Month: June 2016

 

Mines

2500 شهيد ضحايا بالألغام الإسرائيلية:

ولم تنحصر الجرائم والمجازر الإسرائيلية في ذلك المسلسل الطويل المشار إليه على امتداد الصفحات السابقة، بل اتسع نطاقها إلى حقول الألغام العسكرية الإسرائيلية التي عمدت قوات الاحتلال إلى زرعها في الحقول والبساتين والأراضي الفلسطينية، ما أسفر عن وقوع مجازر دموية تقشعر لها الأبدان، خاصة وأن معظم ضحاياها كانوا من الأطفال الفلسطينيين.

حول مجازر وضحايا الألغام الإسرائيلية، وهي أيضاً جرائم حرب حقيقية نشرت صحيفة القدس المقدسية التقرير التالي:

“اتهم منسق الحملة الفلسطينية لحظر الألغام، الجيش الإسرائيلي بزراعة الألغام في أكثر من موقع في الضفة والقطاع بهدف التسبّب في قتل وإصابة المواطنين، مؤكداً سقوط أكثر من 2500 مدني فلسطيني ما بين شهيد وجريح منذ العام 1967 ، 34%  منهم أطفال.

وقال عايد أبو قطيش إن إسرائيل ماضية بلا هوادة في استخدامها للألغام والأجسام المشبوهة ضد المواطنين الفلسطينيين لا سيما منذ بدء انتفاضة الأقصى، على الرغم من ادعاءاتها بعكس ذلك.

الأطفال هم أول الضحايا

وأوضح منسق الحملة الفلسطينية أن معظم الضحايا من مخلفات الجيش الإسرائيلي خلال الأعوام الماضية، سواء مخلفات التدريب العسكرية أو المخلفات العسكرية في مناطق المواجهات هم من الأطفال.

وأكد أن حادثة استشهاد الطفل يحيى شيخ العيد من رفح الذي لم يتجاوز 12 عاماً وغيره مئات من الاطفال طبعاً، كشفت الوجه العاري للقوات الإسرائيلية في استخدام ترسانتها الحربية المحرم منها دولياً وغير المحرم، ضد أطفال فلسطين، على النقيض مما تحاول أن تعكسه إسرائيل إلى المحافل الدولية من أن عدم توقيعها على اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام يعود لكونها موجودة في وسط دول معادية.

واستناداً إلى دراسة أجرتها الحركة العالمية للأطفال فرع فلسطين قبل الانتفاضة، تبين أن:

–          21.5% من انفجارات الألغام أدت إلى حالات استشهاد.

–          أسفرت 19.8% من هذه الحوادث عن إصابات واستشهاد معاً،

–          فيما أصيب 8.7% جراء ذلك “:

·         “نحو 41% أصيبوا بجراح في الجسم والأطراف،

·         وأصيب 6.5% بشظايا في الجسم،

·         فيما تعرض  18.5 % من الضحايا لبتر أحد الأطراف،

·         و 33.4% لتشوهات وحروق “.

واستدل أبو قطيش على إصرار إسرائيل على اتباع هذه السياسة المحرمة دولياً بزراعة ألغام في السواتر الترابية التي تمزق أوصال المحافظات الفلسطينية، إضافة إلى زراعة ألغام عند مدخل إحدى البنايات السكنية بحجة أن المسلحين الفلسطينيين يطلقون النار منها، علاوة على إصابة الطفلة هنية النميلي من مخيم البريج التي فقدت ساقيها، والطفلين جاسم أبو مدين وهاني شاهين.

ونقل منسق الحملة عن تقرير مراقب إسرائيل للعام 1999 قوله:

–          “إن وضع حقول الألغام في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية العسكرية يشكّل وصمة عار في جبين الديموقراطية الإسرائيلية.

–          كشف عن وجود 37 حقل ألغام في هذه الأراضي بالرغم من أن الإسرائيليين اعترفوا فقط بوجود 16 حقل ألغام ضمن خريطة التفاهم المشترك بين الجانبين”.

–          عدم وجود أي مبرر أمني للمحافظة على حقول الألغام هذه، ولكن استمرارها يبقى لأسباب الأمان فقط.

وعن أنواع الألغام التي تستخدمها إسرائيل، أشار أبو قطيش إلى نوعين:

–          نوع خطير يعرف باللغم القفاز المصمم من أجل القتل

إذ يقفز هذا اللغم لمسافة متر واحد حال لمسه ثم ينفجر في منطقة الصدر والرأس كما أن تأثير الانفجار يعتمد على كمية المادة المتفجرة.

–          اللغم المتشظي منه 200 ، 300 شظية بسرعة ضعف سرعة الرصاصة لتصل لمسافة 150 ، 200 متر

 أما بالنسبة للخطورة الناجمة عن العبث بالألغام والأجسام غير المتفجرة، فقد تكون النتيجة “بتر الساق أو كليهما أو بتر أحد الأطراف أو إصابات في العين أو الوجه وما يترتب على ذلك من آثار نفسية وجسدية متعددة والحاجة إلى جهد تأهيلي مضن وبطيء” .

وذكر أبو قطيش أن القوات الإسرائيلية أعلنت سابقاً عن تنظيف حقل الألغام في قرية النبي الياس في الضفة، لكن بعد دخول الأهالي إليه، ظناً منهم بأنه خال من الألغام، استشهد أحد الأطفال كون عملية التنظيف لم تكن وفق المعايير الدولية.

وهكذا نقف في ختام هذه الفصل الدراسي حول جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الفترة 1967 – انتفاضة الأقصى / 2000، أمام مشهد فلسطيني مثخن بالجرائم والمجازر الدموية الصهيونية التي تواصلت على مدى سنوات الاحتلال دون توقف، متجاوزة كافة المواثيق والقوانين والخطوط الحمراء الدولية.

1998

1998، عام المجازر الجماعية:

قالت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان في تقرير لها، إن العام 1998 كان عاماً دموياً تعرّض خلاله الشعب الفلسطيني للعديد من المجازر الجماعية، قتل فيها عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين العزل،

–          إذ وقعت مجزرة عمال ترقوميا يوم 10 آذار، وقد قتل فيها 3 مواطنين وأصيب 9 آخرين برصاص الجنود الإسرائيليين.

–          كما قتل خمس مواطنين وأصيب نحو 400 آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي، بتاريخ 14 أيار 1998 في أثناء المواجهات التي أعقبت مسيرة المليون لإحياء ذكرى “النكبة”.

–          ويعتبر شهرا أيار وكانون الأول الأكثر دموية بين أشهر العام 1998، إذ سقط في كل منهما 7 شهداء فلسطينيين.

وأشارت المؤسسة إلى أن: “العام 1998 شهد العديد من المحطات التي اتسمت بالعنف والمواجهات الدموية،

–          كان أبرزها تلك التي رافقت اغتيال وتصفية أربعة من قادة الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، محي الدين الشريف الذي اغتيل في 29 آذار، والأخوين عادل وعماد عوض الله اللذين اغتيلا في عشرة أيلول، وزهران زهران الذي اغتيل في 29 من الشهر ذاته”.

–          كما تعتبر المواجهات التي أعقبت المسيرات الحاشدة والتي خرجت تضامناً مع الأسرى في السجون الإسرائيلية والعدوان الأمريكي على العراق هي الأكثر من حيث عدد الشهداء، إذ سقط خلالها 7 فلسطينيين وأصيب مئات آخرين برصاص القناصين الإسرائيليين.

–          سُجِّل ارتفاع في عدد الشهداء الفلسطينيين المصابين خلال شهر كانون الأول، وكانت معظم إصابات الجرحى في المناطق العلوية من أجسادهم، وتعرّض عدد آخر من المواطنين لإصابات بأعيرة نارية محرمة دولياً،

لأن السلطات الإسرائيلية كانت قد أعطت جنودها أوامر جديدة تسمح لهم باستخدام القوة المفرطة والذخيرة الحية في مواجهة الأعمال الاحتجاجية في المناطق الفلسطينية.

 كما أعلنت السلطات الإسرائيلية عن إعادة تشكيل القوات الخاصة التي تعرف بفرقة “شمشون”، ما أعاد إلى الأذهان أحداث الانتفاضة الفلسطينية وفرق الموت التي كُلّفت بتصفية نشطاء المقاومة الفلسطينية وقتلهم آنذاك، الأمر الذي يُعَدّ انتهاكاً صارخاً يهدد أمن المواطنين الفلسطينيين وسلامتهم.

–          طرأ ارتفاع كبير على عدد القتلى الفلسطينيين في العام 1998 عن العام 1997 نتيجة الاعتداء عليهم من المستوطنين والمتطرفين اليهود، فبلغت نسبة الارتفاع 300 في المائة،

وهذا يعتبر مؤشراً خطيراً يدلل على أن السلطات الإسرائيلية لا تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من تجاوزات المستوطنين والمتطرفين اليهود، إذ قضى 3 فلسطينيين على أيدي المستوطنين نتيجة إصابتهم بالرصاص والقتل طعنا، في حين توفي فلسطينيان نتيجة الضرب المبرح.

–          كما استشهد 3 مواطنين فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية في ظروف مختلفة،

إذ استشهد نضال أبو سرور نتيجة تعرّضه للضرب والتعذيب في سجن المسكوبية في 29 كانون الثاني، ويوسف العريعر نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرّض له في مشفى سجن الرملة في 21 حزيران،

وأحمد عصفور الذي توفي في سجن بئر السبع في 4 تشرين الأول، كما قُتل مواطن آخر نتيجة انفجار لغم أرضي من مخلفات الجيش الإسرائيلي.

–          وقتل عدد آخر من المواطنين الفلسطينيين في أجواء توحي بأن مقتلهم جاء على خلفية الصراع مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

 توفي كل من قصي التميمي وحرية أبو حوشية بسبب تأخيرهم وعدم السماح لهم بالمرور على الحواجز في طريقهم لتلقي العلاج،

 وصلاح أبو حجاج ولين ينا أبو عرام نتيجة تعرضهما للدهس بسيارة مستوطنين

وقد حمّلت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان السلطات الإسرائيلية مسؤولية التصعيد الذي شهدته المنطقة خلال العام 98 ونتج عنه استشهاد العشرات من المواطنين وإصابة المئات.

كما حذرت التضامن الدولي من الاستمرار في سياسة تشكيل وتسليح ما يسمى بمليشيات المستوطنين وإعادة تفعيل فرقة القوات الخاصة.

4-9-1-  معطيات منظمة بتسيلم

في ما يلي معطيات جُمعت بدقة من طواقم “بتسيلم”:

–          “عدد القتلى في الفترة الممتدة من تاريخ الانتفاضة الأولى – 9 كانون الأول 1987 – وحتى يوم 31 آب 1998:

·         في المناطق المحتلة: بلغ عدد القتلى الفلسطينيين 1439 قتيلاً، فيما بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 158 قتيلاً فقط.

·         في فلسطين 48 (إسرائيل): بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 231 قتيلاً، فيما بلغ عدد القتلى الفلسطينيين 55 قتيلاً.

–          عدد القتلى منذ اتفاق أوسلو (13 أيلول 1993 وحتى يوم 31 آب 1998):

·         في المناطق المحتلة: بلغ عدد القتلى الفلسطينيين 315 قتيلاً، فيما بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 68 قتيلاً  “.

إضافة إلى هذه الفجوة الكبيرة في عدد الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين الذين بلغوا في العقد الأخير نحو 400 قتيل إسرائيلي ونحو 1500 قتيل فلسطيني، ثمة معطيات أخرى تظهر في تقارير بتسيلم، وفي ما يلي بعض هذه المعطيات:

–          تم إبعاد نحو 480 فلسطينياً من المناطق،

–          وتم اعتقال نحو 18 ألف فلسطيني اعتقالاً إدارياً،

·         وتم التحقيق مع عشرات الآلاف،

·         وتعذيب الكثيرين منهم

–          تم نسف عدد من البيوت:

·         نحو500 بيت كوسيلة عقاب،

·         ونحو 80 بيتاً في أثناء البحث عن مطلوبين،

·         ونحو 1800 بيت بذريعة عدم  وجود رخصة بناء.

4-9-2-  الأطفال … الضحايا

–          سقط 277 طفلاً شهيداً خلال العقد الأخير،

·         قتل معظمهم برصاص الجيش.

·         قتل 23 منهم برصاص المستوطنين اليهود،

·         وثمة ستة أطفال من بين الـ 23 “ذبحوا” على يد باروخ غولدشتاين.

وحول الحالات الـ 17 الأخيرة، قالت هيلن انتونوبسكي، عضو لجنة حقوق الأطفال التابعة لمنظمة حقوق المواطن: ” أُغلقت عشرة ملفات لعدم وجود مشبوهين، وانتهت ثلاثة ملفات بأحكام مخففة، وأُغلق ملفان في أعقاب تبرئة المتهمين لأسباب فنية، واختفى ملف واحد مفتوح”.

4-9-3-  مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان

أجملت التضامن الدولي أعداد الضحايا الفلسطينيين جراء عنف الاحتلال وجرائمه في التقرير التالي:

 

السنة 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 2000 2001
الشهداء 28 377 334 162 99 117 164 147 83 92 37 38 16 360 615

قالت المؤسسة:

–          يُعتبر العام 2001 العام الأكثر دموية منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، إذ استشهد حوالى 615 مواطناً فلسطينياً على أيدي قوات الاحتلال.

–          تميزت أحداث هذا العام بارتفاع نسبة الشهداء والمصابين، إذ بلغ عدد المصابين نحو ثلاثين ألفاً، معظم إصاباتهم في المنطقة العلوية من الجسد، ما يؤكد على أن مطلق النار كان يستهدف القتل وليس التظاهرات.

