة في الأربعين من عمرها، كيف فوجئت برجل قد فتح سرواله وانقض عليها: “رحت أصرخ وأولول … وحولي النساء يصرخن على مصيري ذاته، وبعد ذلك … انتزعوا ثيابنا وجردونا منها ليلامسوا نهودنا وأجسامنا بحركات لا توصف، وقد حاول بعضهم انتزاع الأقراط من أذاننا، فتمزقت وتقطعت ؛ وكانوا يلقون بعض الضحايا في آبار القرية”.

ورغم أن المجزرة لم تمتد لأكثر من 13 ساعة، غير أن الإرهابيين الصهاينة استطاعوا قتل ما لا يقل عن 25 امرأة حاملاً، وأكثر من 52 طفلاً دون سن العاشرة، وقد قُطِّعّت أوصالهم، إضافة إلى تدمير مدرسة أطفال القرية بالكامل، وتمّ قتل معلمتهم فيها؛ وقد وصل العدد إلى ما يزيد عن 250 شهيداً في متوسط التقديرات.  وأما من بقي من النساء أحياء، فقد تم تجريدهن من ملابسهن ووضعن في سيارة شحن مع الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة، ونقلوهم إلى بوابة مندلباوم، وطافت بهم الشوارع الأحياء اليهودية من القدس”.

ويعلن قائد وحدة الدفن، شيف، ما شاهده بقوله: “كان ذلك النهار يوم ربيع جميل رائع، وكان قد اكتمل تفتح أزهار أشجار اللوز، لكن رائحة الموت الكريهة ورائحة الدمار كانت تأتي من كل ناحية من القرية “.

ويصف مائير بعيل، كولونيل احتياط والضابط في صفوف عصابات الأرغون يومها، ما رآه بعينه، فيقول في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية: ” بعد توقف إطلاق النار، وكان الوقت ظهراً، بدأ المهاجمون تنفيذ عملية تطهير المنازل، وأخرجوا خمسة وعشرين رجلاً نقلوا في سيارة شحن واقتيدوا في جولة “انتصار” في حي محانيه يهودا، وفي نهاية الجولة أُحضروا إلى مقلع للحجارة بين غفعات شاؤول ودير ياسين وأُطلق الرصاص عليهم بدم بارد، كما قاد المهاجمون النساء والأطفال وأصعدوهم إلى سيارة شحن ونقلوهم إلى بوابة مندولباوم، وقد رفض قادة المنظمات المشاركة في دفن 254 ضحية عربية كانت جثثهم مبعثرة في القرية .. ” .

ويقول المؤرخ الإسرائيلي أرييه يتسحافي، وهو باحث سابق في الجيش الإسرائيلي: “إذا أجملنا الحقائق ندرك أن مجزرة دير ياسين كانت إلى حد بعيد طابعاً مألوفاً لاحتلال قرية عربية؛ ونسف أكثر عدد من المنازل فيها، وقتل في هذه العمليات الكثير من النساء والأطفال والشيوخ ” .

ويضيف مئير بعيل أيضاً في يديعوت أحرونوت: “بدأ رجال “إتسل” مذبحة مخجلة بين السكان، والرجال والنساء والشيوخ والأطفال دون تمييز، أوقفوهم بجانب الجدران وفي الزاويا داخل المنازل؛ وكان عدد القتلى 254 شخصاً، وثمة شهادات مصوّرة تثبت ذلك”، ويضيف في مكان آخر: “لقد كانت في دير ياسين مذبحة، كانوا يتنقلون من بيت إلى بيت وهم يذبحون ويقتلون”، وقال إنه “يملك صوراً”؛ لكنْ، لم يتم الكشف عنها في أرشيف الحكومة حتى بعد وفاته في 1986 ” .

ويصف جاك رينيه رئيس بعثة الصليب الأحمر في فلسطين في العام 1948 ، الإرهابيين – الذين نفذوا المذبحة في دير ياسين – “بأنهم شبان ومراهقون، ذكور وإناث، مدججين بالسلاح (المسدسات والرشاشات والقنابل اليدوية)، وأكثرهم لا تزال أياديهم ملطخة بالدماء ويحملون بها خناجرهم الكبيرة ( تعبيراً عن عمليات الذبح التي قاموا بها وليس إطلاق النار)، وقد عرضت فتاة جميلة تطفح عيناها بالجريمة يديها وهما تقطران دماً، وكانت تحركهما وكأنهما ميدالية حرب”.