–          إن لجوء قوات الاحتلال إلى استخدام أنواع متطورة من السلاح كالمدرعات والصواريخ والطائرات دون وجود دواع حقيقية تهدد حياة جنودها بالخطر، يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى وجود قرار إسرائيلي وسياسة مبيّتة لرفع نسبة القتلى والمصابين بين المواطنين الفلسطينيين .

كما تعامل جنود الاحتلال بعنف شديد خلال العام 2001 مع المتظاهرين ولم يراعوا حرمة دماء الأطفال الذين شكّلوا نسبة عالية جداً من الشهداء والمصابين، فبلغ عدد الشهداء ممن هم دون سن الثامنة عشرة 223 شهيداً أي ما نسبته 25% من الشهداء.

Al-Haram

25/2/1994 مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل:

“في صباح الجمعة الموافق للخامس عشر من شهر رمضان 1414 هجري، الموافق لِ 25/2/1994، وفي أثناء صلاة فجر ذلك اليوم، تسلل المستوطن الإرهابي باروخ غولد شتاين مرتديا الزي العسكري، حاملاً سلاحه، متخطياً جميع المشاعر والقيم، وباشر بإطلاق الرصاص على المصلين الركَّع السجَّد في قلب الحرم الإبراهيمي، فسقط العشرات منهم.

وبلغ عدد الشهداء في تلك المجزرة تسعة وعشرين شهيداً داخل المسجد، وواحداً وثلاثين خارجه، ووقع أكثر من مائة وخمسين جريحاً “.

وشكّلت هذه المجزرة البشعة، ذروة الإرهاب الدموي الذي اقترفته دولة الإرهاب وعصابات المستوطنين اليهود في منطقة الخليل، وهي تعيد إلى الأذهان مجزرة الدوايمة في العام 1948، حيث قام اليهود بقتل الشيوخ والأطفال من أبناء القرية الذين كانوا قد احتموا في مسجدها حين احتلتها العصابات اليهودية.

وفي أعقاب المجزرة، فرضت سلطات الاحتلال منع التجول على المدينة وأخذ اليهود يرتبون الأمور داخل الحرم وفق أهوائهم ليحيلوه إلى كنيس يهودي بحجة الفرز بين المسلمين واليهود، وأدخلوا تغييرات على وضع الحرم بغية تهويده وتكريس هذا التهويد، أمراً واقعاً ودائماً.

4-6-1-  المجزرة كما رواها شهود عيان:

–          قال شهود عيان:

 “إن المستوطن الإسرائيلي الذي ارتكب مجزرة المسجد الإبراهيمي نفذ عمليته على مرأى ومسمع من جنود يحرسون المسجد، وهم لم يحركوا ساكناً لمنع القاتل الذي استخدم عدة خزانات ذخيرة”.

–          وقال محمد سليمان أبو صالح وهو أحد حراس المسجد (33 عاماً) وهو الذي كان مسؤولاً عن نوبة الحراسة في أثناء وقوع المجزرة:

“إن 800 مُصَلّ على الأقل كانوا في مسجد الحرم الإبراهيمي الشريف لحظة وقوع الحادث، وإن المسلح  كان يحاول قتل أكبر عدد ممكن؛ وقد تناثرت الجثث على أرضية المسجد وتلطخت بالدماء، حاول مصلون، كانوا ساجدين في ذلك الوقت، الهرب فوقع بعضهم على الأرض”.

–          وقال أبو صالح لرويتر:

“صحت بأعلى صوتي للجنود كي يأتوا ويوقفوه إلا أنهم لاذوا بالفرار، وغيّر المسلّح مخزن البندقية مرة واحدة على الأقل وقتل سبعة أشخاص على الأقل في الحال مرة واحدة بعد أن تناثرت أمخاخهم على الأرض، وظل يطلق النار لمدة عشر دقائق ولم يتدخل الجيش حتى انتهت المجزرة”.

–          وقال موظف إغاثة فلسطيني في الأمم المتحدة، كان في داخل المسجد، للصحافيين بعد ساعات من الحادث:

“درجات السلم مغطاة بالدماء، بل توجد أشلاء” .

وتوقفت الحياة في الأراضي المحتلة التي يعيش فيها نحو مليوني فلسطيني، وأغلقت المتاجر، بينما قام السكان بدفن شهداء المجزرة.

أما في المستشفى الأهلي في الخليل، فقد كان الوضع شاهداً على الجريمة البشعة، فالشهداء والجرحى الفلسطينيون في مجزرة الحرم الإبراهيمي كانوا هناك وكان أيضاً، بالإضافة إليهم، ضحايا رصاص الجنود الإسرائيليين المتمركزين بالقرب من المؤسسة الطبية.

الفوضى عارمة وشاملة، مئات الفلسطينيين من أبناء الخليل تدفقوا فور انتشار نبأ المجزرة للسؤال بقلق وخوف لا حدود لهما عن مصير قريب لهم.

أتى آخرون لتقديم الماء والدواء وتزاحمت الشاحنات الصغيرة التي توجهت إلى المنطقة بأقصى سرعتها لنقل أدوية وضمادات جمعها صيادلة المدينة، بالإضافة إلى ما تيسر من عبوات الأوكسجين والمياه المعدنية، فيما كانت سيارات الإسعاف تطلق صفاراتها محاولة شق طريقها إلى المستشفى.

أخذ الفلسطينيون الذين تملكهم الغضب، يقذفون الجنود الإسرائيليين على حافة الطريق المحاذي للمستشفى بالحجارة وبشعارات النار والفداء “بالدم وبالروح نفديك يا شهيد”.

 

Intifada1

مجازر بالجملة خلال الانتفاضة الأولى 1987-1993

وفق المعطيات الموثقة، اقترفت دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد أطفال ونساء وشيوخ وشبان الشعب الفلسطيني على مدى سنوات الانتفاضة الأولى الممتدة من 1987  إلى 1993، جرائم حرب كانت إلى حد كبير يومية، وكانت جماعية وفردية على حد سواء، ألحقت الضرر والأذى بكافة الأسر والبيوت الفلسطينية، وألحقت الخراب والدمار بالممتلكات والأراضي والمزروعات الفلسطينية.

وقد “وصل عدد الضحايا الفلسطينيين برصاص جنود الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى إلى نحو ألفي شهيد، و 120 ألف جريح، وأكثر من 120 ألف معتقل، وخسائر مادية تقدر بالمليارات”

وجاء في تقرير فلسطيني: “أن 455 شهيداً ونحو 76455 جريحاً هم من أبناء قطاع غزة”، بينما كان تقرير فلسطيني آخر قد أشار على سبيل المثال، إلى “أن ممارسات الاحتلال في قطاع غزة خلال الفترة من 1967 إلى 1987، قد أسفرت عن استشهاد 612 فلسطينياً، وإصابة نحو 75 ألف فلسطيني آخر بجروح، بينما تسببت بتشريد نحو 150 ألف فلسطيني”.

وأشار تقرير صادر عن مركز غزة للحقوق والقانون إلى “أن نحو 70 ألف فلسطيني كانوا ضحايا الرصاص المطاطي الإسرائيلي فقط، على النحو التالي:

–   22256 فلسطينياً أصيبوا في العام 1988.

–   17230 فلسطينياً أصيبوا خلال العامين 1989 و 1990.

–   9709 فلسطينيين أصيبوا خلال العام 1991.

–   5806 فلسطينيين أصيبوا خلال العام 1992.

–   4649 فلسطينياً أصيبوا خلال العام 1993.

–   بينما أصيب 1369 فلسطينياً في العام 1994، و 2188 خلال العامين 1995 و 1996″.

4-4-1-  معسكرات الاعتقال خلال الانتفاضة الاولى
–          منذ البدايات الأولى للاحتلال الإسرائيلي، انتهجت تلك الدولة سياسة الاعتقالات والمحاكمات بالجملة بصورة مكثفة واسعة النطاق خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987- 1993.
طالت الاعتقالات الجماعية، حسب المصادر الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء، ما بين 750 و 850 ألف فلسطيني على مدى السنوات 1967-1997، وطالت حسب إحصائيات الصليب الأحمر الدولي نحو ثلث الشعب الفلسطيني / “عن تقرير لنادي الأسير الفلسطيني صدر في حزيران /1997”.

–          أعلن موشيه ديان وزير الحرب آنذاك، معقباً على انتهاج هذه السياسة:

” سوف تخرّج السجون الإسرائيلية معاقين وعجزة يشكّلون عبئاً على الشعب الفلسطيني”،

–          ما دعا أيضاً اسحق رابين وزير قمع الانتفاضة في حكومة إسحق شامير آنذاك، إلى الإعلان أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية، وإلى التشديد بمنتهى الوضوح

على أن “الانتفاضة هي مواجهة بين كيانين، ودليل ذلك هو العدد الكبير جداً من المعتقلين الفلسطينيين”، مشيراً إلى أن “حل مثل هذا الصراع لن يكون إلا بواسطة سياسة عسكرية مشتركة”، وأشار إلى معسكرات الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين، والتي كان من أبرزها معسكر كتسيعوت في صحراء النقب بجملته الختامية التي قال فيها: “طالما هناك انتفاضة سيبقى كتسيعوت”.

–          وقد كشفت مصادر إسرائيلية عديدة النقاب عن أبعاد هذا الأمر، قائلة:

“من دون مبالغة، يمكن القول بأن الفئات الهامة من بين الطبقات الفاعلة في الانتفاضة الفلسطينية، أو على الأقل الجزء الأكبر منها، قد مرت عبر معسكر “أنصار – 3″ في النقب، الذي تحول إلى فرن صهر وطني فلسطيني، يصهر ويبلور الكوادر الحية للانتفاضة”.

فسياسة الاعتقالات والمحاكمات الجماعية ومعسكرات الاعتقال كانت إذن، منذ البدايات الأولى للاحتلال، جبهة مفتوحة ساخنة قمعية إرهابية،

أُريدَ من ورائها القمع والقتل المعنوي والجسدي، ودفن المناضلين الفلسطينيين وهم أحياء، وقتل معنويات الشعب العربي الفلسطيني وشل حركته، باعتقال قادته ونشطائه ومناضليه على أوسع نطاق ممكن، وقد وصلت هذه السياسة الاعتقالية إلى ذروتها خلال الانتفاضة الأولى، وما تزال متصلة حتى كتابة سطور هذا الكتاب، بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى والاستقلال / 2000، وليس من المنتظر وفقاً للمؤشرات المختلفة أن تتوقف إطلاقاً طالما بقي الاحتلال،

فـ “طالما هناك احتلال وقتل .. ثمة انتفاضة ومقاومة.. وبالتالي هناك “كتسيعوت” كما قال رابين.

ولذلك، حرصت دولة الاحتلال على فتح معسكرات الاعتقال والسجون وتوسيعها، على مدى سنوات الاحتلال.

Monday

مجزرة الاثنين الأسود في باحة الأقصى:

أقدمت السلطات الإسرائيلية الرسمية بأذرعها المتعددة، في يوم الاثنين الثامن من تشرين الأول / أكتوبر / 1990، على اقتراف تلك المجزرة / الجريمة البشعة المذهلة، ضد رجال ونساء وأطفال وشيوخ فلسطينيين، في باحة المسجد الأقصى المبارك.

–          حيث اقتحمت قوات الشرطة وحرس الحدود والمخابرات والمستوطنين اليهود إلى جانبهم، صباح ذلك اليوم ، ساحات الحرم القدسي الشريف من أبوابه المختلفة وفاجأت حشود الفلسطينيين هناك الذين كانوا قد تجمعوا:

 أولاً: لأداء الصلاة،

وثانياً: للتصدي لمحاولة عصابة “أمناء الهيكل” بزعامة “غرشون سلمون” وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة الأقصى.

“لقد ثبت بالشواهد العملية والمعطيات الملموسة والشهادات الموثوقة، أن تلك المذبحة كانت مدبرة ومخططة ومبيّتة، أعدت لتنفيذها السلطات الإسرائيلية كل العدة والاستعدادات اللازمة، كما هي عادتها في سلسلة المذابح التي نفذتها ضد الفلسطينيين في مراحل زمنية مختلفة”.

ويمكن القول إن الطبيعة الإسرائيلية الإرهابية الدموية بلغت ذروة جديدة وتجلت من جديد في هذه المذبحة في قلب أقدس المقدسات الإسلامية، كما تجلت قبل ذلك بأسبوعين فقط  (لكن بحجم دموية أقل)، في تلك الحملة التنكيلية / التدميرية / الدموية الشاملة التي شنتها ضد مخيم البريج في قطاع غزة، بحجة قتل جندي إسرائيلي احتياط، كما تجلت في حملة المذابح الجماعية والحملات التنكيلية / التدميرية / الإرهابية الواسعة التي اقترفتها تلك السلطات وقواتها ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني سواء في مراحل الانتفاضة المختلفة أو في مراحل ما قبل اندلاع الانتفاضة.

–          لقد أقدمت قوات الاحتلال على تنفيذ المذبحة باستخدام كل الأسلحة المتوفرة بحوزتها من قنابل غازات سامة، وأسلحة أوتوماتيكية، وطائرات عسكرية مروحية، ولجأ الجنود ورجال المخابرات والمستوطنون إلى إطلاق الذخيرة الحية القاتلة على شكل صليات رشاشة متواصلة، أطلقت من كافة الاتجاهات وبصورة منسقة مخططة جيداً، ما أدى إلى حشر آلاف المصلين الفلسطينيين من مختلف الأجناس والأعمار في مصيدة موت وذبح جماعي،

–          “ما أسفر بالتالي عن سقوط 23 شهيداً فلسطينياً، وإصابة 850 آخرين بجروح مختلفة، وفقاً للمصادر الفلسطينية المستندة إلى إحصائيات المستشفيات العربية في القدس المحتلة”.

4-3-1-   ردود الفعل الإسرائيلية

علاوة على سلسلة التعليمات وردود الفعل الإسرائيلية المختلفة الصادرة عن مختلف المستويات الحكومية والبرلمانية والحزبية والعسكرية والتي أجمعت كلها بشكل عام على “الإعراب عن أسفها لقتل وجرح هذا العدد الكبير من العرب، وإدانة وشجب الاستفزاز العربي والاعتداء الذي قام به المصلون العرب على المصلين اليهود في ساحة حائط المبكى، ما أدى إلى أن تقوم قوات الأمن الإسرائيلية بواجبها المتمثل بإعادة فرض النظام والهدوء في المنطقة،

وعلاوة على ذلك، فقد وردت جملة أخرى من التعليقات وردود الفعل والتحليلات التي تعرضت لأسباب المذبحة التي اقترفتها سلطات الاحتلال ضد المواطنين العرب في ساحة الحرم القدسي الشريف”؛ ونظراً لأهمية هذه التعليقات وردود الفعل وضرورة الاطلاع على حقيقتها، فإننا نلخصها بما يلي:

–          قال مراسل صحيفة عل همشمار الإسرائيلية للشؤون العربية بنحاس عنبري:

–          “هناك صلة مباشرة بين الأحداث الدموية التي وقعت في ساحة الأقصى وبين أزمة الخليج، وكلما بكرنا في فهم هذه الحقيقة، فإننا نحول دون وقوع المزيد من الاضطرابات التي قد تكون أشد من هذه  التي وقعت.

–          إن اليمين المتطرف في إسرائيل يواجه ضائقة، ومحاولتهم وضع حجر الأساس للهيكل الثالث في الحرم تعكس الإحباط لديهم؛ لدينا هنا في إسرائيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وهي تقود الآن حملة أرض إسرائيل الكبرى وسحق الانتفاضة والترحيل وإقامة الهيكل الثالث، غير أن هذه المحاولة هراء وتنطوي على ضرر.

–          لقد أدت أزمة الكويت أيضاً إلى زيادة حدة التوتر في مساجد الحرم، وبالتالي فإن عملية الاستفزاز التي قام بها غرشون سلمون زعيم حركة أمناء جبل الهيكل كانت كافية لإشعال القدس حتى من دون التوتر المتزايد في المساجد”.

كان اعتراف عنبري هذا من ضمن الاعترافات الإسرائيلية المعدودة التي أشارت إلى حقيقة نوايا السلطات الإسرائيلية الرسمية:

1.      إن أهلنا في القدس والمناطق المحتلة يواجهون معاً حكومة إسرائيلية هي الأكثر يمينية..

2.      ويواجهون معاً حملة تحقيق حلم الصهيونية ومشروعها الكبير في “أرض إسرائيل الكبرى”،

3.      ويواجهون تلك الحملات المسعورة الدموية الرامية إلى سحق الانتفاضة الفلسطينية وإقامة الهيكل الثالث

إنها حرب احتلالية شاملة ضد الشعب الفلسطيني وانتفاضته في الأراضي المحتلة.

–          أما صحيفة معاريف الإسرائيلية فقد عقبت على مذبحة الحرم زاعمة:

“كما حدث في حزيران 67، فقد كان هناك إجماع في الكراهية، كراهية العرب لليهود”.

–          وقالت صحيفة هآرتس في تعليقها الرئيس:

“لقد عرفت منطقة القدس حوادث عنيفة وسفك دماء طوال الأعوام الثلاثة والعشرين الماضية، غير أننا لم نر بعد كهذه الحوادث.

لقد جاء الانفجار في ساحة الحرم في ذروة موجة أحداث الانتفاضة المتجددة في منطقة القدس، وهو إنما يذكرنا بالأيام الأولى للانتفاضة، فمنذ عدة أسابيع ومنطقة القدس تشهد يومياً حوالى 40 حادثاً، وإصابة اثنين من الإسرائيليين، إضافة إلى إحراق سيارتين إسرائيليتين وإلقاء زجاجة حارقة. كذلك يشترك في التظاهرات المئات وليس العشرات من المواطنين كما كان الوضع في بداية الانتفاضة”.

وأضافت صحيفة هآرتس متحدثة عن أسباب المذبحة زاعمة: “أن أسباب تصاعد الانتفاضة في القدس يمكن أن تلقي الضوء على أحداث الأمس، ففي القدس، كما في الضفة الغربية، تم التوصل إلى اتفاق في الآونة الأخيرة بين منظمة التحرير وحركة حماس.

وعلى هذه الخلفية، شهدت الانتفاضة دفعة قوية في القدس، وليس هناك مثل الحرم القدسي يمكن أن يرأب الصدع في العالم العربي، وليس هناك غيره يستطيع توحيد الصف العربي .. إن الأساس الديني عاد مرة أخرى ليحتل قلب النزاع”.

ثم قالت صحيفة عل همشمار في مكان آخر، معلّقة على العامل الديني ذاته ودوره في المذبحة: “لا شك في أن العامل الديني النابع من مكان هذا الحادث سيذكي الأحداث الخطيرة التي تتوقعها الدوائر الأمنية الإسرائيلية خلال الأسابيع القادمة”.

إضافة إلى هذه التعليقات الصحفية، فقد تراوحت تعليقات معظم المسؤولين الإسرائيليين حول تحميل المواطنين العرب مسؤولية المذبحة:

–           فقد زعم حاييم هرتسوغ رئيس “دولة إسرائيل” قائلاً: ” إن هذه الأحداث تبرهن مرة أخرى على حساسية الوضع في هذا المكان المقدس، الذي نجحت حكومة إسرائيل في تحقيق التوازن المطلوب فيه وحرية العبادة لسنوات طويلة، وجاءت العملية المخططة على أيدي عناصر إسلامية أمس لتشويش هذا التوازن، وكانت محاولة مجرمة للمساس بحرية العبادة للجمهور اليهودي؛ إننا نأسف لفَقْدِ حياة عدد من الأشخاص نتيجة لهذا التحريض ضد جمهور المصلين اليهود..”.

–          وحمّل تيدي كوليك رئيس بلدية القدس، مسؤولية المذبحة للمواطنين العرب وشامير على حد سواء قائلاً: “آسف للقتلى والجرحى، هناك ضرورة للحفاظ على ضبط الأعصاب والتوازن في هذه المدينة، فالاعتداء على مكان مقدس لليهود أمر لا يحتمل كما هو الاعتداء على الأماكن المقدسة للمسيحيين والمسلمين”.

وقد أشار كوليك أيضاً إلى “أن أقوال إسحق شامير حول إقامة حي يهودي جديد فوق جبل الزيتون أثارت الخوف لدى العرب من الطرد وأدت إلى الاضطرابات” .

–          وعلق إسحق بيريز وزير الاستيعاب وزعيم حزب شاس آنذاك، قائلاً: “يجب أن تقوم إسرائيل بإبعاد المسؤولين عن الأحداث الخطيرة في ساحة جبل الهيكل إلى الخارج، كما أن عملية الاعتداء الوحشي على المصلين اليهود في ساحة الكوتل – حائط المبكى – تستوجب من حكومة إسرائيل نقاش وضع الوقف الإسلامي في الحرم من جديد”.

–          وطالب رفائيل إيتان وزير الزراعة وزعيم حركة “تسومت” وصاحب نظرية تشبيه العرب بالصراصير المخدرة، الحكومة الإسرائيلية “بتغيير الترتيبات المعمول بها في الحرم منذ العام 1967، والتي تشرف عليها الأوقاف الإسلامية”.

–          وصرح إبنير شاكي وزير الأديان الإسرائيلي حينئذ، قائلاً: “طلب مني رئيس الوزراء بأن أطالب شعب إسرائيل، باسمه، بأن يأتي جماعات جماعات لأداء الصلاة في ساحة الكوتل في البلدة القديمة، ويجب أن لا تسمح لأي طرف أجنبي بأن يشوش علينا بهجتنا، ويجب أن نجد طريقاً لمنع ظاهرة إلقاء الحجارة باتجاه المصلين اليهود”.

–          وخلاصة معظم المواقف الإسرائيلية الرسمية والبرلمانية والحزبية، أنها تحمّل المواطنين الفلسطينيين المصلين في باحة المسجد الأقصى مسؤولية المذبحة، بحجة أنهم “دبروا الأحداث” وقاموا “بالاعتداء” على المصلين اليهود في ساحة “حائط المبكى”، متجاهلة مسلسل الاستفزازات والاعتداءات المتواصلة التي قام ويقوم بها أفراد التنظيمات اليهودية الاستيطانية الإرهابية في القدس، وذلك تحت سمع وبصر وغطاء قوات الشرطة وحرس الحدود .

–          كما طالبت معظم الأصوات الإسرائيلية الحكومة الإسرائيلية بالاستيلاء على مفاتيح الحرم القدسي الشريف، وهذا ما حدث في أعقاب المذبحة مباشرة – والعمل على تهويده من خلال إعادة بناء ما يسمى بـ الهيكل الثالث.

–          كما طالبت تلك الأصوات بترحيل أعداد كبيرة من المواطنين الفلسطينيين تحت ذرائع أمنية وغيرها.

هذه هي حقيقة السياسة والمواقف والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين العرب والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وهذا هو واقع الصراع الدائر مع سلطات الاحتلال.

أ – تقرير لجنة زامير 

استكمالاً للسياسة الإسرائيلية الرسمية إزاء المذبحة في الحرم الشريف، وفي محاولة مسرحية تمثيلية مكشوفة لتبرير تلك السياسة وتوفير الغطاء القانوني لها أمام الرأي العام المحلي والعالمي،

سارع اسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي في العاشر من تشرين الأول / أكتوبر 1990 إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، أطلق عليها اسم “لجنة زامير” نسبة إلى رئيسها تصفي زامير رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي سابقاً، وعضوية وكيلي وزارتي “العدل” والداخلية.

لقد أتقنت “لجنة التحقيق” الإسرائيلية دورها المرسوم الذي أنيط بها، فصاغت الغطاء القانوني المطلوب للموقف الرسمي الإسرائيلي الذي أعلنته مختلف المحافل الإسرائيلية والذي أدان كما ذكر سالفاً، المصلين العرب في المسجد الأقصى المبارك وبرر عملية إطلاق الذخيرة الحية بصورة هستيرية بغية حصد المواطنين العرب وقتلهم بالجملة.

ونحن هنا لا نعتزم الوقوف عند مسار التحقيق المسرحي وتفاصيله ونتائجه المنظورة والمتوقعة قبل أن تخرج بها اللجنة”[xv].

النقاط الأساسية التي تضمنها التقرير كما وردت في الصحف الإسرائيلية:

*   حددت لجنة زامير في استنتاجاتها، أن آلاف المصلين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى ساحة الحرم لا لغرض الصلاة، شكّلوا العامل الأساسي للأحداث الدموية.

*  الاستخدام غير المنضبط للذخيرة الحية من قوات الشرطة: غير أن استخدامها كان مبرراً بصورة كاملة من رجال الشرطة الذين تعرضت حياتهم للخطر.

*  الحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة عن النظام العام وضمانه في جبل الهيكل.

*   لم يطلب من اللجنة التوصل إلى استنتاجات شخصية في مجال المسؤولية المدنية والجنائية الانضباطية، وليس لديها أي صلاحية لذلك”[xvi] .

تلك كانت أبرز النقاط في تقرير لجنة زامير، التي حمّلت مسؤولية المذبحة للمصلين الفلسطينيين الذين لم يفعلوا سوى الدفاع عن أنفسهم بواسطة رشق الحجارة أمام الاعتداء المبيّت الذي شنته قوات الاحتلال ضدهم، مستخدمة كل أنواع الأسلحة والقنابل والطائرات المروحية .. كل تلك القوات .. وكل تلك الأسلحة في مواجهة نساء وأطفال وشيوخ ورجال فلسطينيين عُزّل، ورغم ذلك جاءت لجنة زامير لتحمّلهم المسؤولية كما هو متوقع.

كما أوصت اللجنة بأن تتسلم الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الإشراف على الأماكن المقدسة الإسلامية وإدارتها بدلاً من الأوقاف الإسلامية، وقد اتخذت السلطات الإسرائيلية خطوات بهذا الاتجاه، سنأتي على ذكرها في جزء لاحق.

ومن المفيد في تحليل دور “لجنة زامير” وأهدافها، الإشارة إلى جملة الحقائق التالية:

–    إن هذه اللجنة هي لجنة إسرائيلية صرفة،

وقف على رأسها تصفي زامير رئيس الموساد الإسرائيلي سابقاً، وهو جهاز عريق موغل في الإرهاب الدموي ضد الفلسطينيين والعرب.

–    لقد شكلت اللجنة أساساً وبصورة عاجلة لتكون غطاءً تمويهياً لتلك المذبحة.

لتبرير عملية استخدام الذخيرة الحية ضد جموع الفلسطينيين العزل، وهذا ما حدث فعلاً، أي أنها لجنة مثلت دور “الخصم والحكم” في الوقت ذاته، وبالتالي لجنة أحادية الرؤية، وغير موضوعية، ولم يكن متوقعاً أن تكون كذلك.

–    إن طريقة تشكيل اللجنة معروفة ومجرَّبة،

فقد اعتادت السلطات الإسرائيلية على تشكيل مثل هذه اللجان المسرحية في أعقاب المذابح الدموية البشعة وأعمال القتل الجماعي التي نفذتها قوات الاحتلال عبر المراحل الزمنية السابقة، فعايشنا تلك المسرحيات التي نفذتها لجان التحقيق أو الاستقصاء الإسرائيلية التي تم تشكيلها على سبيل المثال لا الحصر في أعقاب المذابح الجماعية التي اقترفت في قبية وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا، علاوة على لجان وملفات التحقيق التي تقدر بالمئات والمتعلقة بانتهاكات وعمليات قتل إسرائيلية ارتكبت ضد الفلسطينيين في ظل الانتفاضة.