ويضيف قائلاً: “دخلت أحد المنازل، فوجدته مليئاً بالأثاث الممزق وكافة أنواع الشظايا، ورأيت بعض الجثث الباردة، فأدركت أنه هنا تمت التصفية بواسطة الرشاشات والقنابل اليدوية والسكاكين!! وعندما هممت بمغادرة المكان سمعت أصوات تنهدات، وبحثت عن المصدر، فتعثرت بقدم صغيرة حارة، لقد كانت فتاة في العاشرة من عمرها مزقت بقنبلة يدوية لكنها لا تزال على قيد الحياة، وعندما هممت بحملها حاول أحد الضباط منعي، فدفعته جانباً ثم واصلت عملي! لم يكن هناك من الأحياء إلا امرأتان إحداهما عجوز اختبأت خلف كومة من الحطب.  وكان في القرية 400 شخص، هرب منهم أربعون وذُبح الباقون بدم بارد”، (… أي تجاوز عدد الشهداء الثلاثمائة والستين شخصاً معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ حسب تقديره).

وقد تفاخر مناحيم بيغن – رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق – بهذه المذبحة في كتابه “الثورة” قائلاً: “كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي، فأخذوا يفرّون مذعورين” .. فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض إسرائيل الحالية (بينما تتحدث المصادر العربية عن أكثر من مليون في فلسطين المحتلة في العام 48) لم يتبق سوى 165ألفاً.  وبذلك يعتبر بيغن أن العملية خدمت استراتيجية الحركة الصهيونية، ويعيب على من تبرأ منها من زعماء اليهود ويتهمهم بالرياء!! ويقول بأنها “تسببت بانتصارات حاسمة في ميدان المعركة”. ويصل الحد ببعضهم ليدّعي أنه من دون دير ياسين ما كان ممكناً لإسرائيل أن تظهر إلى الوجود.

” وقد بقيت اتسل، في ما بعد، متمسكة بمواقفها تجاه المجزرة، ولم يحدث عليها أي تغيير، وذلك خلافاً لليحي التي دافعت عنها في بداية الأمر بكل قوة معتبرة ما ارتكبته عناصرها بمثابة “واجب  إنساني” .

Dawayma

مجزرة الدوايمة – تحطيم جماجم الأطفال …

إن المؤامرة التي حدثت قبيل إقامة الدولة العبرية ضد الشعب الفلسطيني لتفريغ فلسطين من أهلها، وعمليات الترحيل القسري (الترانسفير) المخطط لها منذ سنين، وتواطؤ الدول العظمى، وعدم تنبه الأنظمة العربية للمشروع الصهيوني، أدى إلى تهيئة المناخ لتطبيق هذا الفكر الإرهابي على شعب أعزل؛ فقام أقطاب الإرهاب الصهيوني أمثال ( بن غوريون، وموشيه ديان وإسحق شامير ومناحيم بيغن)  بجرائم منظمة في العام 1948، أدت إلى تدمير أكثر من (500) قرية بالكامل وتشريد أهلها وارتكاب أبشع المجازر في نحو (35) قرية.

ومن هذه القرى التي ارتكبت فيها المجازر (قرية الدوايمة)، قضاء الخليل، التي هاجمتها (كتيبة الكوماندوس 89) التابعة للواء الثامن الصهيوني بقيادة موشيه ديان، والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي (شتيرن والأرغون)؛ لقد حاولت دولة العصابات، جادّةً، طمس معالمها وتفاصيلها، فصدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي، ومنع التحقيق في المجزرة.

–          الموقع :

تقع الدوايمة على بعد 24 كم إلى الغرب من مدينة الخليل، على تلة منخفضة في الجانب الغربي لجبال الخليل، وتنبع أهمية الدوايمة من موقعها المتوسط بين المدن والمناطق البدوية وبين الساحل والجبل، وكان عدد سكانها عشية احتلال القرية ثمانية آلاف نسمة وتبلغ مساحتها ( 60585) دونماً.