–       هذه هي آلية التفكير الإسرائيلي،

وهذه هي العقلية الإسرائيلية الحقيقية التي تقف وراء الممارسات الإسرائيلية المختلفة ضد الفلسطينيين وحقوقهم في الأرض المحتلة.

ب – حقائق لم تذكرها لجنة زامير

في أعقاب صدور تقرير لجنة زامير، سارع “مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة” المعروف باسم “بتسيلم”، إلى إصدار نتائج تحقيق خاص به حول أسباب وأهداف المذبحة، تطرق فيه المركز إلى حقائق لم تذكرها لجنة زامير وتجاهلتها مع سبق التخطيط والإصرار، وأهمها:

–    إن اكتفاء اللجنة (بالوصول إلى الحقيقة) بشهادات شهود من جانب واحد، لأمر جدير بالتعامل معه بشك.

–    فنّدت منظمة بتسيلم أقوال شهود الشرطة أمام اللجنة بأنهم لم يروا سيارات الإسعاف العربية عندما أطلق النار عليها في باحة الأقصى المبارك، وأكدت ما قالته الممرضة العربية فاطمة أبو خضير بأنها شاهدت الجنود وهم يوجهون فوهات بنادقهم باتجاه سيارات الإسعاف.

–    لم تعالج اللجنة في تقريرها موضوع إطلاق الذخيرة الحية باتجاه المواطنين العرب بصورة جدية، ولم تتحدث عنه إلا بحوالى 200 كلمة فقط، فيما يشتمل التقرير على 60 صفحة.

–    قوات الأمن الإسرائيلية أطلقت النار باتجاه ظهور المواطنين العرب، وليس في حالة المجابهة وجهاً لوجه.

–    على عكس لجان التحقيق التي تتمتع بمكانة قانونية محددة، فإن لجان استقصاء من نوع لجنة زامير إنما كانت دائماً “لمبة” في أيدي القيادات السياسية التي يهمها أن تخرج نظيفة من الأحداث”.

إذن تلك هي بعض الحقائق التي أغفلتها لجنة زامير عن سبق تخطيط ونية مبيّتة كما أكدت الصحف الإسرائيلية، وتلك هي الخلاصة التي أكدتها صحيفة دافار في الموضوع نفسه، وهي أن لجنة زامير إنما هي لجنة صورية وأداة بأيدي الحكومة الإسرائيلية، تم تشكيلها على وجه السرعة من اسحق شامير في ضوء ردود الفعل والضغوط العربية والدولية التي تسارعت في أعقاب مذبحة الاثنين في باحة الأقصى المبارك.

4-3-2-  الموقف الدولي من المذبحة

في ضوء حجم وبربرية المذبحة الجماعية التي اقترفتها القوات الإسرائيلية في باحة الأقصى المبارك، وفي ضوء انكشاف عمق تورط السلطات الرسمية عبر قواتها وأجهزتها المختلفة في المذبحة، لم تستطع الولايات المتحدة وحلفاء “إسرائيل” في مجلس الأمن الدولي التستر على هذه الجريمة الإسرائيلية والدفاع عن موقف “إسرائيل” بالوقاحة والصلف المعهودين في مسلسل المواقف السابقة.

لقد انتقلت المذبحة إلى أروقة مجلس الأمن بسرعة كبيرة بمبادرة منظمة التحرير والدول العربية، ولم يكن بوسع الإدارة الأمريكية مساندة هذه الجريمة الإسرائيلية في ظل تصاعد أزمة الخليج، وتصاعد التكالب العدائي ضد العراق والأمة العربية، فبعد أن تمكنت الولايات المتحدة من تجنيد “الشرعية الدولية” ممثلة بالقرارات المتلاحقة التي اتخذها مجلس الأمن ضد العراق، و”الشرعية العربية” المزعومة، وتجييرهما لصالح سياستها العدوانية وحملتها العدوانية الشرسة ضد العراق العربي والأمة العربية، لم تتمكن الإدارة الأمريكية من الإخلال بهذا الميزان، ولذلك وتحت زعم التمسك بالشرعية الدولية وإرضاء للحلفاء العرب الذين تهافتوا للاصطفاف في الخندق الأمريكي، ومحاولة للإبقاء على هذا الطوق والحلف الدولي ضد العراق، جاء الموقف الأمريكي مناورة وتكتيكاً وتضليلاً مؤيداً لقرار مجلس الأمن رقم (672)، الذي تضمن إدانة لإسرائيل وإرسال لجنة لتقصي الحقائق حول المذبحة في الحرم”.

كانت هذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها مجلس الأمن قراراً مرناً ضد “إسرائيل” بعد عملية مخاض طالت كثيراً بسبب الاعتراضات والتعديلات الأمريكية.

أ –  قرار مجلس الأمن رقم (672)

بعد أن جاء الرفض الإسرائيلي، للقرار المشار إليه، سافراً صلفاً مستهتراً، بادرت مجموعة من الدول العربية ودول العالم الثالث إلى طرح مبادرة تدعو مجلس الأمن إلى فرض عقوبات ضد “إسرائيل” بسبب رفضها للقرار وعدم التزامها “بالشرعية الدولية”

غير أن الولايات المتحدة تدخلت من جديد مع عدد من الدول الحليفة وأتقنت دورها من وراء الكواليس، وتمكنت من تخفيف صيغة المبادرة مرة أخرى لتخرج الصيغة النهائية للقرار كما يلي: –

” .. إن مجلس الأمن يعرب عن جزعه إزاء رفض الحكومة الإسرائيلية لقرار المجلس 672 (1990)، ورفضها قبول بعثة الأمين العام .. ويشجب رفض الحكومة الإسرائيلية استقبال بعثة الأمين العام .. ويحث الحكومة الإسرائيلية على إعادة النظر في قرارها، على أن تمتثل امتثالاً تاماً للقرار 672، وأن تسمح لبعثة الأمين العام بالمضي قدماً؛ وفقاً للغرض، يطلب إلى الأمين العام أن يقدم للمجلس التقرير المطلوب في القرار 672 .. ويؤكد عزمه على النظر في التقرير بصورة كاملة على وجه السرعة”.

وكما رفضت الحكومة الإسرائيلية القرار الدولي رقم (672)، سارعت إلى رفض القرار الجديد ( 673) رفضاً قاطعاً، مؤكدة أنها لن تستقبل أي وفد من جانب الأمم المتحدة،

ورغم محاولات الإدارة الأمريكية إقناع الحكومة الإسرائيلية باستقبال مبعوث خاص للسكرتير العام للأمم المتحدة لتقصي الحقائق في المناطق، لكنها كانت من دون طائل أو نتيجة، فالرفض الإسرائيلي استمر، وبدلاً من الوفد الدولي و”تقصي الحقائق” من طرف دولي، كمبعوث السكرتير العام للأمم المتحدة، طالبت الحكومة الإسرائيلية بأن يقبل مجلس الأمن ويكتفي بتقرير “لجنة زامير” التي شكلها شامير.

وفعلاً بعد أن خرجت “لجنة زامير” بتقريرها المذكور أرسلت الحكومة الإسرائيلية نسخاً عنه إلى الإدارة الأمريكية وأعضاء مجلس الأمن والسكرتير العام للأمم المتحدة.

قامت الإدارة الأمريكية بـ “دراسة التقرير، فوجدت فيه نقاطاً إيجابية عديدة”، استحقت المديح والثناء والاكتفاء بذلك.

غير أن السكرتير العام للأمم المتحدة أعلن أنه لا يمكن الاكتفاء بتقرير لجنة زامير وأن على “إسرائيل” أن تلتزم بتطبيق القرارات الدولية.

ب –  مبادرة السكرتير العام لحماية الفلسطينيين:

استمراراً لموقف السكرتير العام للأمم المتحدة في هذه المسألة، أعلن في مطلع تشرين الثاني سنة 1990، عن مبادرة جديدة “تدعو دول هيئة الأمم إلى بحث سبل حماية السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة”.

وكما في المواقف السابقة إزاء قراري مجلس الأمن المذكورين، رفضت الحكومة الإسرائيلية مرة ثالثة مبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة

التي اعتبرتها محافل إسرائيلية رسمية عديدة بأنها مقلقة، وأعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن خيبة أملها من هذه المبادرة في وثيقة سُلِّمَت إلى السفارات الأجنبية وسفارة الأمم المتحدة في إسرائيل.

وجاء في وثيقة الرفض الإسرائيلي:

1- أن إسرائيل تعلن عن خيبة أملها من الموقف أحادي الجانب في التقرير، فالتوصيات المتضمنة فيه موجهة فقط ضد إسرائيل، ولم تستصوب دعوة الجانب الفلسطيني إلى وقف العنف.

2- وفوق كل ذلك، فإن الدعوة التي لم يسبق لها مثيل إلى عقد اجتماع للدول الموقعة على ميثاق جنيف، هي سياسة خطيرة، تشكل مساساً خطيراً بموضوعية جهاز إنساني هام.

3- أن إسرائيل هي المسؤولة وفقاً للقانون الدولي، عن إدارة المناطق، وفرض الأمن والنظام ..

4- أن إسرائيل لن تقبل باستغلال أطراف أجنبية لحادثة مؤسفة أساسها الاستفزاز من أجل المساس بسيادة إسرائيل على القدس..  .

هكذا جاءت اللاءات الإسرائيلية الرسمية المذكورة لقرارات مجلس الأمن ومبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة، استمراراً لسياسة اللاءات الإسرائيلية المعروفة المعمول بها في كل زمان وقضية وقرار على صلة بالحقوق الفلسطينية.

4-3-3-   ردود الفعل الفلسطينية العربية

هزت  المذبحة الإسرائيلية البشعة ضد الفلسطينيين في قلب الحرم القدسي الشريف أوصال الجسم الفلسطيني/العربي داخل الأرض المحتلة وخارجها.

على صعيد الخارج قادت منظمة التحرير والأردن والدول العربية الحليفة تلك الحملة الدبلوماسية المكثفة في أروقة الأمم المتحدة، التي تمخضت عن:

–           قراري مجلس الأمن (672) و (673)، اللذين أدانا ” إسرائيل “، وطالباها بالامتثال الدولي،

–          مبادرة السكرتير العام للأمم المتحدة الداعية إلى بحث سبل حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وشكل القراران والمبادرة معاً إنجازاً دبلوماسياً / سياسياً للمنظمة والدول العربية التي وقفت معها أو بادرت إلى جانبها في هذا النطاق.

وإلى جانب هذا الدور الدبلوماسي/السياسي، ساهمت المنظمة والدول العربية المذكورة:

–          في توفير الغطاء الإعلامي المركّز والواسع لتفاصيل وأبعاد ومضاعفات المذبحة الإسرائيلية من جهة،

–          وفي فضح الوجه الإسرائيلي القبيح من جهة أخرى،

 ما أدى إلى عزلة جزئية ومرحلية للكيان الإسرائيلي على مستوى هيئة الأمم، رغم المحاولات المركزة التي بذلتها الإدارة الأمريكية للتخفيف من حدة هذه العزلة وحدة بشاعة الوجه الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك بادرت منظمة التحرير الفلسطينية يوم 7/11/1990 إلى دعوة الأمم المتحدة لعقد اجتماع عاجل لبحث:

–          موضوع حماية الفلسطينيين في الأرض المحتلة من جهة.

–          ومسألة فرض عقوبات على ” إسرائيل ” لرفضها تنفيذ قراري مجلس الأمن من جهة أخرى.

أ –  شهادات وتطبيقات:

–          لقد تضمنت الرواية الإسرائيلية الرسمية لمجزرة الأقصى ثلاثة بنود أساسية، هي:

1-      أن أحداث الحرم قامت بتخطيط وتحريض مسبقين من قيادة منظمة التحرير وبتنفيذ مؤيدين لها في الداخل.

2- أن الحادث وقع في الأساس نتيجة قيام متطرفين عرب بالاعتداء على مصلين يهود آمنين..

3- إذا حدث تقصير إسرائيلي، فهو ناجم فقط عن عدم الاستعداد الكافي لمواجهة هذه المؤامرة الإسلامية.. .

–          أبرزت لجنة زامير عملية الحصد الجماعي للمصلين الفلسطينيين الذين سقطوا في باحة الأقصى، إذ أجمعوا كلهم على أن قوات الاحتلال أطلقت نيران المدافع الرشاشة بكثافة بهدف حصد المصلين العرب وقتلهم،

“وأن المذبحة جرت باعتداء بوليسي ضد مجموعة من النساء الفلسطينيات قرب قبة الصخرة” .. الخ .

–          أكد د.صالح عبد الجواد من القدس المحتلة في محاضرة ألقاها مساء 5/11/1990 في المركز العلمي الثقافي في مؤسسة عبد الحميد شومان ، حول المذبحة:

” كانت المذبحة مخططة ومُعَدّاً لها مسبقاً.  وهناك شواهد كثيرة على ذلك، منها أن السلطات الإسرائيلية قامت بمنع السياح من دخول الحرم من الساعة الثامنة صباحاً، ثم أقامت الحواجز لمنع دخول المواطنين إلى الحرم، ثم أغلقت أبواب الحرم. وفي الساعة 10.45 صباحاً سقطت 5 قنابل مسيلة للدموع على تجمع للنساء الفلسطينيات دون سابق استفزاز أو عمل من جانب العرب، وبعد ذلك فقط قام عدد من الشبان بالتوجه لحماية النساء، وحينها اقتحمت القوات الحرم من جهة باب الأسباط البعيد عن باحة الأقصى، حيث كانت جاهزة ومستعدة، وأخذت تلك القوات تطلق النيران الكثيفة”.  ثم أكد المحاضِر على أن “معظم الإصابات كانت في الرأس والقلب”.

–          نشرت مجلة “هعولام هزيه” الإسرائيلية في تقرير واسع حول تفاصيل المذبحة، ما قالته الممرضة فاطمة أبو خضير التي أصيبت برصاصة حطمت معصم يدها:

” .. دخلتُ بسيارة الإسعاف إلى باحة الأقصى، فشاهدت عدداً كبيراً من المصابين ساقطين على الأرض .. ثم رأيت كثيراً من الجنود، مئات الجنود، على مسافة 30 متراً من سيارة الإسعاف، يجلسون على ركبة ونصف على طريقة القناصين، وأسلحتهم موجهة إلى داخل سيارة الإسعاف، وبعد ذلك لم أستطع رؤية شيء” .

–          قال الطبيب محمد أبو عايلة الذي أصيب هو الآخر برصاص الجنود عندما كان يقوم بواجبه الإنساني:

“خرجت من سيارة الإسعاف حاملاً حقيبة الإسعافات الأولية، وكنت أرتدي اللباس الأبيض، وقد شاهدني الجنود وعرفوا أنني طبيب، وعندما وصلت إلى المصاب الأول الذي كان بقربي لأسعفه انحنيت عليه لمعالجته، فأصبت بثلاث رصاصات في ظهري في منطقة الكلى، وفي هذه اللحظة استشهد أحد المصابين، وكان يمكن إنقاذه لو لم أصب .. “.

–          قال أحد سدنة الحرم الشريف:

” … في باحة الأقصى أخذ عدد من الشبان ينشدون أناشيد دينية ويرددون شعارات دينية، وفجأة امتلأ المكان بقنابل الغازات السامة”[xxvii].

–          قال المواطن هشام النتشة الذي أصيب برصاصة في رقبته:

“لقد أطلقوا النيران على جميع المصلين ومن كل الاتجاهات”.

–          عزز الممرض محمود المصري قول النتشة:

“أطلقوا النار دون أي استفزاز مسبق، وانتقد الجنود مسألة رشق الحجارة”.

–          تحدث الشيخ عكرمة صبري، إمام الأقصى، في محاضرة ألقاها أمام نادي “الجذور” في أم الفحم، ونلخص هنا مجمل شهادات وتعليقات الفلسطينيين بما قاله، إذ أكد:

“منذ حملة الفرنجة، لم يعرف الأقصى مذبحة كهذه، إنها وصمة سوداء في جبين الصهيونية، يجب أن نؤكد عليها صباح مساء من أجل الكشف عن حقيقة حكام إسرائيل المسؤولين مباشرة عن المذبحة ..

إن المصلين المسلمين لم يرشقوا الحجارة على المصلين في ساحة حائط المبكى، إذ قد أخلى أفراد الشرطة المصلين اليهود قبل ذلك والصورة التي بثها التلفزيون الإسرائيلي هي صورة أرشيفية”.

إذن هذه هي الحقائق الفلسطينية حول المذبحة المشفوعة بدماء نساء وأطفال وشيوخ فلسطينيين، نزفت غزيرة لتخضب أرض الأقصى، كما يتضح من تفاصيل التقارير الواردة حول المذبحة.

ب –  تقرير الهيئة الإسلامية العليا:

أعلنت لجنة تقصي وجمع الحقائق المنبثقة عن الهيئة الإسلامية العليا في القدس في وقت لاحق من الشهر ذاته، عن نتائج التحقيق الذي أجرته حول المذبحة، فأسقطت من جهة كل مزاعم لجنة زامير الإسرائيلية، وعززت من جهة أخرى شهادات وأقوال الشهود العيان العرب حول التخطيط المسبق والمبيّت للمذبحة.

وجاء في نص التقرير:

1-      “الأحداث المأساوية التي وقعت يوم الشهداء، يوم الاثنين 8/10/1990، لم تكن حادثة عفوية، وإنما عمل مبيّت ومخطَّط له من قيادة حرس الحدود والشرطة.

2- إطلاق النار العشوائي وبكثافة ووحشية وهمجية هو بقصد القتل وحده، ومن دون أي مبرر أو تمييز بين امرأة أو طفل أو كهل أو شجر أو حجر، كما أن القنص كان مستعملاً، واستهدف القناصون الرأس والصدر.

3- بلغت حصيلة يوم الشهداء ثمانية عشر شهيداً ومئات الجرحى والمعتقلين.

4- قذف المسلمون الحجارة على الجنود المعتدين بعد أن تعرضوا لإطلاق الرصاص الحي والقنابل الغازية عليهم للدفاع عن أنفسهم”.

–          وكان فلسطينيو الأراضي المحتلة، قد استقبلوا قبل ذلك نتائج لجنة زامير للتحقيق في مجزرة الأقصى بمزيد من الحنق والسخرية واللامبالاة

مؤكدين: “إذا كان القاضي غريمك لمين تشتكي”.

–          وقال عدنان الحسيني مدير أوقاف القدس:

“تحميل الفلسطينيين المسؤولية كان أمراً متوقعاً.  لقد أدركنا منذ اليوم الأول لتشكيل لجنة زامير أنه تقرير مبتور، لم يأخذ بالحسبان الاستفزازات التي دعت المسلمين إلى التجمّع في الأقصى”.

–          وأكد أنور الخطيب، من رؤساء المجلس الإسلامي الأعلى:

“نتائج تقرير لجنة زامير ليست مفاجأة، من الواضح أن المسؤول الحقيقي عن كل حادث هو شامير وسياسته”.

–          وقال خالد الأشهب من البلدة القديمة في القدس:

“نتائج لجنة زامير مثل نتائج لجان مجازر سابقة – كفر قاسم، وقبية، وصبرا وشاتيلا – ونتائج لاحقة”.

–          وشارك العديد من الفلسطينيين خالد الرأي، فعلّقوا بسخرية على نتائج لجنة زامير قائلين:

“النتائج كانت موضوعية لأن الشرطة لم تطلق النار في الهواء هذه المرة، على ما يبدو لقد كف الفلسطينيون عن السير في الهواء.. “.

 

Sabra

مجزرة صبرا وشاتيلا:

حين نتوقف اليوم أمام ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، فإن فيضاً هائلاً من مشاعر الألم والحزن والقهر والغضب يتحرك في نفوسنا بقوة .. بينما تحضرنا في الوقت ذاته جملة كبيرة من الأسئلة والتساؤلات المتعلقة بتطورات وأحداث تلك المجزرة أولاً، والمتعلقة بأطرافها ومقترفيها ثانياً، والمتعلقة بذاكرة الصراع التاريخي ومسلسل المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين والعرب ثالثاً، والمتعلقة، رابعاً وهذا هو الأهم هنا، بالحسابات التاريخية عن مسلسل المجازر الصهيونية .. فمتى وكيف سيدفع قادة الإرهاب الصهيوني فاتورة الحسابات المتراكمة، والتي لم تكن المجزرة المروعة في صبرا وشاتيلا سوى واحدة منها؟!…

وحين نتوقف اليوم أمام هذه المجزرة ونحن نتابع قسرا المفاوضات العقيمة حول التسوية السياسية نتساءل: هل يا ترى ستعيد المفاوضات الأرض والحقوق المغتصبة، وستسدد فواتير الحسابات المؤجلة عن مسلسل التطبيقات الإجرامية الصهيونية التي ما تزال مستمرة على الأرض الفلسطينية؟!.

4-2-1-  تفاصيل المجزرة

نتوقف هنا مرة أخرى أمام تفاصيل المجزرة كي نستذكر ونتذكر بقوة أننا في مواجهة دولة عنصرية إرهابية لن تنسلخ عن جلدها وطبيعتها أبداً.

–          اجتياح بيروت الغربية

في الساعة الخامسة من صباح يوم الأربعاء 15/9/1982، ابتدأت العمليات الإسرائيلية باجتياح بيروت الغربية بعدما كانت الألغام والمتاريس قد رفعت من معابرها وشوارعها، وفيما كانت قوات الحركة الوطنية اللبنانية منزوعة السلاح أو مشتتة.

وبدأ الاجتياح بألفي جندي نقلتهم الطائرات على عجل إلى مطار بيروت، وقبل مضي أربع وعشرين ساعة، أي في صباح الخميس، كان طوق المهاجمين قد أحكم تماماً حول المنطقة.

–          الدخول باتجاه المخيمات

مساء الثلاثاء 14/9/1982، باشرت القوات الإسرائيلية بدخول العاصمة اللبنانية باتجاه ثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين في غرب بيروت.

لم تقابل هذه القوات أي اعتراض قتالي وهي في طريقها للمخيمات، وجاء هذا بعد أن أذيع نبأ نسف المبنى الذي تشغله قيادة حزب الكتائب في الأشرفية، حيث كان بشير الجميل يرأس اجتماعاً لقادة القوات اللبنانية؛ وقبل أن يتأكد وجوده بين ضحايا النسف، اتخذ شارون بالتشاور مع رئيس وزرائه مناحيم بيغن قراراً بدخول الفاكهاني وصبرا وشاتيلا، والطرقات المؤدية إليها مقطوعة.

–          بدأت أعمال القتل مساء يوم الخميس 16/9/1982 وفي الخامسة منه، بعد أن صدر القرار الحكومي عن اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي.

وقد استخدمت في عمليات الإبادة أدوات كثيرة، من القنابل اليدوية والعنقودية، إلى السكاكين والخناجر والبلطات والحبال، وهناك دلائل تشير إلى أن عدداً من القتلة (إن لم يكن كلهم) لم يكونوا في حالة طبيعية مساء يوم الخميس بل كانوا مخمورين أو مخدرين، وقد أشير أيضاً إلى استخدام عقاقير مهيجة، ووجدت في ساحة الجريمة مخلفات تدل على ذلك، ولا شك في أن بشاعة التمثيل بالأحياء من الأطفال والنساء والرجال قبل الإجهاز عليهم، وكذلك بالجثث, يجعلنا نفترض وجود قتلة من نوع خاص جداً.

وقد جرت أعمال التقتيل وسط طوق عسكري وإسرائيلي محكم على المنطقة، ووسط تكتم إعلامي أشد إحكاماً.

كان القتل على أشده والثناء على القتلة في ذروته والتركتورات والجرافات الإسرائيلية تكوّم الضحايا في حفر تحولت إلى مقابر جماعية.

فكانت حصيلة المجزرة نحو خمسة آلاف شهيد هم ضحايا صبرا وشاتيلا، دفعوا حياتهم مقابل أيام معدودة أزالوا من خلالها القناع الحديدي عن وجه الصهيونية، ليرى العالم وجهها الحقيقي سافراً؛ إلا أنه قناع سحري سرعان ما يعود ويغطي الوجه الحقيقي للصهيونية وينفيه بسهولة من ذاكرة الرأي العالم العالمي ليظهر الوجه الذي يخدم مصلحة صاحبه وغاياته في الوقت والمكان الذي يراه مناسباً.

4-2-2-  قضية ومأساة

قضيتهم ومأساتهم أكبر من كل نكبات العالم.. جُمِعوا في غفلة عن أعين الضمير العربي والدولي أشلاء وأجساداً مقطعة إرباً إرباً، ودفنوا في قبر جماعي بصمت لا أحد يعلم حتى أسماءهم.. إنهم ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبها الإسرائيليون بدم بارد في العاصمة اللبنانية بيروت.

وتكبر المأساة ويعتريك شعور غريب لم تألفه من قبل، ملؤه الحزن والأسى، إذا ما وقفت في حضرة الشهداء الذين سقطوا ظلماً وعدواناً ودون أي ذنب اقترفوه إلا لكونهم أصحاب قضية .. هم فلسطينيون، ولبنانيون، ورعايا عرب جمعتهم المحنة في يوم النكبة.

كل شيء في مقبرة شهداء صبرا وشاتيلا في ضاحية بيروت الجنوبية يوحي للمشاهد بأن هناك مؤامرة متعمدة، لمحو صورة مجزرة العصر الرهيبة التي ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي وعملاؤهم عصر يوم 16/أيلول / 1982، من ذاكرة الأمة العربية، فالمكان هو ساحة لا تتجاوز مساحتها المائة والخمسين متراً مربعاً، وفي بطنها يرقد أكثر من خمسة آلاف شهيد من شيوخ ونساء وأطفال وشبان يكاد يغمرهم النسيان، لأن هويتهم عربية، وقضيتهم عربية، وباتوا وصمة عار على جبين الإنسانية التي تجاهلت هؤلاء الشهداء، الذين غسلوا الأرض من رجس العدو، وفجّروا ثورة ومقاومة صنعت نصراً لكل العرب في جنوب لبنان المحرَّر، وفجّرت ثورة الحجارة في فلسطين المحتلة.

وإذا كانت الذاكرة العربية في غياهب دهاليز عصر الهزيمة والانكسار أمام إسرائيل وحلفائها، فإن ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا تأتي دائماً لتحيي المأساة التي ترسم ضمير العالم الساكت في الأصل عن جرائم إسرائيل المستمرة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.

4-2-3-  لم يرحموا أحداً

حول تفاصيل المجزرة البشعة، تحدث عدد من أبناء المخيمين ليقدموا لنا أنصع شهادات حية عن المجزرة.

–          فروى الحاج أبو إبراهيم زعيتر وزوجته أم إبراهيم مشاهد حية عن المجزرة، وقد فقدا (42) شخصاً من عائلتهما في مذبحة العصر، وقال الحاج زعيتر: “لم يرحموا أحداً، حتى القطط والكلاب الشاردة لم تسلم من حقدهم وحرابهم السامة، لقد جمعنا ضحايانا في أكياس من الخيش والنايلون بعد يومين من الجريمة، وهم في ضمير كل المسؤولين والعالم، وقضيتهم برسم كل المنظمات الإنسانية”.