–          التسمية :

ويتناقل الأهالي أكثر من رواية حول تسمية الدوايمة بهذا الاسم، على أن الكثرة منهم ترى أن الدوايمة، اسم أطلقه الشيخ علي، وهو رجل صالح من أبناء القرية وله مقام ما زال موجودا حتى اليوم، تيمنا بوالده عبد الدايم، الذي أعدمه العثمانيون ظلماً في القدس.  وما زال مقامه موجوداً في باب الخليل في القدس، و يتردد عليه الكثير من أبناء القرية.

2-11-1-  ثورة 1936

عمل الانتداب على تسهيل استيلاء الحركة الصهيونية على أراضي الفلاحين، وهذا ما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، ما فجّر  لهيب ثورة  العام 1936.

وقد شاركت القرية في فعاليات الثورة من خلال الالتزام العام بالإضراب، والمقاومة المسلحة التي شارك فيها عدد من أبناء القرية.

ومن هذه الفعاليات في منطقة الخليل:

1- اختطاف الثورة لمسؤول بريطاني كان يعمل في أحد المصارف، يدعى مستر لوبي.

2- معركة كسلا، واستشهد فيها رشيد أبو هنية.

3- معركة جورة بحلص.

4- معركة بيت أُمَّر 1943 واستشهد فيها إبراهيم العوامة.

–          جرأة :

يروي أحد أبناء القرية أن المندوب السامي دعا وجهاء القرى في منطقة الخليل للاجتماع به في بيته، وعندما تفقد الحاضرين لم يشاهد موسى هديب، وهو أحد وجهاء القرية، فسأل عنه وانتظر حتى حضر، ولما حضر جلس على مقعد المندوب السامي. دُهِشَ المندوب من تصرفه، وطلب من المترجم أن يسأله له “ألا يوجد سوى هذا المقعد لتجلس عليه؟ فرد عليه قائلا: “أنت لم تقبل أن أجلس على كرسيك ساعة، فكيف تريد لإسرائيل أن تأخذ بيتي ؟!”.

2-11-2-  احتلال القرية

كما هي العادة، صلى أهل القرية يوم الجمعة في 29/10/1948 في مسجد القرية، وما أن قاربت الصلاة على الانتهاء حتى سمع السكان أصوات الرصاص تنطلق من ثلاث جهات: الشمال والجنوب والغرب، وتركت الجهة الشرقية على ما يبدو لهروب أهل القرية.

وصف أحد أبناء القرية الهجوم فقال إنه شاهد الدبابات الإسرائيلية قادمة من الجهة الغربية، لتتجه شمالاً وشرقاً إلى قرية القبيبة، ومن جهة قرية بيت جبرين، وتجمعت هذه المركبات في قرية القبيبة، وقبل الظهر، أخذت هذه المركبات تنحدر شرقاً باتجاه قرية الدوايمة، غير آبهة بالمقاومة الضعيفة من أبناء القرية”.

2-11-3-  المذبحة

لم تكن مذبحة الدوايمة منعزلة عن مخطط القتل والترحيل الذي نُفذ ضد أبناء الشعب الفلسطيني.  كان الهدف من المذبحة قتل من يمكن قتله وتخويف من نجا ليهرب حتى تخلو القرية من أهلها.

إن ما حدث في الدوايمة يتناقض مع كل القيم والأعراف والمواثيق الإنسانية والحقوقية، فما هي الجريمة التي اقترفها أطفال القرى حتى تُحَطَّم جماجمهم بالعصي والهراوات؟ وأين إنسانية الضابط العسكري الذي أمر بتدمير المنازل على كبار السن بعد أن منع عنهم الماء والطعام؟

2-11-4-  مراحل المجزرة

نشرت صحيفة حدشوت العبرية تقريراً موسعاً حول المجزرة، أشارت  فيه إلى ثلاث مراحل للمجزرة كما يلي:

–          المرحلة الأولى: قتل ما بين 80 و 100 شخص، بينهم النساء والأطفال في الهجوم الأول على القرية، وقد قُتِل معظمهم في البيوت والشوارع.