–          وقالت أم إبراهيم: “كانوا كالنعاج المذبوحة في الشارع والدماء تغطي كل مكان، الكبار، والصغار، والشيوخ والشباب، مكدسين في أكوام من اللحوم البشرية، بعضهم مذبوح من الوريد إلى الوريد، وبعضهم الآخر مقطع الأوصال والرأس، والأجساد كلها مشوهة إلى درجة تعذّر علينا فيها معرفة أولادنا .. (كأنك في مسلخ).”

–          ويضيف الحاج زعيتر: “الصدفة وحدها أنقذتنا، إذ حالفنا الحظ وتمكنا في غفلة من المجرمين من مغادرة المكان، وعندما عدنا بعد يومين، راعنا ما شاهدناه من فظائع لا يتصورها أي إنسان عاقل ولا يقبلها أي ضمير – المأساة كانت كبيرة جداً بحجم الدنيا، وكان سلاحنا الصبر والإيمان بعدالة قضيتنا وحقنا المقدس في الحياة؛ لقد ظنوا أنهم يقتلون وطناً، وفاتهم أن موت هؤلاء الشهداء الأبرياء من شأنه أن يفجر ثورة ويصنع مقاومة، فيولد من رحم المأساة أبطال يعرفون كيف يهزمون الأعداء ويحققون النصر”.

–          ذكر أن الشاهد الحي الوحيد على وقائع المجزرة هو محمد شمص (38عاماً) الذي نجا بأعجوبة وقام من بين الأموات بعد 36 ساعة على وقوعها.. وكان من الذين كتبت لهم الحياة بقدرة قادر. “رجل هادئ رزين له سبعة أطفال كانوا يتحلقون حوله”، تحدث قائلاً: “عصر ذلك اليوم المشؤوم طوق العدو الحي من جميع الجهات، وكان حبيقة يقف على ذلك السطح ( وأشار بيده إلى مبنى مقابل لمدخل مخيمي صبرا وشاتيلا)، وجمع المسلحون كل السكان في الشارع العام، كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، وأمروهم بالركوع ففعلوا، ومن لم يحالفه الحظ ويجد مكاناً، وقف ووجهه إلى الجدار المقابل” .. ويسكت قليلاً، ويكاد ينفجر غضباً وحزناً، ثم يضيف: “آخر مشهد قبل بدء “حفلة” الاغتيال كان جارنا أبو مرهف وبحوزته حافظة نقود تحتوي على 500 ليرة لبنانية، فطلب من المسلح الذي صادرها منه اقتسام المبلغ معه لأنه لا يمتلك غيره، وقبل أن يجيب، بدأ إطلاق النار عشوائياً، وفي لحظات تهاوى آلاف الضحايا مضرجين بدمائهم، وتكررت عملية القتل عدة مرات لضمان موت الجميع، كانوا ينتقلون بين الضحايا، يذبحون بحرابهم من بقي فيه رمق من حياة، يفجرون الرؤوس بفؤوس فولاذية من دون رحمة، يقطعون الأوصال، يغتصبون النساء، حتى تحول المكان إلى “مسلخ””.

وكيف نجوت من المجزرة؟

تنهد شمص وهز رأسه قائلاً: “عندما بدأوا بإطلاق الرصاص ارتميت على الأرض فوق أبي وأخي، ولم ينالوا مني في الجولة الأولى، ولكنهم عادوا في الجولة الثانية يطلقون رصاصهم الحاقد على الجميع فرداً فرداً، وكان من نصيبي سبع رصاصات استقرت في جسدي، وشاءت الأقدار أن يقع فوقي بعض الضحايا الذين حالوا بأجسادهم دون الإجهاز عليّ”.

ألم يلاحظ أحدهم أنك لم تمت؟

“لا .. لأنني تظاهرت بالموت، وعندما وقفوا فوق رأسي قطعت أنفاسي ولم أحرك ساكناً لمدة تتجاوز عشر دقائق، فهم لم يغادروا المكان إلا بعدما تأكدوا من موت الجميع، وداسوا بنعالهم على الرؤوس وأجساد الأطفال والنساء بهمجية ووحشية .. كانوا يغتالون كل شيء حي، حتى القطط والكلاب الشاردة لم تسلم من رصاصهم الحاقد. ربما فقدت الوعي لفترة، وقد حال ثقل أجساد الموتى التي تكدست فوقي دون انسحابي بسهولة من بين الأموات، وكان حبيقة يراقب ما يجري من بعيد بواسطة منظار بحوزته وشاهدته بأم عيني”.

وفي اليوم الثالث للمذبحة أي صباح يوم 18/9/1982، تمكنت من الحراك بعدما أزحت عن صدري جثتي أبي وأخي وزحفت بين آلاف الجثث المكدسة في كل مكان طلباً للنجاة، وجراحي النازفة حالت دون وصولي إلى مكان آمن، الأجساد كلها كانت منتفخة، ولا مجال أمامي سوى العبور من فوقها، وأذكر جيداً أنه حين كانت يدي تلامس جسد أحدهم ينسلخ جلده ويعلق بها.

وبعد عراك طويل مع الحياة والموت، خلت الساحة من المسلحين وحضرت سيارات الصليب الأحمر اللبناني، والهلال الأحمر الفلسطيني، ولا أدري بعدها ما جرى، ولم أستعد الوعي إلا وأنا في المستشفى.. إنها جريمة العصر”.

 

Land day

يوم الأرض الفلسطيني:

4-1-1-  ” الشرارة “

في الأول من آذار 1976، أعد متصرف اللواء الشمالي الاحتلالي في فلسطين المحتلة 1948 آنذاك، “يسرائيل كينغ”، وثيقة سرية جداً سميت باسمه وتضمنت مجموعة اقتراحات عنصرية حول كيفية إحباط ما أطلقت عليه سلطات الاحتلال آنذاك خطر التزايد السكاني العربي.

واشتمل مضمون الوثيقة على عدة بنود جوهرها جميعها “المشكلة السكانية العربية” أو “التزايد السكاني العربي” والخطر الذي يشكله على واقع وأمن ومستقبل الكيان الصهيوني ومخططاته، وكذلك اشتمل على موضوع الاقتصاد العربي والعمل والتعليم .. الخ.

–          وقد احتل موضوع التوازن السكاني في الجليل المحتل بين العرب واليهود حيزاً كبيراً في “وثيقة كينغ”

إذ كتب هذا الفاشي يقول: “التكاثر الطبيعي لدى السكان العرب هو 5.9% سنوياً، بينما يبلغ في الوسط اليهودي 1.5%”.  واقترح كينغ، بناء على مقولته هذه، “توطين اليهود في المناطق التي يشكل العرب أكثرية فيها، وتقليص التجمعات السكانية العربية القائمة، وذلك بواسطة تقييدها وتقليصها وحصرها بـما أسماه “التوسع السكاني العربي”.

–          وفي الموضوع الاقتصادي والعمل العربيين، اقترح وطالب كينغ بفصل العمال العرب العاملين في المنشآت الصناعية والورشات اليهودية المقامة في منطقة الشمال بشكل خاص

 بهدف خلق البطالة في الوسط العربي .

–          كذلك اقترح تنفيذ إجراءات تهدف إلى تقليص التعليم الأكاديمي العربي والقضاء على المثقفين العرب

 من خلال تهجيرهم إلى خارج وطنهم وفرض البطالة على من يتبقى منهم في أرض الوطن”.

–          وكان موضوع الأراضي العربية يشكل جوهر وثيقة “كينغ” وسياسة سلطات الاحتلال.

ففي أعقاب هذه الوثيقة، وبعد الإعلان عنها بأيام قليلة، أعلنت سلطات الاحتلال عن مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية في فلسطين المحتلة، فتصاعدت إثر ذلك وتيرة الأحداث التي وصلت ذروتها بانفجار الثلاثين من آذار سنة 1976،

إذ “أعلن السكان الفلسطينيون العرب الإضراب العام الشامل الذي عمّ أنحاء فلسطين المحتلة احتجاجاً على سياسة التهويد والمصادرة”، وكان هذا الإعلان عن ذلك اليوم النضالي تأكيداً على عزم الجماهير العربية على النضال الصلب دفاعاً عن حقوقها القومية وفي مقدمتها حقها في البقاء في أرضها ووطنها.

ولجأت سلطات الاحتلال إلى أقسى وأعنف أساليب القمع والإرهاب لمنع الإضراب وإحباطه،

وقامت بعملية استعراض واسعة لعضلاتها، فأرسلت قوات عسكرية ضخمة إلى المدن والقرى العربية، وبشكل خاص إلى منطقة الناصرة المحتلة، غير أن كافة إجراءات وممارسات الاحتلال لم توقف المد العربي والانتفاضة العربية، فكانت نتائج الإضراب الشامل انعكاساً لحجم الصدام بين الطغاة والطغيان وأصحاب الحق،

فأقدمت قوات الاحتلال على اقتراف مجزرة دموية في ذلك اليوم، فسقط ستة من المواطنين العرب شهداء

على أرض الوطن دفاعاً عن كرامتهم، معمِّدين بدمائهم هذا اليوم التاريخي، وقد عكس ذاك اليوم وحدة الجماهير العربية الفلسطينية وتصميمها على مقاومة وإحباط سياسة المصادرة والتمييز العنصري ضدها.

4-1-2-  مشروع تهويد الجليل

“وفي أعقاب هذا اليوم التاريخي، أصدرت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بياناً حذرت فيه الجماهير العربية من أن سياسة مصادرة الأراضي العربية هي أبرز معالم سياسة التمييز العنصري الجائرة، إذ لم يبق للعرب في فلسطين المحتلة آنذاك من الأرض أكثر من نصف مليون دونم من الأراضي بعد كل ما صادرته سلطات الاحتلال بشتى الوسائل والذرائع الباطلة”.

–          نتائج المشروع:

1.      تقويض الزراعة العربية: “نتيجة لإجراءات المصادرة والمحاصرة، فقد تقوض عدد من فروع الزراعة العربية بسبب تقلص مساحة الأرض العربية، وتدني مساحة الأرض المزروعة بالنسبة للوحدة الزراعية في القرى العربية من 49 دونماً في عهد الانتداب البريطاني إلى حوالى ثلاثة دونمات”.

2.       تحول القرى العربية إلى ثكنات نوم للعمال العرب الذين تركوا، ولا زالوا يتركون، قراهم نهاراً للعمل في الزراعة والصناعة اليهودية التي أقيمت فوق أراضيهم السليبة.

3.      وعلاوة على كل هذا، فقد كان ينطوي مشروع تهويد الجليل المحتل على تهويد لمستقبل السكان العرب الذين يشكلون الأكثرية في هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 1.5 مليون دونم، وتمتد من حدود لبنان إلى مرج بن عامر، الأمر الذي كان يقضّ مضاجع قادة الكيان الصهيوني باستمرار.

–    أهداف المشروع:

جاء في مشروع تهويد الجليل على لسان سلطات الاحتلال ما يلي: “القضية الخاصة بالجليل هي قلة السكان اليهود بالنسبة لغير اليهود – أي العرب – الذين يؤلفون 70% من مجموع السكان، ففي العام 1973 كان عدد العرب في الجليل 147 ألفاً مقابل 62 ألف يهودي، وفي أطراف الجليل كان عدد العرب 40 ألفاً، يسكنون في ضواحي حيفا وفي عكا وطمره وشفا عمرو” .

أكد المشروع على الطابع الديموغرافي للمنطقة، وعلى أن المهمة الأساسية بالنسبة لسلطات الاحتلال تكمن في تحويل الجليل إلى منطقة ذات أغلبية سكانية يهودية.

وردت في “الكتاب الأسود عن يوم الأرض” كما يلي:

“تغيير الوضع الديموغرافي الراهن بين السكان العرب واليهود بواسطة مشروع له الأهداف التالية:

1.   تحويل إقليم الجليل الجبلي إلى منطقة ذات أكثرية يهودية.

2.   ضمان توزيع جديد – صحيح للسكان اليهود في الجليل.

3.   تعزيز اقتصاد السكان اليهود الذين ينضمون إليهم في المستقبل”.

–          تنفيذ هذا المشروع يقتضي الاستيلاء على مزيد من الأراضي،

 فقد تحدث المشروع عن “مصادرة حوالى 20 ألف دونم من الأراضي، قيل حينئذ إن ثمانية آلاف منها “أراض حكومية” وخمسة آلاف “أراض يهودية”، وإن هناك خلافاً حول ملكية الـ 6-7 آلاف دونم الباقية”.

لقد تعاملت سلطات الاحتلال الصهيونية مع السكان العرب الفلسطينيين دائماً استناداً إلى النظرية الصهيونية التالية: “ما أصبح في يدنا هو لنا، وما لا يزال في يد العرب هو المطلوب وهو موضوع التفاوض” .

وفعلاً، بعد إنشاء الناصرة العليا الاستيطانية على حساب الأراضي العربية التابعة للناصرة وقرى عين ماهل والرينة وكفر كنا والمشهد، أقدمت سلطات الاحتلال قبل الثلاثين من آذار سنة 1976 بعدة أيام على مصادرة آلاف الدونمات الأخرى من أراضي الناصرة وقضائها.

4-1-3-  الــذكــرى

ومنذ ذلك اليوم، وفي الثلاثين من آذار من كل عام، تحيي جماهير الشعب العربي الفلسطيني في أرجاء فلسطين ذكرى هذا اليوم التاريخي، مفجِّرةً في كل عام انتفاضة جديدة غاضبة شاملة تمتد من دير حنا في الجليل الشمالي إلى رفح على حافة سيناء.

في الثلاثين من آذار من كل عام، تعلن جماهير شعبنا في الوطن المحتل عن تمسكها بهويتها الوطنية وبحقوقها الثابتة وتلاحمها العضوي مؤكدة إصرارها على البقاء ومواصلة الصمود رغم عنف وشراسة إجراءات الاحتلال وكل محاولاته الرامية إلى طمس الهوية الوطنية وتصفية الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.

وبعد … فهذه هي قصة يوم الأرض التاريخي – يوم الشعب العربي الفلسطيني باختصار شديد، أعدناها إلى الأذهان لتنغرس في قلوب وعقول الناشئة من أبناء شعبنا الذين يتساءلون عن يوم الأرض التاريخي.

هذه هي قصة يوم الأرض الفلسطيني الذي تحييه الجماهير الفلسطينية في أنحاء الوطن المحتل في كل عام على طريقتها الخاصة، فتجسّد فيه معاني الوحدة.. وحدة الدم والمصير الواحد بين أبناء الشعب الواحد.

Khan younis

مجزرة خان يونس:

تصادف في الثاني من تشرين الثاني من كل عام ذكرى مجازر 1956 التي ارتكبها الاحتلال في خان يونس إبان العدوان الثلاثي على مصر، وراح ضحيتها أكثر من 500 شهيد وشهيدة من أبناء شعبنا؛

وذلك بعد أربعة أيام من مذبحة كفر قاسم التي راح ضحيتها 49 شهيداً من الشيوخ والنساء والأطفال، وبعد ثلاثة وعشرين يوماً من مذبحة المركز في قلقيلية، لتتعانق أرواح هؤلاء الشهداء مع أرواح شهداء انتفاضة الأقصى، فاضحة تعطُّش الاحتلال للدم ومؤكدة على أن الصهاينة مستمرون في جرائمهم ومجازرهم التي كان آخرها مجزرة بيت ريما والتي راح ضحيتها عشرة شهداء، وعلى أن شعبنا لم يرفع الراية البيضاء وإنما يواصل مقاومته وجهاده رغم حجم التضحيات والضغوطات.

ويتذكر كبار السن والناجون مشاهد دامية من المجزرة التي تعكس وحشية الاحتلال واستهتاره بالأعراف والقيم الإنسانية، مجددين مطالبهم بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في المجزرة وغيرها من المجازر البشعة التي ارتكبت بحق شعبنا ومعاقبة المسؤولين عنها.

يروي الحاج عبد الرؤوف بدران، 103 أعوام، الذي يعتبر شاهداً على قرن فلسطيني مليء بالمآسي والتشرد، البدايات الأولى للمجزرة، عندما رفض الأهالي التسليم للقوات الإسرائيلية التي اجتاحت سيناء ورفح واحتلت غزة، وأصروا على المقاومة والدفاع عن المدينة، واستذكر كيف انهالت القنابل من الطائرات والدبابات على المساكن لإخماد المقاومة، وهو الأمر الذي أوقع العشرات من القتلى والجرحى، ودبت حالة من الهلع والرعب بين المواطنين، وهو ما مكّن جنود الاحتلال من اقتحام المدينة ليبدأوا عملية انتقام وحشية. وأضاف وهو يهتز بانفعال شديد متذكراً تلك الأيام السوداء: “لم نكن نتوقع أن تصل الوحشية إلى هذه الدرجة .. فكانوا يسوقون الرجال والشباب ويجمعونهم في الساحات العامة ثم يطلقون النار عليهم بلا رحمة”.  وفقاً للباحث الدكتور محمد الفرا الذي وضع كتاباً حول خان يونس ماضيها وحاضرها، فإن جنود الاحتلال قاموا في العام 1956 بدخول المنازل دون استئذان أهلها وقاموا بكسر أبواب المنازل التي لم يفتحها سكانها بالسرعة المطلوبة، وكانوا يطلقون النار بلا هوادة أو رحمة على كل رجل أو فتى، على مرأى من والديه وإخوانه الصغار، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 شهيد فضلاً عن مئات الجرحى.

3-12-1-  مذبحة الشيخ عمري

ويتذكر عبد المجيد “أبو محمد” الذي كان عمره إبان المجزرة 13 عاماً، كيف هجم جنود الاحتلال على منزلهم في منطقة القرار واقتادوه مع شقيقه الأكبر عبد الرحيم ومجموعة من الشباب إلى منطقة الشيخ عمري، مشيراً إلى أن أحد الجنود طلب منه الابتعاد عن المجموعة والعودة من حيث أتى، ليشاهدهم بعد ذلك يطلقون النار على الشباب الذين يبلغ عددهم حوالى 50 شاباً، وذلك بدم بارد ودون سبب،

فيبدأ الشباب المصابون بالسقوط مضرجين بدمائهم، فيما حاول بعضهم الهرب من المكان أو التظاهر بالموت، وبدأ التأثر على “أبو محمد” وهو يتذكر هذا المشهد المرعب، مشيراً إلى أنه سارع إلى الهرب من المكان والعودة إلى منزله وهو يرتجف رعباً من هول المشهد الذي شاهده. والتقطت أم العبد الكلام من ابنها -“أبو محمد”- مشيرة إلى أنها بعد سماعها تفاصيل الحدث، انطلقت دون وعي إلى المنطقة التي نفذت فيها المذبحة لتجد أن ابنها عبد الرحيم لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن أصابته عدة رصاصات قاتلة، فيما كان حوله مجموعة من الشهداء والجرحى الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وتتذكر أم العبد التي ارتسم وجهها بتجاعيد الزمن وأهوال الأحداث، كيف واتتها الجرأة لتلبي رغبة الجرحى الأخيرة في الحصول على الماء، مشيرة إلى أن المواطنين بدأوا بعد ذلك بالتجمع ونقل جثث الشهداء ودفنها ومعالجة الجرحى .

3-12-2-  مخطط إجرامي

وقال عبد القادر الأسطل الذي نجا من هذه المذبحة، إنه في صباح المجزرة بدأ الجنود بجمع شباب القرية حتى وصل العدد إلى ما يقارب الخمسين، ثم أمرونا بأن نصطف في طابور واحد، فأخبرنا الجنود بأنهم سيقتلون الأول في الطابور ثم يقوم الاثنان اللذان يليانه بحمله وإلقائه إلى جانب الطريق. وبالفعل، بدأ الجنود مخططهم الإجرامي، فاستشهد عشرة شباب، مشيراً إلى أن القتل لم يتوقف إلا بعد أن وصلت دورية إسرائيلية إلى المكان وتوجهت القوة إلى منطقة الشيخ عمري واقتحمت ديوان آل فياض وقتلت كل من وجِد فيه، لتسفر هذه المجازر عن قتل 25 شاباً، منهم عبد الرحيم عبد الغفور وعبد الله فياض ومحمد فياض وعبد العزيز فياض وعبد الرزاق فياض، وسليم الشامي وسلمان الشامي؛ ويعتبر الأسطل أنه آن الأوان لفتح ملف هذه المجزرة ومعاقبة المسؤولين عنها، داعياً المحامين إلى تبني مسؤولية المتابعة القانونية.

3-12-3-  الشهداء يسبحون في دمائهم

من جانبه، وصف الناجي أبو يوسف عاشور، 75 عاماً، وحشية جنود الاحتلال في مجزرة ثانية وقعت في مخيم خان يونس وسقط فيها ثلاثون شهيداً، فيما أصيب هو بجراح لا يزال يعاني منها إلى الآن، مشيراً إلى أن الجنود هجموا على المنطقة وكسروا الأبواب وأخرجوا كل من يزيد عمره على خمسة عشر عاماً واتجهوا بنا إلى منطقة النادي، حيث تم تجميع الشباب هناك وتم إجبارهم على الاصطفاف في طوابير ثم انهال علينا الرصاص من كل الجهات، فسقط الشهداء؛ وتابع عاشور بتأثّر بالغ: “وقعت على الأرض من الرعب والخوف وتظاهرت بالموت” مشيراً إلى أن الجنود لم يتركوا المنطقة إلا وهي غارقة في بركة من الدماء .

3-12-4-  دعوة للتحقيق في الجريمة

ويرفع عاشور صوته إلى جانب الأصوات المطالبة بالتحقيق في هذه الجريمة ومعاقبة المسؤولين عنها، مشيراً إلى أنه يسمع بين فترة وأخرى عن جهود لمتابعة القضية، ثم يتم تجاهلها بعد انقضاء الذكرى، مشدداً على أن الواجب يتطلب بذل جهد حقيقي بما يضمن حقوق ذوي شهداء وجرحى هذه المجزرة، خاصة أن مسلسل المجازر مستمر، ويمكن متابعة هذه القضايا كلها في المحاكم الدولية.

وعقّب د. كمال الأسطل رئيس قسم العلوم السياسية على مطالب الأهالي والناجين بقوله، إن المجازر تعتبر جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، وإنه من حق الشعب الفلسطيني أن يطالب بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في الجريمة التي راح ضحيتها المئات من المدنيين، وذلك بعد احتلال المدينة من الجيش الإسرائيلي، كما من حقه المطالبة بمعاقبة المتسببين في المجازر الحالية والمستمرة.

وتبقى هذه الشهادات الحية التي قدمناها صورة من الصور العديدة لتلك المجزرة البشعة ونموذجاً من التاريخ الأسود للاحتلال في المنطقة، التي تثبت اليوم أن شعبنا قادر على البقاء والتشبث بأرضه رغم محاولات التطهير والتشريد حتى يتمكن من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

Kafr-Kasem

مجزرة كفر قاسم:

–          في إطار استعداداتها للعدوان الثلاثي على مصر، اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات تشديد وقمع ومحاصرة شاملة للسكان العرب في المناطق المحتلة 1948، بحجة ضمان الأمن الداخلي خلال العدوان على مصر.

–          وفي ليلة 28/10/1956 ، تمّ ضم فرقة من حرس الحدود إلى فرقة من الجيش الإسرائيلي، ووضعت القوة تحت إمرة المقدم يششكار شدمي.

–          وفي صبيحة 29/10/1956 أبلغ قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال العميد “تصفي تسور” كل الضباط العاملين تحت إمرته، بالسياسة التي ستتبع ضد السكان العرب،

وشدد تسور على أن ضمان العمليات العسكرية التي ستنفذ في الجنوب (الهجوم على قطاع غزة وسيناء) يتطلب المحافظة على الهدوء التام في المناطق العربية، وطلب منه المقدم شدمي أن يلجأ إلى فرض حظر التجوال على القرى العربية في المنطقة – أي قرى المثلث – وتم إعطاء هذا التصريح. وفعلاً، تم إعلان حظر التجوال في كل القرى العربية : كفر قاسم ، كفر بره، جلجولية ، الطيرة الطيبة قلنسوه ، بير السكة ، ابطن ،

–          وصدر الأمر العسكري الذي تم إعلانه على السكان العرب وهذا نصه: “لن يسمح لأي من السكان بمغادرة بيته خلال ساعات منع التجول .. من يترك بيته نطلق عليه النار، ولن يعتقل أحد”.

وأعلن المقدم شدمي: “أن حظر التجوال سيكون حازماً، وسيحافظ على تنفيذ هذه الأوامر بيد قوية، ليس من خلال الاعتقالات، وإنما بإطلاق النار”؛ وعندما سأل الرائد إبراهام هيلنكي قائده شدمي عن مصير المواطن العائد من عمله خارج القرية دون علم بفرض أمر منع التجول، أجابه المقدم شدمي: “لا أريد عواطف .. الله يرحمه”.

وهكذا قام الرائد هيلنكي مزودا بالأوامر والتعليمات بعقد اجتماع في مقر قيادته حضره كل الضباط المنضوين تحت إمرته، ونقل لهم هذه الأوامر، وأجاب على تساؤلاتهم بصراحة ومن ضمن ما قاله لهم:

” يجب قتل كل من يوجد خارج البيت بإطلاق النار عليه، ولن يكون هناك معتقلون، وإذا حدث في الليل وسقط بعض القتلى، فهذا سيخفف من أعباء فرض منع التجول في الليالي القادمة “.

–          وبعد ذلك جرى توزيع فرق من الجنود على قرى المثلث، وتوجهت قوة بقيادة الرائد غبرائيل دهان إلى قرية كفر قاسم، حيث قام بتوزيع جنوده إلى أربع مجموعات، اتخذت مواقعها على مداخل القرية وفي داخلها.

–          وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 29/10/1956 وقبل نصف ساعة من بدء فرض حظر التجول حسب ما أعلن، استدعى رقيب من حرس الحدود مختار قرية كفر قاسم وديع أحمد صرصور وأبلغه بأمر منع التجول، وعندما أخبره المختار أن هناك حوالى 400 مواطن من أهالي القرية لا زالوا في أماكن عملهم خارج القرية وفي أراضيهم، وأنه لا يمكن تبليغهم بأمر منع التجول في فترة نصف ساعة، وعده الرقيب بالسماح بمرور العمال العائدين إلى القرية وأن الأمر سيكون على مسؤوليته ومسؤولية الحكومة.

–          وفي الساعة الخامسة، وهو موعد عودة العمال والمزارعين العرب إلى القرية، بدأت المذبحة؛ إذ كانوا يعودون أفراداً وجماعات على الدراجات أو عربات الخيول أو في السيارات، وكان الجنود يستقبلونهم على مداخل القرية، ثم يأمرونهم بالوقوف والترجُّل، ثم يسألونهم : “من أي قرية أنتم؟” وبعد الإجابة “من كفر قاسم”، كان الضابط يأمرهم بالوقوف صفاً واحداً ويصدر لجنوده أمراً بإطلاق النار عليهم بقوله: “احصدوهم”.