–          المرحلة الثانية: إن لأماكن العبادة قدسية واحتراماً خاصا عند كل الشعوب، ولا يجوز انتهاك حرمتها وقدسيتها وخصوصاً إذا ما لجأ الإنسان إلى هذه الأماكن طلبا للحماية؛ ولكن ما حدث في الدوايمة كان أبشع من اقتحام المسجد وتدنيسه، إذ ارتكبت فيه فظاعات ومذابح بحق من لاذ به طلباً للحماية والأمان.. قام المهاجمون بذبح الشيوخ الذين كانوا يقرؤون القرآن الكريم.

يقول أبناء القرية عن مذبحة المسجد: “في الساعة العاشرة والنصف تقريبا مرت مجنزرتان قرب مسجد الزاوية وكان في داخله ما بين 100 و 150 من الأهالي، معظمهم من كبار السن الذين ذهبوا باكراً لأداء صلاة الجمعة، وبينما هم يستعدون للصلاة سمعوا إطلاق نار، فبدأ قسم من المصلين  بالخروج من المسجد بسرعة، بينما لجأ إليه القسم المتبقي من المصلين على أساس أنه بيت الله، ولكن الجنود دخلوا المسجد وقاموا بإطلاق النار على كل من كان فيه”.

ذكرت الصحافية يوئيلا هارشفي في صحيفة حدشوت، قائلةً: “إن عدد الضحايا بلغ 332؛ وأما المؤرخ بني موريس، فقد ذكر أن ضحايا مذبحة الدوايمة بالعشرات أو ربما بالمئات من أبناء القرية؛ وقال إن العدد تراوح وفقاً لجيش الدفاع الإسرائيلي وهيئة الأمم والعرب بين  70 و 100 قتيل”.

ومن المؤكد أن عدد الضحايا قد فاق عدد ضحايا أي مجزرة ارتكبها الإسرائيليون خلال حرب 1948، ولا نبالغ إذا قلنا إن مجزرة الدوايمة أشد هولاً من مذابح دير ياسين وأبو شوشة، لا لعدد الضحايا فحسب، بل لأنها نُفذت بدم بارد.

–          المرحلة الثالثة: وقد بدأت مذبحة عراق الزاغ عندما اكتشف المهاجمون كهفاً ضم حوالى 35 عائلة مذعورة.

تقول سيدة نجت من المذبحة: ” إنه منذ سماع صوت إطلاق الرصاص يقترب من الطور التصق الناس بجدرانه وأرضه وأيقنوا أن ساعة الموت قادمة لا محالة، فخيم سكون رهيب على الطور وراحت كل امرأة تضم أولادها إلى صدرها، تقبلهم بحنان عميق”.

وتضيف السيدة الفلسطينية: “وما أن وصل الطور، حتى طالب أحد الجنود، وهو يصوّب سلاحه نحو تلك العائلات، بالخروج، فانفجر الأطفال بالبكاء، وأمسكوا بجلابيب أمهاتهم وقام أحد الرجال بخلع كوفيته البيضاء ورفعها بيده، ثم أخرج من في الطور واحداً تلو الآخر رجالاً ونساء وأطفالاً في منظر يفتت الأكباد. في تلك الأثناء هرب رجل، فأطلق الجنود النار عليه ولكنه نجا، وربما كان ذلك سبباً في تعجيل المذبحة؛ إذ انحدروا بهم مسرعين إلى بئر على بعد خطوات أسفل الطور، حتى إذا جاؤوها أمروهم بالوقوف في صفين طويلين أحدهما للرجال والآخر للنساء، ثم أحاط بهم الجنود إحاطة السوار بالمعصم وتقدم اثنان أو ثلاثة منهم من صف النساء وأخرجوا ثلاث بنات من الصف، فأخذن يستعطفن الجنود وأمهاتهن يصرخن ويلطمن الخدود “دخيلكم اتركوا البنات، لماذا تريدون قتلنا؟” لكنهم رفضوا توسلاتهن، وحدث عراك بين النسوة والجنود، ففتحوا عليهن النار وقتلوا الأمهات ثم جروا البنات بعيداً عن الصف وصراخهن يشق عنان السماء.

وما هي إلا لحظات حتى صاح أحد الجنود: “احصدوهم”.. فانهمر الرصاص عليهم كالمطر من كل ناحية، وسقطوا جميعاً على الأرض مضرجين بدمائهم، وسقطت هي الأخرى معهم وتظاهرت بالموت.

وفي أثناء ذلك، كانت لا تسمع إلا الأنين وصرخات الصدور وتمتمات غريبة يتبعها إطلاق نار آخر، فيسكت كل شيء. حاولت أن ترفع رأسها، فسقطت رصاصة بالقرب منها اخترقت جسد شخص آخر، ثم استقرت في رأس ابنتها الرضيعة فماتت في الحال، عند ذلك أيقنت أن الجنود يطلقون النار على كل شئ يتحرك أو يتأوه. وابتعد الجنود خطوات ثم ركبوا سيارتهم باتجاه القرية.

وما كادت تقوم حتى سقطت على الأرض ثانية من شدة الخوف، فالقوم جميعهم صرعى من حولها، من مات وهو منطرح على بطنه أو مستلق على ظهره وآخر في وضع السجود، وبحثت عن أخيها بين الجثث، فوجدته فاقد الوعي، أصيب في سبعة أماكن من جسمه ولكنه لم يمت”.

وكان المؤرخ الإسرائيلي بني موريس قد عرض في بحث أجراه حول مجازر ارتكبتها قوات إسرائيلية في قرى فلسطينية خلال حرب العام 1948، رسالة شخصية بعثها عضو في حزب “مبام” إلى كفلان اليعازر فراي محرر صحيفة “عل همشمار”.

ويستعرض الكاتب شهادة جندي إسرائيلي، كان شاهد عيان على المجزرة التي وقعت في قرية الدوايمة، ويطالب فيها بتجنب استخدام ما أسماه “الدبلوماسية المسلحة” التي ترتكز على “الدم والقتل”؛ ودعا كفلان لتدخل الصحافة والحزب من أجل كشف النقاب عن المجزرة، ولم تنشر هذه الرسالة من قبل.  وتُعرض هنا مختصرة كما نشرت  في الصحف الإسرائيلية:

اليعازر فراي تحية!

“قرأت اليوم افتتاحية صحيفة “عل همشمار” التي بحثت مسألة تصرف جيشنا الذي يحتل كل شيء لكنه لا يضبط مشاعره.  أعرض عليك هنا شهادة شاهد عيان أبلغني بها جندي كان في الدوايمة فور احتلالها؛ الجندي رجل منا مثقف صادق مائة بالمائة، وأطلعني على مكنونات قلبه جراء حاجته النفسية لتفريغ الرعب النفسي من الجريمة التي تشير إلى مدى البربرية التي يمكن أن يصل إليها رجالنا المثقفين والمتعلمين، أطلعني على مكنونات قلبه لأن النفوس القادرة على الاستماع اليوم ليست كثيرة”

ويضيف: “وصل إلى الدوايمة فور احتلالها، وكان الجيش المحتل هو سرية 89 ولم يكن هناك مصريون في القرية بل قوات يطلقون عليها اسم “غير نظامية ” أو ربما “قوات غير رسمية” ويُسَجَّلون تحت هذا المفهوم اليوم عرباً مدنيين، شيوخاً ونساء؛ المهم أنه لم تحدث معركة ولم  تحدث مقاومة، قتل المحتلون الأوائل 80-100 عربي – نساء وأطفال – قتلوا الأطفال من خلال تحطيم جماجمهم بهراوات، ولم يوجد بيت لم يقتل أحد منه”.

2-11-5-  تفجير المنازل

أما الموجة الثانية من الجيش، فكانت السرية التي يخدم فيها الجندي الذي يدلي بشهادته. ظل في القرية عرب وعربيات أدخلوهم إلى البيوت وأغلقوا الأبواب عليهم ولم يسمحوا لهم بتناول طعام أو شراب، وجاء بعد ذلك خبراء متفجرات لتفجير المنازل. وجه أحد القادة تعليمات لخبير متفجرات بإدخال مسنتين عربيتين إلى منزل معين سيتم تفجيره عليهما.

رفض خبير المتفجرات وقال بأنه يتلقى التعليمات من قائده، ووجه القائد تعليمات للجنود بإدخال المسنتين إلى البيت ونفذت الجريمة وتباهى جندي باغتصاب عربية وإطلاق النار عليها بعد ذلك، وأجبروا عربية تحمل طفلاً ولد في اليوم ذاته على تنظيف الساحة التي يتناول الجنود الطعام فيها، كما أجبرت يومياً على العمل في الحقول، وفي نهاية المطاف أطلقوا النار عليها وعلى  طفلها”.