وكان الرائد دهان يشترك مع جنوده في إطلاق النار على العائدين إلى القرية، وكان الجنود بعدها يكدسون الجثث (وبعض الجرحى) على قارعة الطريق، وخلال ساعة واحدة قامت هذه الفرقة من حرس الحدود بقتل حوالى خمسين عربياً من أبناء القرية منهم: 31 من الشباب والرجال، و9 نساء بين شابات ومسنّات، و7 أولاد وبنات.

3-11-1-  شهادات ميدانية

–          وفي وصفها لما حدث بعد المجزرة بأسبوع، قالت إحدى المسنّات من أهالي كفر قاسم والتي استدعيت للتعرف على جثة زوجها، وكيف أن أهالي القرية مُنعوا من دفن موتاهم: “لقد أحضروا أشخاصاً من قرية جلجولية لدفن الموتى بشكل عشوائي، ومن بين التراب كانت تظهر أيدي وأرجل ورؤوس”.

–          ويقول المواطن عبد الرحيم عيسى الذي كان يبلغ الخامسة عشرة من عمره آنذاك، واصفاً ما شاهده من المذبحة: “في الساعة الخامسة بالضبط كما أذكر، فرضت قوات الاحتلال حظر التجوال على قرى المثلث، أي قبل إعلان العدوان على مصر بدقيقة واحدة، وكانت الأجواء متوترة، إذ إن الفدائيين يقومون بعمليات ضد قوات جيش الاحتلال؛ وأُخضِعَت القرى العربية للحكم العسكري وحالة الطوارئ. وفي ذلك اليوم – يوم المذبحة – تم تقديم موعد حظر التجوال – عن سبق إصرار وتخطيط – في حين كان جنود الاحتلال يعلمون أن عدداً كبيراً من العمال والمزارعين العرب لم يعودوا إلى بيوتهم”.

–          ويقول المواطن خضر محمود بدر: “لقد توقفت إلى جانب الطريق، ووقف إلى جانبي ثلاثة عمال من عمال الكسارات، وفجأة سألنا أحد الجنود: من أين أنتم؟ وعندما سمع الرد بأننا من كفر قاسم تراجع إلى الوراء قليلاً: ” احصدوهم “؛ وكانت النيران كثيفة جداً، وفجأة سقط فوقي بعض الأشخاص وتقدم الجنود نحونا، وبدأوا يرموننا من فوق الجدار، وصرخ ابن عم والدي الذي كان قريباً مني: أطفالي، أطفالي، ولكن أحد الجنود عاجله بتحطيم رأسه، وأنا لم أشعر بشيء، لقد حاولت أن أتقدم ولم أستطع، فقد أصبت بساقي .. وقد قتل اثنان من العمال الثلاثة فوراً، أما الثالث فتظاهر بالموت ونجح في الاختفاء بين قطيع من الماشية، والوصول تحت ستاره إلى القرية “.

ويتابع المواطن بدر قائلاً: “لقد حاولت التقدم بمساعدة يدي، وكنت طوال الوقت أسمع صرخات فظيعة، وفجأة لا أعرف من أين جاءتني القوة فأمسكت بغصن ضجرة زيتون وتسترت بها، وكنت أسمع باستمرار دوي الرصاص وأصوات الصراخ، وكان جهاز الاتصال في أيدي الجنود يكرر دون توقف: “قتلنا عشرة من العرب .. قتلنا .. قتلنا ” .

–          ويقول المواطن صلاح خليل عيسى الذي كان في الثامنة عشرة من عمره آنذاك: “وصلت إلى الحاجز العسكري شاحنة مليئة بالعمال العرب .. فسمحوا لها بالمرور وهي على بعد بضعة أمتار منهم، أطلق الجنود نيراناً كثيفة باتجاه من في داخلها، وكنت أنا أشاهدهم من إحدى البساتين القريبة”؛ وقد قتل نتيجة لذلك ثلاثة عشر مواطناً عربياً، وأصيب عدد آخر بجروح، أما أنا فقد أصبت في يدي وساقي، وبعد قليل وصل بعض العمال العرب، فسمعت أحد الجنود يصرخ قائلاً: “احصدوهم”، وسقط بعضهم على الأرض، وبعد حوالى ربع ساعة وصلت شاحنة أخرى كانت تقل 19 عاملاً عربياً تقريباً، فأنزلوهم جميعاً من الشاحنة وأوقفوهم صفاً واحداً وأطلقوا النار عليهم مرة واحدة بكثافة، وبدأ الجنود يجرون الجثث وأنا تظاهرت بأني ميت فسحبني أحد الجنود ورماني فوق الجثث، وبصمت وهدوء كبير زحفت إلى شجرة زيتون قريبة وصعدت على أحد فروعها العريضة وبقيت حتى الصباح “.

–          ويتحدث المواطن عبد الرحيم عن المذبحة قائلاً: “كنت آنذاك في السابعة عشرة من عمري، وكنت أعمل في أرضنا، وفي المساء نفسه سمعنا أصوات الرصاص فاعتقدنا أن هناك إطلاق نار على الحدود الأردنية، ولم نعلم أنهم فرضوا حظر التجوال، فأرسل والدي أحد أشقائي ليستدعيني، وعدنا على ظهر شاحنة.  وعلى مدخل القرية، حيث نصب الجنود الحاجز العسكري، توقفت الشاحنة وصعد بعض الجنود وأخذوا يطلقون النار علينا، فارتمينا جميعاً على بطوننا وبدأ الجنود يسألوننا من أين أنتم وأين كنتم؟ ولم ينتظروا الرد، وأنزلونا جميعاً وأوقفونا صفاً واحداً، وفجأة أصدر قائد الحاجز أمراً للجنود قائلاً: “احصدوهم”. وكان شقيقي يقف خلفي، فضغط على بطني، وعندما أطلقوا النار باتجاهنا سقطنا معاً على الأرض، واستمر شقيقي يضغط علي وأصبت أنا بساقي اليسرى، وبدأ الجنود يمرون علينا واحداً واحداً لفرز الحي من الميت فينا، فتظاهرتُ بالموت، عندها وصل أحد الجنود عندي وقد تحركت ساقي المصابة، وفجأة بدأ شقيقي يهدئني، وأنا أردت أن أوقفه عن الحديث بواسطة يدي، فأطلق الجنود على يدي وبدأ شقيقي يصرخ؛ حينها، أطلقوا النار على رأسه، فخرجت الرصاصات من الجانب الآخر وصمت. وبعد أن كانت يده تضغط على بطني شعرت بأنها ارتخت وسقطت تماماً.

–          وبعد حوالى نصف ساعة وصلت سيارة تقل فتيات عربيات، وفجأة قالت إحداهن: “ها هم على الأرض”، فأوقف الجنود الفتيات على بعد حوالى خمسين متراً، وبدأوا يتحدثون معهن ثم أطلقوا النار عليهنّ فقتلوهن، وبعد مرور الوقت، استيقظت، فوجدت نفسي في المستشفى.

3-11-2-  المحكمة المسرحية

كانت هذه شهادات ميدانية لبعض المواطنين العرب الذين نجوا من تلك المذبحة الرهيبة بأعجوبة، وقد هزت هذه المذبحة كافة السكان العرب في مختلف أنحاء الوطن المحتل، والرأي العام العربي.

أما على صعيد الكيان الصهيوني، فقد أمر رئيس الوزراء في حينه دافيد بن غوريون بتشكيل ما أسماه بلجنة تحقيق “شكلية” لامتصاص نقمة السكان العرب والرأي العام، ولم تصدر سلطات الاحتلال بياناً رسمياً حول المذبحة إلا يوم 12/11/1956.

ولم تذكر في هذا البيان عدد المواطنين الذين قتلوا برصاص الجنود.. وأجرت لجنة التحقيق المذكورة تحقيقها الصوري وأوصت في ختامه بتقديم مرتكبي المذبحة للمحاكمة، ولكنها لم تنشر أسماءهم، وطالب موشيه ديان بعقد جلسات مغلقة للمحاكمة. وفي كانون الثاني من العام 1957، أي بعد المذبحة بحوالى شهرين، بدأت “محاكمة كفر قاسم”، فقُدِّم أمام المحكمة 11 ضابطاً وجندياً من حرس الحدود وكان على رأسهم المقدم “يششكار شدمي” الذي اعتبر المتهم الأول، الرائد “غبرائيل دهان” المجرم الثاني.

واستمرت محاكمتهم حوالى سنتين كاملتين، وفي النهاية أصدرت المحكمة المسرحية التي عقدت لنفث سموم الحقد والعنصرية ضد العرب، أحكاماً بدت ظاهرياً قاسية لإسكات الرأي العام العربي والعالمي، وكانت كالتالي:

–          حكم  على الرائد شموئيل ميلنكي بالسجن 17 عاماً بتهمة قتل 43 مواطناً عربياً من كفر قاسم.

–          وحكم على الرائد دهان بالسجن لمدة 15 عاماً بتهمة قتل 22 مواطناً عربياً.

–          وحكم على الجندي شالوم عوفر بالسجن 15 عاماً بتهمة قتل 22 عربياً.

–         وحكم على الجنديين مخلوف حروش والياهو إبراهام بالسجن سبع سنوات لكل منهما بتهمة قتل 22 عربياً.

–          وغير ذلك من الأحكام الصورية التي صدرت ضد عدد من الجنود.

–          أما المقدم شدمي، المجرم الأول، فقد قررت المحكمة تغريمه بمبلغ “عشرة أغورات” – أي ما يعادل قرشاً واحداً فقط – بتهمة قتل كل المواطنين العرب الذين سقطوا في مذبحة كفر قاسم.

وبعد مرور وقت قصير، استأنف المحكومون الصهاينة الأحكام لدى المحكمة العليا التي خففتها،

 فخفضت حكم ميلنكي إلى 14 عاماً، ودهان إلى 10 أعوام، وباقي المتهمين إلى 3 أعوام.

وبعد ذلك جاء رئيس الأركان حينها حاييم لاسكوف وخفف أحكامهم مرة أخرى.

ولم يمض عام واحد منذ صدور الأحكام ضدهم، إلا وأطلق سراحهم جميعاً من السجن، الأمر الذي يذكّرنا هنا بما يجري ويقترف في هذه الأيام من جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

ولاستكمال المهزلة، قامت بلدية الرملة بتعيين الرائد دهان، بعد إطلاق سراحه بثلاثة أشهر، في منصب المسؤول عن الشؤون العربية في بلدية الرملة.

3-11-3-  تخليد ذكراهم

أما أهالي كفر قاسم ومختلف مدن وقرى فلسطين المحتلة، فقد حرصوا على إحياء ذكرى شهداء تلك المذبحة المروعة، كما حرصت الجماهير العربية على إحياء القضية الفلسطينية باستمرار وتأكيد وحدة المصير والمعاناة والموقف والنضال بين كافة أبناء الشعب العربي الفلسطيني. كما يتجلى هذا المضمون في أنحاء الوطن المحتل في ظل مسيرة التصدي والصمود المستمرة ضد الاحتلال.

 

Kalkelya

مجزرة قلقيلية:

كان إحساس سكان قلقيلية، قضاء طولكرم، بالخطر الصهيوني مبكراً، فقد أخذوا، مع صدور قرار التقسيم، بالاستعداد للدفاع عن قريتهم وجمعوا مبالغ كبيرة من المال واشتروا بها السلاح والذخيرة، وتعاون أهالي القرية على حماية أنفسهم وأرضهم وخاضوا معارك كثيرة.

لم تنقطع الاشتباكات بين عرب قلقيلية والقرى القريبة منها والعدو الصهيوني رغم توقيع اتفاقيات الهدنة، ولم يكتم الصهاينة رغبتهم في تدمير القرية، وهدد موشيه ديان في حزيران 1953 قائلاً (سأحرث قلقيلية حرثاً).

في الساعة التاسعة من مساء ذلك اليوم، تسللت إلى قرية قلقيلية مفرزة من الجيش الإسرائيلي تقدر بكتيبة مدرعات تساندها كتيبتا مدفعية ميدان ونحو عشر طائرات مقاتلة، فقطعت الأسلاك الهاتفية ولغمت بعض الطرق، في الوقت الذي تحشدت فيه قوة كبيرة في المستعمرات القريبة.

في الساعة العاشرة من مساء اليوم نفسه، تحركت القوات وهاجمت القرية من ثلاثة اتجاهات مع تركيز الجهد الرئيس بقوة كتيبة المدرعات على مركز الشرطة فيها.

بعد نحو ساعة، عاد المعتدون إلى الهجوم بكتيبة المشاة تحت حماية المدرعات، بعد أن مهدوا للهجوم بنيران المدفعية الميدانية، ورغم ذلك فشل الهجوم أيضاً.

شعر سكان القرية أن هدف العدوان هو مركز الشرطة، فزادوا قوتهم فيه وحشدوا عدداً كبيراً من المجاهدين هناك، ولكن المقاتلين تكبدوا خسائر كبيرة عندما عاودت المدفعية القصف، واشتركت الطائرات في قصف القرية ومركز الشرطة بالقنابل؛ وفي الوقت نفسه، هاجم الصهاينة مرة ثالثة بقوة، وتمكنوا من احتلال مركز الشرطة، وتابعوا تقدمهم عبر شوارع القرية مطلقين النار على كل من يصادفونه، واستشهد نحو سبعين مقاتلاً من سكان قلقيلية والقرى المجاورة الذين هبوا لنجدتهم.

وكانت وحدة من الجيش الأردني، ترابط قرب المنطقة، قد تحركت للمساعدة في التصدي للعدوان، ولكنها اصطدمت بالألغام التي زرعها الصهاينة، فدُمِّرَت لها مصفحة وسيارتان كبيرتان، واشتبكت مع وحدات العدو وقصفت المدفعية الأردنية العدو وكبدته خسائر، وانسحب العدو بعد أن دمر القرية وعاث فيها فساداً.