2-11-6-  طرد وإبادة

ويقول الجندي إن قادة مهذبين متحضرين، يعتبرون من أفضل ما أنتجه مجتمعنا، تحولوا إلى قتلة سفلة؛ ولم يحدث ذلك جراء عاصفة مشاعر لم يكن بالإمكان كبحها، بل من خلال أسلوب طرد وإبادة، إذ يمتدحون قلة العرب المثقفين، وهذا المبدأ هو الحافز السياسي في عمليات الطرد وأعمال الإجرام التي لا تواجه معارضة في القيادة العملية أو القيادة العليا؛ أنا نفسي مكثت لمدة أسبوعين في الجهة وسمعت روايات تباهى فيها جنود وقادة بكيفية تفوقهم في الصيد و”القضاء على عربي؛ هكذا وفي جميع الاحتفالات كانت هذه مهمة مشرّفة وتوجد منافسة في هذا المجال”  .

وتفيد الشهادات بأن هذه المجزرة قد تكون من  أسوأ ما حدث في تاريخ الأعمال الوحشية التي ارتكبت خلال النكبة، أما الوحدة التي احتلتها، فكانت الكتيبة 89 التابعة للواء الثامن الإسرائيلي، فعقدت لجنة التوثيق الخاصة بفلسطين التابعة للأمم المتحدة والتي حلّت محل الكونت برنادوت في جهود الوساطة، جلسة خاصة لتقصّي ما حدث في هذه القرية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1948، الواقعة على بعد أقل من ثلاثة أميال من مدينة الخليل، والتي كان عدد سكانها في الأصل 2,000 نسمة، لكن 4,000 لاجئ أتوا إليها، فرفعوا عدد القاطنين إلى ثلاثة أضعاف. وورد في تقرير الأمم المتحدة المؤرخ في 14 حزيران/يونيو 1949 التالي: “السبب في ضآلة ما هو معروف عن هذه المجزرة، التي تفوق – من نواح كثيرة – في وحشيتها مجزرة دير ياسين، يرجع إلى أن الفيلق العربي (الجيش الذي كانت المنطقة تحت سيطرته) خشي، فيما لو سُمح لأخبارها بالانتشار، أن تحدث التأثير نفسه الذي أحدثته مجزرة دير ياسين في معنويات الفلاحين، وأن تتسبب بموجة لجوء أُخرى”.

ويستند تقرير لجنة التوثيق أساساً إلى شهادة المختار حسن محمود هديب، وتعزز التقارير المحفوظة في الأرشيف العسكري الإسرائيلي كثيراً مما رواه.  كما أكد الكاتب الإسرائيلي المعروف جيداً، عاموس كينان، الذي شارك في المجزرة، حقيقة وقوعها، وذلك في مقابلة أجراها معه في أواخر التسعينيات الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري، من أجل فيلمه الوثائقي 1948″، وروى المختار أنه “بعد صلاة الجمعة في 28 تشرين الأول/أكتوبر بنصف ساعة، دخلت عشرون عربة مصفحة القرية من جهة القبيبة، في حين هاجمها في الوقت نفسه جنود من الجهة المقابلة، وشل الخوف على الفور الأشخاص العشرين الذين كانوا يحرسون القرية.  وفتح الجنود الموجودون في العربات المصفحة النار من أسلحة أوتوماتيكية ومدافع هاون، بينما كانوا يشقون طريقهم إلى داخل القرية بحركة شبه دائرية. وعلى عادتهم، طوقوا القرية من ثلاث جهات، وتركوا الجهة الشرقية مفتوحة كي يطردوا من خلالها السكان البالغ عددهم 6,000 نسمة خلال ساعة واحدة. وعندما لم يتحقق ذلك، قفز الجنود من عرباتهم وراحوا يطلقون النار على الناس من دون تمييز، ولجأ كثير ممن فروا إلى الجامع للاحتماء به، أو إلى كهف مقدس قريب يدعى عراق الزاغ.  وعندما تجرأ المختار وعاد إلى القرية في اليوم التالي، هاله مرأى أكوام الأجساد الميتة في الجامع، والجثث الكثيرة المتناثرة في الشارع، وهي لرجال ونساء وأطفال، وبينهم والده، وعندما ذهب إلى الكهف وجده مسدوداً بعشرات الجثث، وأظهر التعداد الذي قام به المختار أن 455 شخصاً كانوا مفقودين، بينهم نحو 170 طفلاً وامرأة”.

ووصف الجنود اليهود الذين شاركوا في المجزرة مشاهد تقشعر لها الأبدان: “أطفال رضع حُطمت جماجمهم، ونساء اغتُصبن أو أُحرقن أحياء داخل بيوتهن، ورجال طُعنوا حتى الموت”.

2-11-7-  شهادات دولية وإسرائيلية عن المجزرة

–          بعد عدة أيام من وقوع المجزرة، وصل فريق من مراقبي “الأمم المتحدة” إلى القرية برئاسة ضابط الصف البلجيكي “فان فاسن هوفي” بصحبة مجموعة من العسكريين الإسرائيليين. وعندما طلب أحد المراقبين الدخول إلى المسجد المغلق، تم منعه بحجة أن للمسجد قدسية عند المسلمين ولا يجوز دخوله لغير المسلم.. ولكن المراقب شاهد دخانا يتصاعد من المسجد، فاقترب من النافذة وشم رائحة جثث بشرية تحترق؛ وعندما سأل الضابط اليهودي المرافق عن الدخان والرائحة الكريهة، تم منعه من إكمال التحقيق؛ وعندما سأله عن منزل كان يعد للنسف وعن سبب ذلك.. قال له: “المنزل يضمّ حشرات طفيلية سامة ولذا سنقوم بنسفه”  (!!).. وقد قام المراقبون الدوليون بإرسال تقرير سري إلى رؤسائهم ذكروا فيه: “ليس لدينا شك في أن هناك مجزرة وأن الرائحة المنبثقة من المسجد كانت رائحة جثث بشرية”.

–          كتب المؤرخ الإسرائيلي “بني موريس” في كتابه “تصحيح غلطة” والذي نشر على حلقات في جريدة “الدستور” الأردنية بدءاً من 15 آذار/ مارس 2001: “لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية وثمة فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب الـ”مابام” عن فظائع ارتكبت في قرية “الدوايمة”؛ وقد قام الجنود بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة”.

–          وفي شهادته حول المجزرة قال “إسرائيل جاليلي” قائد فرع العمليات في الجيش الإسرائيلي في حرب العام 1948 وأحد قادة حزب الـ”مابام” الإسرائيلي إنه شاهد: “مناظر مروعة من قتل الأسرى واغتصاب النساء وغير ذلك من أفعال مشينة”.

–          وعن الجرائم الصهيونية في فلسطين بوجه عام نقتبس شهادات بعض المؤرخين والحاخامات ومن بينها ما قاله “أهارون كوهين” وهو يمثّل أحد تيارات المؤرخين الجدد في إسرائيل: “تم ذبح سكان قرى بأكملها وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها”.

–          أما الحاخام الصهيوني “يوئيل بن نون” فيقول في هذا الصدد: “إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا”.

2-11-8-  ضحايا مجزرة “الدوايمة”:  تقديرات عامة

يتباين عدد شهداء مذبحة الدوايمة وفق تقديرات العرب و”الأمم المتحدة” وجيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه ما بين 700 و 1000 مواطن عربي، عدا الذين كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم وطعامهم بعد أيام من حصول المجزرة. وعلى أي حال، فإن الحصيلة النهائية- وهي حصيلة تقريبية- يمكن توضيحها كالتالي:

الشهداء : “580 شهيدا منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في مسجد الزاوية”, في أول يومين من المجزرة 29، 30 أكتوبر 1948 .

“110” شهداء كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ متاعهم وطعامهم في 29/10/ 1948.

الجرحى: 8 جرحى: كان عدد الجرحى قليلاً لأن الجنود اليهود حاولوا ألا يتركوا أحياء.

الأسرى: 9 أسرى قتل (3) منهم في السجون الصهيونية.